ألغاز تراثية (6) – كلب أصحاب الكهف.. هل كان أنوبيس عند المصريين القدماء؟ | هاني عمارة

ألغاز تراثية (6) – كلب أصحاب الكهف.. هل كان أنوبيس عند المصريين القدماء؟ | هاني عمارة

4 Dec 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

كلب أصحاب الكهف

في القرآن الكريم، وردت قصة أصحاب الكهف كمجموعة من الفتية المؤمنين آمنوا بالله في بلد أهلها وثنيون. هربوا من مطاردة الحاكم إلى كهف ناموا فيه 309 سنوات، وعلى بابه كلب يحرسهم. يستيقظون بعدها معتقدين أنهم لم يناموا إلا يومًا، ليفاجئوا بأنهم في زمان آخر آمن فيه أهل المدينة.  والعبرة الأساسية من القصة في القرآن تأكيد عقيدة البعث.

نفس القصة وردت في التراث المسيحي السرياني بعنوان “النيام السبعة” في ميامر مار يعقوب السروجي كقصة وعظية تتخذ دليلًا على عقيدة القيامة، وهو ما يتفق مع الهدف من القصة في النص الإسلامي؛ باعتبار البعث مرادفًا إسلاميًا للقيامة.

ملاك أصحاب الكهف

رسم مسيحي للنيام السبعة يعود للقرن العاشر

حارس أصحاب الكهف.. كلب أم ملاك؟

الخلاف الجوهري بين القصة في الإسلام والمسيحية هو الكلب. في الرواية المسيحية وكل الله بأرواح أصحاب الكهف ملاكًا ساهرًا يحفظ أجسادهم، أما الرواية الإسلامية فالموكل بالحراسة كلب باسط ذراعه بالوصيد؛ بمعنى راقد قدماه ممددتان في فناء الكهف أو على بابه بحسب اختلاف تفسير معنى الوصيد

الاختلاف دعا كثيرًا من نقاد القرآن من المستشرقين والباحثين الجدد للاعتقاد بأن استبدال الكلب بالملاك ترجمة خاطئة للنص السرياني، وبينهم المستشرق الأمريكي سيدني جريفيث، وكذلك الباحث المغربي محمد المسيح، الذي اعتبر أن خطأ حدث في تنقيط الكلمة، فانتقلت من “كالئهم” بمعنى حارسهم في النص الأصلي إلى كلبهم في النص المترجم، وهو تفسير متعسف؛ كون كلمة كالئ غير مستخدمة، بخلاف تضافر روايات كلب أصحاب الكهف التي استفاضت في ذكر اسمه وصفاته، وأنه من حيوانات أهل الجنة.

النقطة التي يمكن أن تحل الإشكال – في ظني – هي إيجاد تصور يجمع بين تفسيري الملاك والكلب. فهل يمكن جمع وظيفة الملاك وهيئة الكلب؟! الإجابة نعم.. في عقيدة قدماء المصريين!

البعث عند قدماء المصريين

إذا كانت الروايتان الإسلامية والمسيحية تتفقان على إثبات عقيدة البعث والقيامة، فلنعد لجذور هذه العقيدة التي نشأت في مصر القديمة.

آمن قدماء المصريين بالبعث والحياة الأخرى بعد الموت. لم يكن مجرد إيمان فحسب، بل تبعه أمور عملية؛ مثل التحنيط لحفظ جسد المتوفي لتمكينه من العودة في الحياة الأخرى، كما رسموا تصورًا كاملًا لمسار الرحلة يدونه كتاب الموتى فيصف رحلة المتوفى من الموت والتحنيط، مرورًا بالعالم السفلي ومواجهة الأخطار ثم الخروج إلى قاعة الحساب أمام الإله أوزيريس، فيجيب عن الأسئلة، ويوزن قلبه، قبل الحكم عليه إما بالفناء أو بالمرور إلى جنة القصب.

الرمز البارز في هذا الموضوع هو أنوبيس؛ أحد أهم الآلهة في مصر القديمة، والموصوف بعدة أوصاف منها إله الموتى، وحارس المقبرة، وإله التحنيط.

وظيفة أنوبيس – بحسب كتاب الموتى – تبدأ منذ الموت، فتشمل التحنيط، ونزع قلب الميت، وحراسة مقبرته، ثم إيقاظه ليوم الحساب، وتسليمه لقاعة المحاكمة. أي أن وظيفته تبدأ بالموت، وتنتهي بالحساب. وبين الفترتين يحرس المقبرة.

أنوبيس 1

من كتاب الموتى أنوبيس يقوم يحنط الميت في الأعلى، وفي الأسفل يجلس حارسًا للمقبرة ممدًا رجليه الأماميتين

أنوبيس يصور في الرسومات المصرية القديمة بجسم إنسان ورأس كلب، وأحيانًا بهيئة كلب كامل جالسًا ممددًا رجليه الأماميتين في جلسة الكلب المعروفة. ويرسم أنوبيس على هذه في عدة مواضع.

أنوبيس 2

لوحة أنوبيس جالسًا باسطًا ذراعيه في ردهة مدخل إحدى المقابر المصرية القديمة

أنوبيس 3

أنوبيس جالسًا باسطًا ذراعيه في مدخل مقبرة الملكة نفرتاري

أنوبيس 4

تمثال أنوبيس جالسًا باسطًا ذراعيه فوق صندوق القبر، والمكتشف في مقبرة الملك توت عنخ أمون

الهيئة هنا تتشابه مع الوصف القرآني لجلوس الكلب على مدخل الكهف حيث يرقد النيام.

مفارقة أخرى يظهرها الوصف القرآني في عبارة “وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود”، والتي جاء في تفسيرها أن عيونهم تكون مفتوحة حال نومهم، حتى لتظن أنهم متيقظون. وهو ما يتشابه بصورة عجيبة مع صور المومياوات في الرسومات المصرية القديمة، حيث يبدو الميت مستلقيًا على ظهرة فاتحًا عينيه كما لو كان يقظًا

المفارقة الثالثة الأعجب وردت في آية حركة الشمس طلوعًا وغروبًا (وترى الشمس إذا طلعت تزوار عن كهفهم). وقد ورد في كتاب الموتى رحلة مركب الشمس رع نهارًا وليلًا، حيث يلتقيها المتوفى في رحلته إلى العالم السفلي.

الشمس تزور المتوفى

الشمس تزور المتوفى

لا نبالغ لو قلنا إن الآية المعنية بكلب أصحاب الكهف تكاد تكون وصفًا للوحة فرعونية جنائزية.

أما الصورة المسيحية التي تجعل حافظ أصحاب الكهف ملاكًا، فتتفق في المضمون مع الصورة المصرية القديمة. حيث تتشابه وظيفة الآلهة المصرية القديمة (نتر تعني إله حسب المصرية القديمة) من حيث الوظيفة مع فكرة الملائكة في الأديان الإبراهيمية، فيكون أنوبيس مقابلًا لملاك الموت أو ملاك البعث.

باختصار:

يمكن القول إن قصة أصحاب الكهف تصوير لرحلة البعث في العقائد المصرية القديمة من الموت والمكث وحراسة المقبرة حتى القيامة.


ملف ألغاز تراثية في دقائق


س/ج في دقائق: هل عثرنا على الإسكندر الأكبر؟ وما علاقة مصر بقبر قائد الإغريق؟

الهوية المصرية.. حينما تكون جنسيتك حقيقة بيولوجية | مينا منير | دقائق.نت

س/ج في دقائق: بردية كوبنهاجن تكشف كيف حدد المصريون القدماء نوع الجنين


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك