اعتصام الإخوان وأنصارهم في ميدان رابعة بين يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب 2013 وفر الحاضنة.
قيادات الجماعة عملوا على انتقاء عناصر من المعتصمين تتراوح أعمارهم حول 18 عامًا للانضمام لتلك التنظيمات التي ستعمل لاحقًا على نشر الإرهاب في مصر.
بعد فض الاعتصام في 14 أغسطس/ آب، كان 26 تنظيما مسلحا تابعا للجماعة جاهزًا للتحرك فورًا
من محافظة الفيوم – 100 كم جنوب غرب القاهرة – خرجت أغلب عناصر تلك الحركات، التي انطلقت في 2016.
الفيوم بوابة الصحراء الغربية، ومنها يسهل تحرك الإرهابيين بين مصر وليبيا، بينما تكفل سيطرة الإخوان على المساجد الصغيرة "الزوايا" في القرى تسهيل عملية استقطاب العناصر الجديدة.
وصل الإخوان إلى الفيوم تنظيميًا في 1937، ومنها خرج سكرتير عام الجماعة عبد الحكيم عابدين، وتوسع نشاطهم فيها حتى دفعوا فيها بمرشحين اثنين من أصل 6 شاركت بهم الجماعة في الانتخابات النيابية لأول مرة عام 1945.
ومن الفيوم، خرجت كتيبة إخوانية كاملة مجهزة بالقيادة والأسلحة والمؤن للمشاركة في حرب فلسطين 1948.
وقبل ٣٠ يونيو 2013، كانت المحافظة الأعلى تصويتيًا للرئيس الإخواني محمد مرسي وجماعته في انتخابات الرئاسة والبرلمان.
الفيوم كانت تاريخيًا مفرخة للعناصر الإرهابية. فيها عاش مفتي الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن، ومنها خرج تنظيم الشوقيون الذي أسسه شوقي الشيخ بأفكار تكفيرية مطابقة تقريبًا لتلك التي تبناها داعش لاحقًا.
محمد كمال، وضع خطته الإنهاك والإرباك والإفشال بعد دراسة فكرية لتوظيف العنف ضد الدولة بعد سقوط الإخوان.
الخطة أعلنها القيادي الإخواني الهارب في تركيا مجدي شلش على قنوات الإخوان.
الخطة تقوم على ضرب مفاصل الدولة، حتى إسقاطها، من خلال إنشاء معسكرات الطلائع لتدريب عناصر الإخوان في الواحات والصحراء المصرية.
الصراع الذي وقع بين محمد كمال ومحمود عزت نائب المرشد كان على القيادة، بسبب سيطرة كمال على الشباب والأموال، مما أدى لاستقالة كمال قبل مقتله.
وبعد مقتل كمال أصبحت حركة حسم تنسق مع داعش والقاعدة لتلقي التمويلات أو تهريب الأسلحة.
بعد اغتيال محمد كمال، أشرف القيادي الإخواني أحمد محمد عبد الرحمن عبد الهادي على إكمال ما بدأه.
وتولى عبد الهادي دور الوساطة بين تنظيمات الإخوان المسلحة وبين المخابرات القطرية والتركية، خاصة فيما يتعلق بالتمويل.
عبد الهادي ينتمي لمحافظة الفيوم، كان مقربًا من المرشد محمد بديع والرئيس الإخواني محمد مرسي، وكان عضوًا في مجلس الشعب الذي سيطر عليه التنظيم في 2011.
هو المتهم الأول في قضية اغتيال النائب العام، واسمه مدرج على قائمة المطلوبين لتنفيذ حكم غيابي بالإعدام.
إحدى التنظيمات المسلحة التي خرجت من الفيوم كانت حركة حسم، التي افتتحت عملياتها الإرهابية باغتيال رئيس مباحث طامية، أحد مراكز المحافظة، في يوليو/ تموز 2016.
بعدها، استهدفت الحركة العديد من أفراد الشرطة، وتبنت عملية تفجير سفارة ميانمار، وحاولت اغتيال المفتي السابق علي جمعة والنائب العام المساعد.
اعتادت حسم تبني عملياتها ببيانات مصورة حتى 2017، لتتوقف بعدها عن إعلان مسؤوليتها عن عمليات إرهابية بعدما صنفتها الولايات المتحدة وبريطانيا تنظيمًا إرهابيًا؛ خوفًا من تتبعها من الحكومات الأجنبية، لكن التفجيرات لم تتوقف.
عبد الرحمن خالد محمود عبد الرحمن.. شاب إخواني ينتمي لأسرة إخوانية من محافظة الفيوم. شارك في اعتصام رابعة عندما كان يبلغ من العمر 19 عامًا.
تخرج لاحقًا من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، التي خرجت سابقًا مؤسس الإخوان حسن البنا وصاحب الظلال سيد قطب.
كان مؤهلًا تمامًا للانضمام لحركة حسم، رفقة شقيقه إبراهيم، وبات مطلوبًا للمحاكمة في قضية جنايات عسكرية.
وقبل تفجير معهد الأورام بسبعة أشهر، غادر عبد الرحمن منزل العائلة، وحاول السفر إلى سيناء للقيام بعمليات ضد الجيش والشرطة هناك لكنه فشل.
بكل تلك الملابسات، بات عبد الرحمن مرشحًا لتنفيذ عملية التفجير التي ضربت معهد الأورام في العاصمة المصرية القاهرة.
أوكلت القيادة لإبراهيم – شقيق عبد الرحمن وصديقهما حسام عادل مسؤولية رصد ومراقبة منشأة أمنية كان التنظيم يخطط لاستهدافها.
ولتسهيل التواصل بين العناصر المكلفة بالتنفيذ، لجأ التنظيم لاستخدام تطبيق تليجرام؛ كونه يشفر الرسائل فيمنع تتبعها، ويتيح إمكانية تدمير الرسائل تلقائيًا بعد وقت معين من إرسالها.
للتنفيذ، استعان التنظيم بسيارة مسروقة من محافظة المنوفية، فخخوها بخلط مادة جديدة شديدة الانفجار بمادتي "فور سي" و"تي إن تي".
ولانتماء أسرته لتنظيم الإخوان، لم يجد عبد الرحمن مشكلة في تخزين السلاح في حظيرة المنزل.
في 3 أغسطس/ آب، قبل العملية بيوم واحد، التقى عبد الرحمن بوالدته وشقيقه وشقيقته في حديقة الأزهر بالقاهرة، وأعلمهم بالعملية، وودعهم.
وفي مساء اليوم التالي، استقل عبد الرحمن السيارة المفخخة، وتوجه نحو الهدف المحدد، لكن سيره عكس الاتجاه أمام معهد الأورام على كورنيش النيل أدى لاصطدامه بسيارتي ميكروباص تقلان أقارب عروس كانوا متجهين لحضور حفل زفافها.
الانفجار أودى بحياة 23 شخصًا، فضلًا عن إصابة العشرات، فتحول العرس لمآتم.
بعد التحريات والمداهمات، نجحت الأجهزة الأمنية في كشف الخلية خلال 4 أيام من تنفيذ التفجير، بعد رصد مكالمة جمعت شقيق المتهم إبراهيم ومحمد علي رجب واسمه الحركي محمد عايش الذي يقوم باستقطاب الشباب من الفيوم، التي ينتمي إليها أغلب أعضاء الحركة.
إبراهيم قتل ضمن 17 من أعضاء الخلية - 8 منهم من الفيوم - في حملة مداهمات طالت المتورطين في التفجير، بينما حاولت والدته الاختباء عند أقاربها في مسقط رأسها بالفيوم، لكن الأهالي أبلغوا عنها الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض عليها بعد الوصول لتسجيلات المراقبة التي كشفت علمها بالجريمة قبل تنفيذها.
وما زال العقل المدبر أحمد محمد عبد الرحمن عبد الهادي هاربًا في تركيا، لكن جريمة إرهابية جديدة أضيفت لسجله.
بين ميدان رابعة وأورشليم.. المعركة الأخيرة وما بعدها | مينا منير