مع اكتشاف أول بئر فى تاريخ النفط السعودي وهو بئر الدمام فى شهر مارس من عام 1938، أصبحت السعودية هى عاصمة النفط علي كوكب الأرض، ومنذ ذلك الحين تسيطر الرياض علي إحدى المراكز الثلاث الأولى فى قائمة أكبر منتجي ومصدري النفط فى آخر 50 عامًا، اقتصاد نفطي بامتياز، صفر ضرائب علي المواطن وتطبيق كامل وحرفي لمفهوم “الدولة الراعية”.
نعود بالزمن 5 سنوات للوراء، عند وفاة الملك عبدالله فى يناير 2015 وتولي القيادة الجديدة للسلطة من بعده، كانت حالة الأمن القومي للرياض شديد السوداوية والاحباط.
في حوار أجراه ابن سلمان وفريقه الاقتصادي مع 5 صحفيين من وكالة «بلومبرج »، في أبريل/نيسان 2016، سأل صحفي ابن سلمان ومرافقيه: كم كان حجم الهدر في الاقتصاد؟
يقول آل الشيخ مستشار الامير محمد: الإنفاق غير الفعال تراوح بين 80 و100 مليار دولار سنويًا، ما يعادل ربع ميزانية السعودية بالكامل.
يتدخل الأمير محمد ويسأل مستشاره أمام صحفيي بلومبرج: ما مدى قرب السعودية من التعرض إلى أزمة مالية فى ذلك الوقت؟
يرد “آل الشيخ”: الحال اليوم أفضل بكثير، لكنك لو سألتني نفس السؤال قبل سنة واحدة من الآن بالضبط (يقصد عام 2015)، لربما أوشكت حينها على التعرض لانهيار عصبي، في الربيع الماضي، عندما توقع صندوق النقد الدولي، أن تساعد الاحتياطيات السعودية في إنقاذ البلاد لخمس سنوات على الأقل من انخفاض أسعار النفط (يقصد حادثة انهيار سعر البرميل الذي بدأ فى 2014 واستمر لسنوات لاحقة)، اكتشف فريق الأمير أن المملكة سوف تتعرض للإفلاس التام خلال عامين (اي بحلول 2016)، لو بقي الإنفاق عند مستويات ابريل من العام 2015.
ومن أجل تجنب الكارثة؛ قلل الأمير الميزانية بنسبة 25%، وأعاد تطبيق ضوابط الإنفاق الصارمة واللجوء إلى أسواق الدين (أي الاستدانة من الخارج كمصدر للدخل بدلا من النفط)، كما بدأ في تطوير ضريبة القيمة المضافة والرسوم الأخرى (تُفرض لأول مرة فى تاريخ السعودية)؛ ما ساهم في التقليل من معدل استنزاف احتياطات السعودية النقدية، الاستنزاف الشهري وصل الي 30 مليار دولار طوال النصف الأول من عام 2015.
مع تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي ولي العهد فى أبريل من عام 2015 ثم منصب ولي العهد فى يونيو 2017 شرع – بالتدريج وبقدر من التأني والحرص – فى العديد من الإصلاحات الثورية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية، أبرزها تعديل عدة قوانين متشددة تخص وضع المرأة السعودية والترفيه والفن والسياحة.
يري البعض أن هذه الاصلاحات أساسية فى أي مجتمع، وليس بها أي إنجاز يستحق الاشادة، لكني اعتقد بأن الوضع كان شديد السوء فى المملكة، وضع دام لعقود طويلة تحول الى مكون اساسي فى الشخصية والقانون السعوديين،
وجدت القيادة الجديدة نفسها امام جبل شاهق الارتفاع من الفتاوي والتطرف والعُقد، ليس فقط فى ذهن الشيوخ وبعض أجنحة السلطة بل أيضا فى ذهن أجيال وملايين المواطنين، مأساة وعبء وكارثة من الحجم الثقيل للغاية، بما يجعل إصلاح هذا الوضع المزري فى فترة وجيزة وبفعالية كاملة، بمثابة إنجاز حقيقي وقفزة ثورية.
لأنها تمثل وزنا نسبيا كبيرا فى جناحي سوق العمل المشتغلين والمتعطلين.
وبالتالي لو قامت الحكومة السعودية بتفكيك الخطاب المتطرف ثم منحت المرأة حقوقها الطبيعية فى :
تكون القيادة الجديدة قد أنجزت نصف الطريق نحو حل مشكلة سوق العمل والبطالة فى السعودية.
النجاح الأهم علي الإطلاق هو رفع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية فى إجمالي إيرادات الموازنة العامة السعودية.
وذلك عبر إدخال فرض الضرائب فى العام 2017 للمجتمع السعودي كأحد موارد الدولة مثلها مثل اي دولة طبيعية حول العالم، وذلك لأول مرة منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة بالعام 1932،
وتم ذلك دون أي اعتبار لتحركات سعر برميل النفط سواء بالهبوط أو الارتفاع، فخطة التنويع وخلق موارد جديدة وفك الارتباط بالنفط مستمرة دون توقف ولا عودة للوراء:
ولي العهد السعودي يريد أن تحظي بلاده باقتصاد متنوع، وهو محق فى حجم الخطر المحدق جراء التخلف عن هذا الهدف، لكن ما هو الطريق؟
الطريق الوحيد هو تخليص المجتمع والاقتصاد السعودي من أن يكون رهينة لبرميل النفط.
هيكل الاقتصاد السعودي عندما تولي بن سلمان كان ذا علاقة ترابطية طردية بين البرميل والموازنة والنمو:
هيكل الاقتصاد السعودي كما يتمناه الأمير محمد هو أن يفكك هذه العلاقة الارتباطية:
بناءًا عليه يجب خلق موارد جديدة للاقتصاد، قاطرات جديدة للتنمية أخرى بخلاف النفط والبتروكيماويات.
أي خلق قطاعات صناعية، ترفيهية، سياحية، لوجستية، تعدينية وخلافه من المجالات المتعددة التى تستلزم مستثمرين محليين وأجانب.
لكن المشكلة تكمن في أن هذه المجالات لم يخترقها أحد من قبل، وبالتالي تحمل مخاطر عالية مما يعرقل أي مستثمر عن التفكير فى ضخ أمواله بها.
كان الحل المتاح هو أن تتولي الدولة زمام المبادرة وتقود هذه الجهود الرائدة لاختراق هذه المجالات للمرة الأولى في تاريخ المملكة ثم يأتي رجال الأعمال لاحقًا.
لكن من أين سنأتي بالتمويل اللازم لذلك؟.. وكيف نقنع السعوديون بشراء صاروخ محلي الصنع وقضاء الصيف بنيوم السعودية بدلاً من شواطئ كان جنوب فرنسا أو شراء سيارة شيفروليه مجمعة محلياً؟ كيف نقنعهم بكل ذلك حكومة وشعب؟
السؤال الأهم: من أين سنأتي بالتمويل الضخم اللازم لتغطية استخراج وإنتاج كل هذه الموارد المخبأة بباطن الأرض والبحر السعوديين؟
لها حل بسيط للغاية لكنه أيضا شجاع ويتطلب إرادة صلبة:
أشرت إلى التحديات السابقة الخاصة بالمخاطرة الاستثمارية في سوق جديد.
لكن التحدي الأبرز جاء مع أزمة الجائحة فى 2020 لتبطئ من وتيرة القفزاتالتى يتبناها الأمير محمد بن سلمان، فحقق الاقتصاد السعودي انكماشاً فادحاً بقيمة -3.7%، أما عجز الموازنة الذي تم السيطرة عليه فى السنوات الاربع الاولي للاصلاح، عاد مرة اخري لينفلت ويرتفع الي 12% كنسبة للناتج أو 300 مليار ريال بدلا من 5% كنسبة للناتج 120 مليار ريال
وبالتالي انخفضت سرعة الاصلاح الهيكلي وفقد قدرا معتبرا من زخمه.
الخروج من الأزمة يستلزم الخروج بأقل خسائر ممكنة من فترة الجائحة. واستمرار الإرادة الاقتصادية لتحقيق خطة التحول الاقتصادي، وهو ما ظهر مؤخرا في تدشين مشروع ذا لاين، كجزء من مشروع نيوم.
ذا لاين السعودية | مدينة اللاءات الأربعة الفريدة عالميا | س/ج في دقائق