في 15 أبريل 1955، أصدرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تصريحها الأول لاستخدام عقار هيدروكسي كلوروكين كعلاج للملاريا، قبل أن يتطور استخدامه بالدمج مع أدوية أخرى لعلاج عدد من أمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي الحاد والمزمن والذئبة الحمامية القرصية والذئبة الحمامية الجهازية.
يمكنه أيضًا الحماية من الأشعة فوق البنفسجية وأحيانًا تحسين الآفات الجلدية التي لا تستجيب للمراهم، بحسب يو إس ايه توداي.
وهو مدرج على قوائم الأدوية الأساسية النموذجية لمنظمة الصحة العالمية
يقول مركز جونز هوبكنز إنه يمكن أن يساعد في السيطرة على الأمراض من خلال تقليل نشاط الجهاز المناعي دون تعريضه للإصابة، وتقول الإيكونوميست إنه يقلل قدرة الفيروسات على اختراق الخلايا والتكاثر داخلها.. ومن هذه التوقعات تحديدًا، وجد طريقه إلى صف الأدوية المستخدمة لمواجهة الفيروسات التاجية (كورونا).
من التوقعات حول آلية عمل الدواء، جرب الباحثون استخدامه لعلاج فيروس سارس في 2003، قبل إعادة تجربته مجددًا في التعامل مع فيروس كورونا الجديد.
حامد ميرشانت، أستاذ الصيدلة في جامعة هيدرسفيلد يبرر ذلك ببعض مزايا الهيدروكسي كلوروكين، من ضمنها التأثير المضاد للالتهابات الذي يمكن أن يحدثه، وكذلك إمكانية استخدامه لعلاج الحالات الخطيرة من الالتهاب الرئوي على المستوى الخلوي، أو على الأقل الالتهاب الذي يحدث في الرئتين بواسطة كورونا المستجد.
بيتر هوراك، رئيس الرابطة الأوروبية لصيادلة المستشفيات، يقول إن العقار يمكنه تعديل الاستجابة المناعية، وفي بعض الحالات يعمل كدواء مضاد للفيروسات أو مضاد للالتهابات للأمراض النادرة.
لكن هوراك يحذر من أنه يمكن أن يسبب تلفًا للجلد والعيون مثل اعتلال الشبكية.
في منتصف مارس، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حماسه تجاه استخدام هيدروكسي كلوروكين لعلاج فيروس كورونا المستجد. سرعان ما منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيصًا بـ "الاستخدام في حالة الطوارئ" لعقار الهيدروكسي كلوروكين مع عدد محدود من مرضى المستشفيات.
لكنها استدركت في الشهر التالي وأصدرت تحذيرًا من استخدام العقار بعد تقارير أفادت بتسببه في مشاكل قلبية مع بعض المرضى، بحسب بي بي سي.
في 19 مايو أعلن ترامب أنه يتناول العقار منذ حوالي عشرة أيام، على سبيل الوقاية. وشرح ترامب أمام الصحفيين مطولًا خياره تناول العقار كسبيل وقائي. وقال "ستفاجأون بعدد الأشخاص الذين يتناولونه، خصوصا من هم في الخط الأمامي. قبل أن يصابوا" .
وتابع أن تناوله هيدروكسي كلوروكين "لن يؤدي إلى ضرر"، مؤكدا أن هذا العقار "يتم استخدامه منذ 40 عامًا... الكثير من الأطباء يتناولونه".
إعلان ترامب عن الدواء نقل النقاش حول العقار من ساحة البحث العلمي إلى الجدل السياسي؛ الديمقراط ووسائل الإعلام الموالية لهم بدأت تصنيف الهيدروكسي كلوروكين باعتباره "دواء ترامب".
زعيم الديمقراط في مجلس الشيوخ تشاك شومر ندد بتصريحات الرئيس ووصفها بـ"الخطيرة"، معتبرًا أن الرئيس يعطي الناس آمالًا خاطئة، وقد يعرضهم للخطر أيضًا".
بالمثل، وصف جو بايدن، مرشح الديمقراط لانتخابات الرئاسة 2020، إعلان ترامب عن جدوى هيدروكسي كلوروكوين باعتبارها "غير مسؤولة على الإطلاق".
كما استخدم الديمقراط الجدل بشأن هيدروكسي كلوروكين كفرصة لمهاجمة الجمهوريين لقبول مساهمات من شركات صناعة الأدوية، التي تواجه شعبية منخفضة بشكل قياسي بعد سنوات من الهجمات من السياسيين في كلا الحزبين بسبب ارتفاع أسعار الأدوية.
في أريزونا، انتقد الديمقراط نائب الحزب الجمهوري ديفيد شفايكيرت لقبوله شيكًا بقيمة 1،000 دولار من شركة نوفارتيس، وهي شركة تصنع هيدروكسي كلوروكين، والذي وصف رئيسها التنفيذي الدواء بأنه "الأمل الأكبر" لعلاج كوفيد 19 في أواخر مارس.
وفي نيوجيرسي، هاجم الديمقراط النائب جيف فان درو، الذي حول انتماءه الحزبي للجمهوريين بعد دعوى عزل ترامب في ديسمبر، للترويج لهيدروكسي كلوروكين، وانتقدوا أيضًا قراره بقبول مساهمة فردية بقيمة 500 دولار من جو بيتزا، وهو مسؤول تنفيذي لشركة تبيع هيدروكسي كلوروكوين.
وتبرع قسم الأدوية العامة في الشركة بـ 30 مليون جرعة من هيدروكسي كلوروكوين إلى المخزون الوطني الاستراتيجي في 29 مارس، بحسب ستيت نيوز.
المعركة عادت للساحة العلمية، لكن بأرضية الجدل السياسي.
في 22 مايو، نشرت دورية لانسيت مقالًا عن بحث أُجري على 96 ألفًا من المصابين بفيروس كورونا في 671 مستشفى حول العالم.
وأُعطي نحو 15 ألفا من المصابين عقار الهيدروكسي كلوروكين، أو تركيبات دوائية تحتوي على الكلوروكين - وحده أو مضافًا إليه مضادات حيوية.
توصلت الدراسة إلى أن العقار لم يُظهر أي فعالية في علاج فيروس كورونا، وإنما زاد خطورة تعرُّض المرضى لاضطرابات قلبية وللوفاة.
منظمة الصحة العالمية استندت على الدراسة، وعلقت اختبارات فعالية عقار الهيدروكسي كلوروكين في علاج كوفيد-19.
لكن المفاجأة حدثت، الحكومة الفرنسية طلبت من لانسيت مراجعة للبيانات الأولية المستخدمة في الدراسة. وسرعان ما تراجع الباحثون القائمون على الدراسة، وأعلنوا أنه لم يعد في مقدورهم الدفاع عن دقتها، لأن شركة سيرجيسفير التي تقف وراء بيانات الدراسة، لم تسمح بعمل مراجعة مستقلة لتلك البيانات.
رئيس شركة سيرجيسفير، سابان ديساي، رابع الباحثين القائمين على الدراسة، قال للجارديان إنه مستعد للسماح بعمل مراجعة مستقلة، لكنه أضاف أن إتاحة البيانات من شأنها "المجازفة باتفاقيات أبرمت مع عملاء وبما يتطلبه ذلك من سرية".
منظمة الصحة العالمية تراجعت عن قرارها بعد تراجع الباحثين، وسمحت باستئناف اختبارات فعالية العقار في علاج كوفيد-19، في 3 يونيو.
أستاذ طب الطوارئ في جامعة جونز هوبكينز غايب كيلين قال لوكالة فرانس برس: "الأمر مسيس بدرجة كبيرة، ثمة مجموعة ليست بصغيرة على الأرجح تعلمت التشكيك بالعلم والعلماء، وما حصل يصب في هذا الاتجاه".
بعد قرار منظمة الصحة العالمية بالاستئناف، خرجت دراسة جديدة من جامعة أكسفورد في الأسبوع الأول من يونيو، تعلن أن هيدروكسي كلوروكين لا يعمل ضد كوفيد-19 ولا يجب إعطاؤه لأي مرضى بمستشفيات العالم.
مارتن لاندراي، نائب رئيس الباحثين في تجربة التعافي وأستاذ الطب وعلم الأوبئة في جامعة أكسفورد قال: "إذا تم إدخالك إلى المستشفى، فلا تتناول هيدروكسي كلوروكين"، بحسب الجارديان.
وقال بيتر هوربي، أستاذ الأمراض المعدية الناشئة والصحة العالمية في جامعة أكسفورد، إنهم أبلغوا منظمة الصحة العالمية، التي استأنفت للتو تجارب هيدروكسي كلوروكوين بعد إيقافها مؤقتًا. لكن منظمة الصحة لم تتخذ قرارًا بعد.
وفي نفس اليوم، أفاد باحثون أمريكيون وكنديون في دراسة نشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية أن هيدروكسي كلوروكوين لا يبدو أنه يحمي الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بعدوى كوفيد- -19.
أولى الدراسات التي أشارت لفعالية هيدروكسي كلوروكوين في الحد من بعض أعراض كوفيد-19 كانت في فرنسا نشرت نتائجها في مارس، ومن وقتها بدأ الأطباء في دراسات عدة للتحقق من صحة فعاليته، وكان من ضمنها معهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) – والتي لا تزال مستمرة.
يعتقد بعض الخبراء أن الدواء قد يساعد في السيطرة على كوفيد-19 جزئيًا عن طريق منع قدرة الفيروس على الارتباط بخلايا الجسم.
تظهر الدراسات التي أجريت على الحيوانات في المختبر أنها قد تساعد أيضًا في قمع رد الفعل المناعي العدواني الذي يظهر في رئتي المرضى وأنظمة التنفس.
ولكن حتى يكتمل الأطباء نتائج التجارب- مثل تلك التي تجري حاليًا بتوجيه من المعهد الوطني للصحة ومنظمة الصحة العالمية - فلن يعرفوا على وجه اليقين مدى فعاليته، بحسب التايم.