عندما يدهس إرهابي مجموعة مواطنين في أوروبا بشكل عشوائي، أو يقطع أحدهم رأس آخرين، أو يطعن المارة دون تمييز.. هل هي مجرد ردة فعل نفسية؟ أم خطوة ضمن إستراتيجية كبرى تحرك العنف الإسلامي تجاه الغرب؟
التفسيرات القديمة لأزمة علاقة الشرق الإسلامي بالعالم الغربي عجزت عن تفسير طاقة العنف الكبيرة الموجهة للمجتمع الغربي. وظهرت تساؤلات مهمة – مهملة – حول طبيعة العمليات الإرهابية الأخيرة:
نظرة أعمق | أفخاخ الإسلاميين.. كيف يتلاعبون بالألفاظ لتمرير أفكار تخدمهم؟ | هاني عمارة
أغلبية الدراسات التي انشغلت بفحص حركة الجهاد الإسلامي اهتمت كثيرًا بالمؤسسين الأوائل، أمثال حسن البنا وسيد قطب، وحصروا الأجيال اللاحقة من الجهاد الإسلامي في تطبيق أفكارهم فقط، رغم أن الكتابات الجهادية التأسيسية لم تتوقف لحظة منذ إعدام سيد قطب، بل أن بعضها تجاوز التأسيس الشرعي والفقهي للجهاد الإسلامي إلى جوانب أخطر فيما بخص تطور المجتمع الغربي. ومن أمثلة ذلك كتابات أبو قتادة الفلسطيني.
التنظير الأهم لأبي قتادة، والذي يرتبط بمسألة طبيعة العمليات الإرهابية في الغرب، يعود لكتاباته في منتصف التسعينيات، والتي كان ينشرها في مجلة الأنصار، الصادرة من لندن،
في إحدى المقالات، يتحدث أبو قتادة الفلسطيني عن “نهاية وسقوط الحضارة الغربية”، ويتساءل عن “من يملأ الفراغ الذي تتركه؟”.
بالنسبة له، فالبديل هو تنظيمات مسلحة قادرة على تصعيد العمليات الإرهابية الجهادية تدريجيًا بهدف إضعاف الحكومات تمهيدًا لإسقاطها، وخلق فوضى قادرة على تجزئة وحدة البلاد.
الفكرة الدائرة في المقال هي كيفية إنتاج الفوضى في مجتمع منهك، وكيفية إدارة تلك الفوضى. وقد ساق مثالًا بحالة الفوضى التي يعيشها المجتمع الأفغاني منذ ظهور طالبان.
هل يكره ماكرون الإسلام؟ ما الذي أزعج رجال الدين فعلًا في خطابه؟| فيروز كراوية
يعود أبو قتادة الفلسطيني لأمثلة تاريخية ليبرر ضرورة إشعال الحروب الداخلية كطريق للسيطرة على المجتمعات الغربية. الغريب أنه يستشهد بأمثلة تخص انتصار الحكم الديموقراطي في الغرب، فيضرب مثالًا بالحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب، والحروب الأهلية في القارة الأوروبية، والغاية الأساسية هي تبرير ممارسة العنف، ليتسائل: “لماذا يحق للغرب أن ينشر عقيدته عن طريق القوة والسلاح كما تصنع أمريكا وأوربا ولا يحق لخصومه ذلك؟”
وبعد سرد طويل لتبرير العنف وإشاعة الفوضى كسبيل لتمكين حركات الجهاد الإسلامي، يعرض لحالة الحضارة الغربية التي يرى فيها “الإنهاك”، وهي الحالة التي من المفترض أن تمثل ثمرة في عيون الجهاد الإسلامي، فالعالم قرية صغيرة مركزها أمريكا، بما أنها قلب الحضارة الغربية.
وبالنسبة لأبو قتادة فعوامل نهاية الحضارة الغربية عديدة منها الأخلاقي والسياسي، وبالطبع لأنها في النهاية بعيدة عن الحكم بأمر الله، والعجيب أنه يستشهد في ذلك بآراء مؤرخ الحضارات الشهير أرنولد توينبي، الذي تنبأ بقرب زوال الحضارة الغربية.
والحالة التالية لحالة ضعف المركز هي نمو الهوامش والأطراف، التي ستصيب قلب المجتمع الغربي بالتفكك. ويلفت أبو قتادة الفلسطيني الانتباه إلى أن تلك العملية لن يشارك فيها الجهاد الإسلامي فقط، بكل التيارات المعارضة بشكل راديكالي (كاليسار المتطرف، والأناركية مثلًا)، بل أنه يحذر التيارات الإسلامية من الظن بوراثة حكم تلك المجتمعات حينما يسقط المركز، بل المنتظر هو حالة من التطاحن والصراع يسميها “التوحش”.
ومن خلف تلك الرؤية تجاه وضع العالم، يطور أبو قتادة الفلسطيني سلسلة ضخمة من الفتاوى التي تبرر التهرب الضريبي، واغتنام أموال الغير، وتهريب الأسلحة وحتى الممنوعات على حدود البلاد، فبما أن الحال هو الفوضى والغاية هى نصرة الحكم لله، فكل شئ مباح.
الملفت للانتباه في تلك الأفكار أنها “إستراتجية” توضح كيفية إدارة الصراع مع المجتمع الغربي. فلا حديث هنا عن الأسانيد الشرعية أو الفتاوى الفقهية بخصوص مسألة الجهاد، فهي مجرد تحصيل حاصل، أو مجرد توظيف لبعض الأحاديث والآيات القرآنية في غير موضعها، أو أن سياقها عام جدًا لكي يستنبط منها تلك الأحكام الفقهية شديدة الخصوصية.
الجزيرة ومضرب السجاد| قصة قناة قطر مع الإرهابيين من بن لادن إلى زعيم النصرة | فيديو في دقائق
نفس الأفكار أعيد إنتاجها بشكل أوسع في كتابات “أبي بكر الناجي”، أحد أعضاء تنظيم القاعدة عن ما أسماه ” إدارة التوحش”، وتلك الفكرة عن إدارة الفوضى في المجتمع الغربي كانت ملهمة للغاية لتنظيم الدولة (داعش).
هل يمكن أن نعقد وصلة ما بين تلك الأفكار عن زرع الفوضى داخل المجتمع الغربي الحالي، وهو مجتمع هش للغاية، وبين تلك العمليات الإرهابية التي تُنسب دائمًا لأفراد على أساس أنهم مجرد مرضى نفسيين أو مصابين فقط بنوع من الصدمة الحضارية نتيجة التلاقي بين العقلية الشرقية والمجتمع الغربي؟
ربما استمرار تلك العمليات في المجتمع الغربي خاصة منذ بداية أزمة اللاجئين هي نوع جديد من استمرار أجندة الجهاد الإسلامي، لكن تلك المرة تتخذ من الجاليات المسلمة ستارًا لها. تلك الجاليات التي ستدفع ثمنًا باهظًا لا محالة، خصوصًا عندما تلحق دول أوروبا ببعضها البعض في تغيير طريقة التعامل مع الجاليات المسلمة.
هل تريد أن تفهم العالم؟ أن تفسر ما حدث؟ تتوقع ما سيحدث؟| خالد البري | رواية صحفية في دقائق