الزيادات الشهرية في أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية، والسلع والخدمات المتنوعة، ونفقات الصحة – وجميعها عناصر رئيسية في حساب تكلفة المعيشة – كانت أقوى العوامل التي أدت لارتفاع التضخم الشهري في تركيا.
بالتزامن، بقيت مؤشرات البطالة مرتفعة لعدة أشهر، بدرجة دفعت الصحف الموالية لأردوغان للاحتفاء بانخفاضها فقط بـ 0.1% (من 13.4% في أكتوبر إلى 13.3% في نوفمبر 2019).
تقلب العملة، مؤشر آخر للاقتصاد التركي الهش ويمكن أن يترجم في توجهات المستثمرين، يضاعف معاناة الأتراك.
في أوائل فبراير، تجاوز سعر صرف الدولار 6 ليرات، وهو عتبة ينظر إليها على نطاق واسع في تركيا كمؤشر ضعف، لأول مرة منذ مايو 2019. وفي الوقت نفسه، ظلت حصة عملاء البنوك التركية التي تحمل عملات أجنبية مرتفعة إذا قورنت بالنسبة المئوية للمودعين بالعملة المحلية، على الرغم من الرسائل الحكومية المتسقة للإنفاق والادخار باستخدام الليرة. تظهر أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي أنه منذ عام 2018، كانت نسبة الودائع في حسابات العملات الأجنبية تحوم حول 50%.
ورغم رسائل الطمأنة من وزارة المالية، يظهر سلوك المستهلكين والمستثمرين مستوى عدم الثقة في الاقتصاد التركي. وفقًا للبيانات المجمعة من بلومبرج، باع المستثمرون الأجانب سندات تركية بقيمة 3.3 مليار دولار خلال 2019، مما أدى إلى انخفاض حيازاتهم بالدين بالعملات المحلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
ومما يزيد من احتمالية حدوث المزيد من التآكل في الثقة، الطبيعة غير التقليدية للسياسات المالية للحكومة. فمحافظ البنك المركزي يقوم بتلبية مطالب الرئيس رجب طيب أردوغان بخفض سعر الفائدة- ويبرره بالشريعة الإسلامية- مخالفة للنظرية النقدية التقليدية التي تشير إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة هو الرد المناسب على ارتفاع التضخم.
من خلال الاستمرار في التيسير النقدي على الرغم من الأجواء التضخمية، يخاطر البنك المركزي بإثارة رد فعل سلبي أكثر حدة بين المستثمرين والمستهلكين مما كان عليه الحال بالفعل.
التضخم انخفض في تركيا.. لكن هل انتهت الأزمة الاقتصادية؟ | س/ج في دقائق
تملك تركيا مساحة دبلوماسية كافية للمناورة أمام أي تهديد بفرض عقوبات أجنبية. على الرغم من وجود عدد من العقوبات المحتملة بسبب سياساتها الخارجية العدوانية، فلدى تركيا يد عليا في كثير من الحالات. البيت الأبيض حرص على إبقاء تركيا في الناتو والاحتفاظ بتعاونها في عدد من المجالات عبر صد عقوبات الكونجرس، بالإضافة إلى أن علاقات أنقرة الوثيقة مع روسيا، ونشاطها العسكرية في سوريا الذي يحميها من تداعيات خطيرة من الاتحاد الأوروبي؛ باعتبارها باتت تملك مفاتيح منع أو السماح بأفواج المهاجرين إلى أوروبا.
لكن لا يمكن للحكومة التركية السيطرة على الخسائر السياسية المحلية التي سيحددها الاقتصاد الضعيف على المدى الطويل. الانتخابات المحلية 2019 كانت أول اختبار انتخابي حقيقي لحزب العدالة والتنمية منذ ضربت الاقتصاد مشاكل كبرى في منتصف عام 2018، فيها خسر الحزب منصبين رئيسين، من ضمنها رئاسة بلدية اسطنبول.
الاختبار الانتخابي التالي سيأتى عام 2023 عندما تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد. إذا استمر الاقتصاد في التراجع، فقد يفقد حزب العدالة والتنمية المزيد من الدعم.
هل يبدد إردوغان جهود تعافي الليرة التركية بضغط نتائج البلديات؟ | س/ج في دقائق
الضغوط السياسية على حكومة العدالة والتنمية ستزيد أهمية التحالف مع حزب الحركة القومية الأصغر.
هذا الشعور يدفع تركيا للحفاظ على شراسة مسارها في مناطق مثل سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط، سعيًا لتعزيز الحماسة القومية المتزايدة، الناتجة عن السياسة الخارجية العدوانية؛ لتشتيت الانتباه عن المشكلات الاقتصادية. في هذه العملية، يبدو أن حكومة العدالة والتنمية مستعدة للمخاطرة بتعريض تركيا لصدمات اقتصادية خارجية مثل العقوبات.
وبينما تعمل حكومة العدالة والتنمية على تعويض عدم الاستقرار الاقتصادي، فإن السعي وراء “غزوات السياسة الخارجية العدوانية”، كتلك الموجودة في سوريا وشرق البحر المتوسط، يوفر وسيلة لإذكاء القومية بتكلفة سياسية واقتصادية منخفضة نسبيًا، حيث يمكن للحكومة أن تنقل بسهولة حجج الأمن القومي المفهومة على نطاق واسع فيما يخص معركة تركيا ضد المسلحين الأكراد.
مع ذلك، فإن التدخل في ليبيا، الذي يعتمد جزئيًا على قوات المرتزقة السوريين، بعيد ماديًا عن حدود تركيا، وبعيد كذلك عن اهتمامات الرأي العام، بما يجعل تسويقها ضمن جمهور القوميين أصعب.
كما تعد المشروعات الكبرى مثل قناة إسطنبول ومطار إسطنبول الجديد، وسيلة أخرى لصرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية.
لكن في حين أن جهود البنية التحتية مبهرة، فمن غير المرجح أن تحل القضايا الاقتصادية الأساسية التي تهم الجمهور. وطالما استمرت الهشاشة الاقتصادية في تركيا حتى مع نمو الاقتصاد نفسه، ستستمر شعبية الحكومة في الانخفاض.
تحركات تركيا والإخوان في البحر المتوسط.. كيف تؤثر اقتصاديًا على المواطن المصري؟ س/ج في دقائق