في العصر الحديث، شاركت إيران بعمليات عسكرية في المنطقة في فترة حكم الشاه، فيما يعرف بأنه جزء من الحروب الاستكشافية.
الحروب الاستكشافية حملات عسكرية للقتال في الخارج بعيدًا عن القواعد المعمول بها، وتكون فيها القوات مكتفية ذاتيًا بمجموعة كاملة من الأسلحة الداعمة.
ظهر الدور الإيراني بوضوح في دعمها للتمرد الكردي في العراق في الفترة ما بين (1961 - 1974).
ثم كانت المشاركة في قمع تمرد ظفار في عمان في الفترة ما بين (1972-1979) لقمع المتمردين على السلطان قابوس. كما ظهر التدخل الإيراني في جنوب اليمن في سنوات (1972-1975) حيث وجد الشاه محمد رضا بهلوي أنه يجب عليه دعم الإمام محمد البدر حميد الدين الشيعي الزيدي.
بعد ثورة 1979، لم ترث جمهورية إيران الإسلامية مذاهب العمليات الخاصة والأفراد والعتاد من النظام السابق فحسب، بل وسعتها بقوة مع شبكتها من الثوريين في الشرق الأوسط وخارجه.
المادة 154 من الدستور الإيراني، التي كتبت بإشراف مرشد الثورة الإيراني روح الله الخميني، فتحت المجال الواسع للتحرك، فنصت على أن إيران تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله مثلها الأعلى، وتعتبر الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقًا لجميع شعوب العالم، وعليه، فإنها تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع الأرض.
هذه المادة والإطار التنظيمي للحرس الثوري جعل "تصدير الثورة" جزء من أساسيات النظام الإيراني، وكانت أولى المراحل تحويل الحرس الثوري إلى منظمة عمليات خاصة سرية.
فعلت إيران هذه الأيديولوجية لأول مرة في السنوات الأولى من الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) للرد على الغزو الشامل من قبل الجيش العراقي البعثي في عهد صدام حسين. اعتمد القادة الثوريون المتحمسين في طهران بشكل كبير على الجماعات الكردية والشيعية المضطهدة في العراق المجاور لجمع المعلومات الاستخبارية وإجراء حرب العصابات.
في عام 1982، وجدت إيران غزو إسرائيل لجنوب لبنان فرصة ذهبية لتصدير أيديولوجيتها الثورية للمقاومة، وتنظيم الجماعات الشيعية اللبنانية والميليشيات الفلسطينية في قوة مسلحة هائلة ضد إسرائيل، ثم دعم فيلق بدر والميليشيات الشيعية الأخرى التي ظهرت لملء فراغ السلطة في العراق في 2003.
السرية بدأت تتلاشى تدريجيًا، خصوصًا بعد تعيين قاسم سليماني رئيسًا لفيلق القدس بالحرس الثوري.
في البداية مارس سليماني سرية أسلافه، لكنه وجد أن مشاركة قواته في محاربة الجيش الأمريكي وتكبيده خسائر تستوجب الإعلان عن عملياتها، مما أكسب سليماني سمعة سيئة في وسائل الإعلام الدولية.
أدى هذا الاهتمام بسليماني بدوره إلى زيادة اهتمام وسائل الإعلام في إيران، حيث حولته آلة الدعاية في إيران إلى رمز؛ لحشد الدعم الشعبي لتدخلاته العسكرية في العراق ولاحقًا في سوريا.
هذا استدعى إعلان قيام "محور المقاومة" الممتد من طهران إلى بيروت - والذي يوصف أحيانًا باسم "الهلال الشيعي" - وهو المحور الأكثر أهمية في شبكة التحالفات الإيرانية في المنطقة لعدة أسباب:
أولًا، يوفر ممرًا بريًا يمتد عبر العراق وسوريا عبر لبنان والبحر الأبيض المتوسط.
ثانيًا: يضمن التعاون بين الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، النقطة الأكثر حسمًا في "العمق الاستراتيجي" لإيران وأكبر رادع لها ضد التهديدات الإسرائيلية.
سليماني لم يكتف بتحويل النشاط من السرية للعلانية، بل انتقل للمرحلة الثالثة وهي تشكيل جيش شيعي عالمي.
حول سليماني مجموعة من المليشيات المنقسمة على أساس الجنسيات إلى جيش شيعي متعدد الجنسيات.
نشرت طهران في البداية فيلق القدس في سوريا، يليها حزب الله اللبناني، وفرقة فاطميون الأفغانية، وكتائب زينبيون الباكستانية، وعدة ميليشيات عراقية.
من خلال العمليات المشتركة في سوريا والتنسيق المكثف بين بعضها البعض، مع القوات السورية الموالية للأسد والقوات الجوية الروسية - وعلى الرغم من الحواجز الوطنية والثقافية وحتى اللغوية - تم تحويل الميليشيات المختلفة إلى جيش شيعي متعدد الجنسيات.
انخراط فيلق القدس في سوريا أثر على الحرس الثوري الإيراني كاملُا، نظرًا لأن فيلق القدس قوة صغيرة داخل الحرس، فإنه لضخامة الحرب ولتأمين طريق إمدادات حزب الله اللبناني، استدعى ذلك أن يدفع الحرس الثوري بعناصره البرية، لتقليل الضغط على عناصر فيلق القدس الصغيرة.
العميد إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الحالي، ونائبه العميد محمد حسين زاده حجازي، لم يظهرا أي كاريزما واضحة من بعد مقتل سليماني، وقد يكون ذلك مؤشرًا على التوقف المؤقت لدور التعبئة الشعبية للفيلق والعودة إلى السرية.
لكن اغتيال سليماني مطلع 2020 على يد الولايات المتحدة، لن يغير من التعديلات المفصلية في فيلق القدس، بل بالعكس فإن هذه التعديلات أثرت بشكل كبير على عقيدة الحرس الثوري، ومع ترقية المحاربين القدامى من الحرب السورية للصفوف العليا للمنظمة، مما ينذر بأنها ستتبنى خطًا أقل حذراً وأكثر نشاطًا في محاولة لتكرار نجاحها في سوريا.
يقول معهد دول الخليج العربي بواشنطن أن ذلك يعني أنها ستلجأ إلى استخدام الجيش الشيعي المتشدد في المعركة. مثل هذا التطور يبشر بالسوء للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط
يعتقد نظام طهران أنه يحتاج إلى أداة عسكرية للخروج من خندق العقوبات، وأن ذلك لن يكون ممكنًا بدون نفوذ خاص به.
التحديات الجديدة مثل الضغط الاقتصادي لفيروس كورونا المستجد وتداعيات حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية عمقت المشاكل الاقتصادية لإيران، مما جعل النظام الإيراني يواجه عاصفة كاملة من الضغوط الداخلية والخارجية، التي تقيد خياراته وتقوض موقفه الاستراتيجي.