إيران بلا قاسم سليماني.. حين يُعجزك عدوك خذ خطوتين للخلف | عبد الله عيسي الشريف

إيران بلا قاسم سليماني.. حين يُعجزك عدوك خذ خطوتين للخلف | عبد الله عيسي الشريف

13 Jan 2020
إيران
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ضجيج بلا طحن، ووعيد بلا أثر، وانتقام لم يحمل انتقامًا، ورد باهت على اغتيال بطل قومي يعتبر أهم قائد عسكري في إيران منذ عقود.

الولايات المتحدة حذفت قاسم سليماني من معادلة الشرق الأوسط، بكل رصيده الاستراتيجي الذي كان يمثله للحكومة الإيرانية التي يهيمن عليها الحرس الثوري، لكن رد طهران جاء أضعف من أقل السيناريوهات المتوقعة، فاتحًا الباب أمام تساؤلات الحاضر والمستقبل، التي سنحاول تحديد معالمها في السطور التالية.

مشروع وصل نهايته

في تقييم أهمية أي تحوّل في الشرق الأوسط ينبغي الوقوف أمام شخص المسؤول. هل هو في وسط مشروعه الأساسي أم نهايته؟ أم أن المهم تنفيذه تحقق وبات من الماضي.

في حالتنا، كل الدلائل تشير إلى أن لمسة قاسم سليماني الذهبية بدأت في التخلي عنه قبل وفاته. الرجل وقع ضحية لنجاحاته، باتت كل المهام الصعبة توكل إليه بشكل مفرط بعدما أثبت فعالية فيما سبق.

ومع تزايد المهام تظهر الثغرات، وتتزايد الإخفاقات العملياتية.

بحلول 2019، ظهر الإرهاق على قاسم سليماني بشكل واضح، بينما بات هو مؤمنًا تمامًا بمعصوميته. يباشر المهام الرئيسية في الخارج بنفسه، ولا يثق في إسنادها لأحد سواه، بما يحمله ذلك من تعريض نفسه لفرص استهداف متكررة بينما يتنقل في جميع أنحاء المنطقة، من العراق إلى لبنان وسوريا.

كان يمكن لإيران تفادي اغتيال قاسم سليماني بشكل واضح، لكنه – كشخص مُجازف – اختار المخاطرة، وتحرك بالقرب من التجمعات الكبيرة للأصول الجوية والاستخباراتية الأمريكية حول مطار بغداد الدولي.

صراع الطاولة والشطرنج.. كيف غيَّر مقتل قاسم سليماني قواعد الاشتباك؟ | س/ج في دقائق

لهذا لم يكن بمقدور إيران الانتقام

صحيح أن تصفية قاسم سليماني نقلت المتتالية الأمنية التصعيدية بين إيران والولايات المتحدة إلى مرحلة مختلفة، لكنها تزامنت مع لحظة وجدت فيها إيران نفسها مكبلة من كل اتجاه.

طهران متورطة في أزمة داخلية مع تواصل الاحتجاجات الشعبية المطالبة برأس الملالي احتجاجًا على التردي الاقتصادي الذي غذته إدارة ترامب عبر سياسة الضغوط القصوى. متورطة كذلك في تطورات إقليمية طارئة مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المنددة بنفوذ طهران الإقليمي في لبنان والعراق.

بالمقابل، كانت الولايات المتحدة بحاجة لإظهار أنها قوية بما يكفي لحماية أمنها القومي.. كانت بحاجة ملحة لاستعراض عضلاتها على المسرح الدولي مجددًا في لحظة حادة من تاريخ القوة. واغتيال قاسم سليماني كان عرضًا عسكريًا يباهي بالقوة الأمريكية المنتشرة في 95% من بحار العالم، وجهت إدارة ترامب من خلاله رسالة واضحة للداخل الأمريكي وللعالم كله؛ مفادها ألا تهاون.

بمقدور القوة الأمريكية أن تلحق خرابًا مروعًا بإيران دون أن يلحقها أذى. هنا لم يكن أمام إيران خيارات؛ مجرد التفكير في إحداث أذى انتقامي يوازي حجم خسارتها يعني أنها ستخسر بقية اللعبة، خصوصًا بعدما ارتبكت كل حساباتها، ليس فقط بخسارة قائد بقيمة قاسم سليماني، بل بالتفاصيل التي قُتل بها.

خريطة بريجنت.. كيف تقتلع الولايات المتحدة أنياب إيران دون صدام مباشر؟ | إنفوجرافيك في دقائق

إعادة ترتيب الأدوار

مقتل قاسم سليماني يمنح إيران فرصة لمعالجات ضرورية لمراكز القوى داخل بنية النظام السياسي الإيراني عبر تبديل مواقع بعض القيادات.

الاغتيال سيؤثر على عمل شبكة الحرس الثوري داخل إيران وخارجها، لأسباب فنية على الأقل، ترتبط باعتماد اجراءات احتياطية أكبر في التحرك وتنفيذ العمليات، بعدما غيرت الولايات المتحدة قواعد الاشتباك.

اختيار إسماعيل قاآني تحديدًا لوراثة سليماني يسير بهذا الاتجاه. الرجل كان نشطًا – كسلفه في سوريا والعراق، لكنه عكسه، كان قليل الحضور في السياسة الداخلية. الاختيار يشير إلى أن نفوذ التيار الأكثر تشددًا بين النخبة السياسية في إيران يتصاعد، لكنه لن يكون رمزًا لشرور النظام داخليًا، كما ظهر سليماني في الاحتجاجات الأخيرة.

العراق المتورط في حرب واشنطن – طهران.. ورطة اللعب بين شركاء متشاكسين |س/ج في دقائق

العراق وحيدًا قد يدفع الفاتورة كاملة

الخبرة التاريخية تشير إلى التوترات المشابهة تزيد دوافع إيران للعب بورقة التفاوض. صحيح أنها ما زالت تشعر بأهمية مواصلة الانتقام، لكنها ستفعل ذلك كمنظمة إرهابية لا كدولة. لن تحرك جيوشها كما تفعل الدول في مواجهات عسكرية معلوم أبعادها وأهدافها، بل مرتزقتها وأذرعها في المنطقة.

هنا، قد يكون العراق الوجهة الأنسب؛ باعتباره الورقة الأقوى في يد إيران حاليًا، بعدما اعتبر خامنئي أن “سفك دماء القادة الإيرانيين والعراقيين يبعث على الفخر، ويرمز للرابطة غير القابلة للكسر بين البلدين”، بكل ما يحمله ذلك من إعادة رص صفوف التيارات الشيعية للقضاء على الاحتجاجات الشعبية أولًا، قبل إعادة ترتيب الأوراق وإعادة رص وكلاء طهران في مواقعهم.

قبل ذلك، تحتاج إيران لمعالجة الثغرات، وأهمها الإجابة على سؤال: من في صفوف الحشد الشعبي قدم المعلومة للولايات المتحدة؟

بهذا الصدد، ستحتاج إيران وقتًا لمراجعة دائرة علاقات سليماني.


ملف اغتيال قاسم سليماني في دقائق


ملف تسريبات إيران في دقائق


ملف٤٠ عامًا على الثورة الإيرانية في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك