باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
الاستدلال على وجوب الحجاب يستند على ثلاث آيات. إحداها آية “يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين” – سورة الأحزاب، والتي يتمسك التيار السلفي بتفسيراتها الواردة عن بعض الصحابة في فرض النقاب.
التفسير التقليدي المنقول عن ابن عباس وعدد من التابعين يذهب باتجاه اتخاذ جلباب المرأة ساترًا من أعلى لأسفل عند الخروج، لتبدي عينًا أو عينين فقط، وقيل أيضًا إن معنى الإدناء شد الجلباب على الجبهة لتمييز الحرة عن الأمة.
أغلب المفسرين ذكروا في أسباب النزول أن الآية وردت في ذهاب النساء ليلًا لقضاء الحاجة في الخلاء؛ إذ لم يعرف المسلمون الأوائل الحمامات المنزلية، وقالوا إن معنى “يعرفن” أي يتميزن بهذا الزي كحرائر فلا يتعرضن للأذى.
أفخاخ الإسلاميين: 10- فخ فريضة الحجاب | هاني عمارة
تفسير آية الإدناء لغويًا يواجه إشكالين:
الإشكال اللغوي: كون لفظ الإدناء معناه القرب، وهو غير معنى اللبس الذي يستلزم الالتصاق. ليكون المعنى اللفظي المباشر أن تجعل المرأة جلبابها قريبًا منها، لا أن ترتدي جلبابًا يغطيها من أعلى لأسفل، واللفظ لا يحتمل كل هذا المعنى، كما أن الآية لا تحدد شكل الجلباب وحدود تغطيته للجسد.
وإذا قلنا إن الادناء يعني التقريب، وهو لفظ غير منسجم لغويًا مع تصور أن الآية تتكلم عن ارتداء الملابس، فربما لم يتنبه المفسرون إلى المعنى اللفظي المباشر (تقريب الملابس)؛ لأنهم تصوروا أن الآية تتحدث عن خروج النساء خارج البيوت، وهو أمر يستحيل معه الاحتفاظ بالملابس في وضع قريب، فيكون المعنى المقصود هو الارتداء.
الإشكال الفقهي: تفسير الآية يميل للتمييز بين الإماء والحرائر؛ إذ يضع تشريعًا يمنع الأذى عن الحرائر من الأذى ولا يكترث بالإماء، وكأنه لا مشكلة في التحرش بالأخريات.
بمراجعة الآية والتدقيق فيها، نجد أنها لم تحدد الحال المطلوب فيه فعل الإدناء. لم تربطه بالخروج من البيوت للذهاب إلى الخلاء كما ذكر المفسرون.
وبمراجعة السياق، ستجد أن الحديث كان متصلًا عن أحكام البيوت وما يدور في بيت النبي محمد وتنظيم الدخول والخروج من المنزل، ثم آيتين اعتراضيتين عن صلاة الله وملائكته على النبي، ثم آية الإدناء.
بسبب هذا الاعتراض، تصور المفسرون أن الموضوع الأول انتهى، وبدأ الحديث في موضوع جديد، فتصوروا أن الكلام انتقل إلى الخروج من المنزل.
لكن لو تصورنا أن الصلاة على النبي محمد كانت مجرد عبارة اعتراضية أو استطراد داخل السياق له ما يبرره – كما سنوضح لاحقًا – وأن آية الإدناء استئناف للحديث عن أحكام تنظيم العلاقات والحركة داخل بيوت النبي والتعامل مع زوجاته يحل الإشكال بسهولة؛ إذ تكون الآية عن تنظيم لبس زوجات الرسول والمسلمات عند الجلوس داخل بيت النبي الذي تجعله حالته أشبه بمكان عام يقتضي دخول وخروج الناس بكثرة بحكم زعامة النبي الدينية.
في نفس السورة، ورد نص آخر عن نساء النبي محمد بصيغة الأمر “وقرن في بيوتكن” بفتح القاف في قراءة حفص، ومعناها “الزمن بيوتكن ولا تخرجن”، وكسر القاف في قراءة الجمهور، من الوقار.
قراءة حفص غريبة وغير منطقية؛ لأن أمر نساء النبي محمد بالتزام البيوت تشديد غير عملي لم تلتزم به نساء النبي، كما أنه لا يتماشى مع السياق، كون الأمر بعدم التبرج يصبح بلا داعٍ مع القرار في البيوت.
ما يثير الشكوك أكثر في قراءة حفص أنها استغلت سياسيًا باتهام السيدة عائشة بمخالفة الأمر الإلهي بالتزام بيت النبي محمد والخروج للقتال في موقعة الجمل، ما يرجح أنها قراءة مسيسة ومتحيزة بالأساس.
أما قراءة الجمهور بكسر القاف فهي الأكثر مناسبة للسياق؛ كون الوقار ضد التبرج، وهي التي رجحها شيخ المفسرين الطبري.
إذا تقرر هذا المعنى، يكون السياق العام لسورة الأحزاب حديثًا عن تنظيم الحركة داخل بيت النبي محمد. ويكون تفسير الآية: “الزمن الوقار في الملبس داخل بيوتكن، ولا تتبرجن بالمبالغة في الزينة كعادة النساء زمن الجاهلية؛ وذلك لكثرة الداخلين والخارجين”.
وبنفس السياق، تكون آية الإدناء توجيه لزوجات النبي محمد وزائراتها بالتزام بحشمة الثياب داخل بيت النبي.
أتصور وفق هذا المعنى أن يكون الجلباب زيًا إضافيًا ترتديه النساء فوق لبس المنزل عند الخروج “شبيه بالعباءة حاليًا أو الملاية اللف قديمًا”، وأن تكون آية الإدناء أمرًا للنسوة عند تخفيف الملابس في المنزل أن يكون الجلباب في متناول يدها لترتديه سريعًا إذا دخل شخص “أو اقتحم المكان أحد الأجلاف بالخطأ”، فيراها بثياب البيت، فيتصور أنها تغريه فيسيء الظن فيها.. وهو معنى الأذى أي سوء الظن.
وبالجملة، آية الإدناء ليست عامة، ولا تضع شروطًا لزي النساء في العموم، وإنما هي في شأن خاص يلزم من يكون في داخل بيت النبي من النساء بالالتزام قدر الإمكان بثياب الخروج وهو الجلباب. أما شكل الجلباب هنا فأمر عرفي لم تحدد الآية صفته وحدود تغطيته، ولا نعرف بشكل يقيني شكله في عصر النبي محمد.
فيكون معنى الآية في ظني وفق السياق: “يا أيها النبي بلغ زوجاتك والمسلمات داخل بيتك إن أردن أن يخففن ثيابهن فلا يجعلن جلابيبهن بعيدة عنهن، فإن دخل شخص غريب البيت يلبسنه سريعًا، فيعرفن بأنهن عفيفات لا يتعمدن إغواءه، فلا يسيء الظن فيهن.
ليس الحجاب فقط.. المرأة الإيرانية قبل ثورة الخميني | الحكاية في دقائق
الأخوات المسلمات أمام تمثال العضو الأنثوي: الإخوان واليسار في غزوة سويسرا | مينا منير
معز مسعود ونظرية الـ 90% حجاب!