الخطابة هي التضليل .. كيف انطلقت النهضة اليابانية بالقضاء على حماة القيم القديمة

الخطابة هي التضليل .. كيف انطلقت النهضة اليابانية بالقضاء على حماة القيم القديمة

2 Dec 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بلاد مشرق الشمس.. يرتبط اسمها بالتقدم العلمي وتجدد الحضارة، النهضة اليابانية أظهرت قدرة مدهشة على السطوع في أحلك الظروف، بالشكل الذي استشعرت معه واشنطن القلق في 1989، من احتمال صعودها كقوة عظمى بديلة للولايات المتحدة، بعد أربعة عقود فقط من انهيار إمبراطوريتها في الحرب العالمية الثانية.

لم تكن الريمونتادا اليابانية الأولى. سبقها صعود كبير في القرن التاسع عشر، جعلها القوة الآسيوية الأبرز. فما سر النجاح الياباني المتكرر؟ وكيف تعود من بعيد كل مرة، رغم طبيعتها الجغرافية القاسية، وعدم امتلاكها الموارد الطبيعية الكافية؟!

عُزلة الساموراي

تعود أصول الشعب الياباني إلى شبه الجزيرة الكورية، حيث نزحت شعوب الإينو، أجداد سكانها الحاليين، خلال القرون الميلادية السبعة الأولى.

ولقرون عدة، انعزلت اليابان عن العالم؛ لطبيعة موقعها الجغرافي، خصوصًا قبل انطلاق رحلات الاستكشاف الأوروبية. زادت العزلة الشعور بالخصوصية، فظلت اليابان معادية للأجناس الأخرى خلال فترة الساموراي.

في 1640 مثلًا، قررت الحكومة اليابانية قطع رأس أي مسيحي يدخل أراضيها، ونفذت القرار على بعض المُستكشفين البرتغاليين في 1641.

كان النظام السياسي حينها إقطاعيًا مُفككًا، وتوزعت السلطة بين طوائف الساموراي، في وجود شكلي للإمبراطور، على غرار حروب المماليك في مصر.

عارضت طائفة المحاربين “الساموراي” الانفتاح على العالم، بينما طالب به التجار، حتى انتصر دعاة توحيد اليابان تحت ظل الإمبراطور في معركة “بوشين”، نقطة التحول الأولى في تاريخ اليابان، ومهدت للنهضة اليابانية تحت حكم الميجي.

اقتصاد الجزائر.. سقوط ما بعد انهيار النفط.. وفرص مشروطة للتعافي

النهوض الأول

استقرت الأوضاع بحلول 1877، إذ نجح الجنود الريفيون التابعون للإمبراطور في قمع تمرد الساموراي، لتنتهي حقبتهم إلى الأبد.

شرع الميجي في تحديث اليابان على الطريقة الغربية:

  • اعتمد على كبار ومتوسطي الملاك، والانفتاح على الخارج عبر حركة الابتعاث.
  • أقر التعليم الالزامي في 1890، معتمدًا على العلوم التطبيقية والرياضيات أكثر من الأدب. وساد الاعتقاد حينها أن “الخطابة هي التضليل“، فانكب اليابانيون على لغة الأرقام.
  • * صدر الدستور في 1889، ليؤسس لإجراءت سياسية تشمل تأسيس الأحزاب والبرلمان، وإن ظل الإمبراطور محتفظا بسلطته المقدسة.

استلهم الميجي التجربة الاقتصادية الألمانية، وأعاد انتاجها في نسخة يابانية؛ وتعتمد على تشجيع الصناعة المحلية ودعم القطاع الخاص وخلق بنية تحتية تيسر الاستثمارات وعمليات التعدين.

حققت الخطة طفرة اقتصادية هائلة، وضعت اليابان بين أكبر منتجي النسيج عالميًا، بالتزامن مع تأسيس جيش قوي حقق انتصارات على الصين وروسيا في معارك مختلفة، وشاركت في مؤتمر فرساي للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، لتكون أول قوة غير غربية تنضم إلى مصاف القوى العظمي.

ستكونين أنت الحذاء.. أزمة الاقتصاد المصري في أغنية المهندس حسام | رواية صحفية في دقائق

مرحلة الانهيار

تراجع النمو الياباني تحت وطأة الكساد العالمي قبيل الحرب العالمية الثانية، تحديدًا بعد تراجع أمريكا عن شراء حصة كبيرة من الحرير الياباني.

أعقب ذلك الحرب العالمية الثانية، والتي بدأتها اليابان بتحقيق انتصارات عسكرية كبرى، لكنها أنهتها بهزيمة ساحقة، وإعلانها الاستسلام يوم ١٤ أغسطس ١٩٤٥، بعد القنبلتين الذريتين على ناجازكي وهيروشيما، والغز السوفيتي لـ “منشوريا” الخاضعة للسيطرة اليابانية.

عن الديموغرافيا القاتلة في الشرق الأوسط!

اللامركزية. انهيار الإمبراطور وجيشه. سر نجاح التجربة

كانت الهزيمة العسكرية في الحرب العالمية الثانية نقطة انطلاق، حيث قضت على السلطات المطلقة للإمبراطور، والنفوذ الواسع لقادة جيشه. بعدها دشنت اليابان مرحلة نهضوية مدنية.

  • اعتمدت في البداية على حزمة المساعدات الاقتصادية الأمريكية بمقتضى معاهدة السلام 1951.
  • اتبعت الحكومة حينها سياسات ليبرالية؛ بالإفراج عن المعتقلين، وحرمان القادة العسكريين السابقين من العمل السياسي.
  • أقرت دستورًا يؤسس للديمقراطية ولاقتصاد السوق وفق القيم الغربية، مع تواجد شرفي للإمبراطور.
  • تأسس الحزب الليبرالي الياباني في 1955 باندماج أكبر حزبين قبل الحرب، وهو الحزب الذي سيقود النهضة اليابانية الجديدة. ينقسم الحزب لعدة أجنحة داخلية تدعم جميعها التعاون مع الولايات المتحدة، في مقابل أحزاب اليسار التي تنظر إلى أمريكا بعين العدو.
  • أقرت الحكومة مبدأ اللامركزية، وفوضت أغلب سلطاته، بما فيها البوليسية، إلى حكومات المقاطعات.

أدت التغييرات إلى ازدهار الاقتصاد، الذي حقق متوسط نموا بلغ نحو 10% على مدار سنوات الخمسينيات. شعر اليابانيون بالرخاء، وأصبحت القوة الاقتصادية اليابانية أكبر قوة صاعدة في العالم، بالاعتماد على سياسة السوق الحر والتصنيع والتعليم.

كانت الثمانينيات ذروة صعود اليابان، التي باتت في تلك الفترة ثاني أغنى دولة في العالم، إلى حد اعتماد الرئيس الأمريكي ريجان على الاستثمارات اليابانية لموازنة الميزانية الفيدرالية.

في 1988، كانت ثماني شركات يابانية بين أكبر عشر في العالم، ومثل الناتج الياباني 15% من إجمالي الناتج العالمي، وأصبحت أكبر دائن وأكبر مانح للمساعدات، وعادلت تقنيتها تقنية الولايات المتحدة، مع العلم أن مساحة كامل الأراضي اليابانية تقارب مساحة كاليفورنيا.

لاحقًا، تأثرت اليابان سلبًا بالأزمة المالية العالمية، لكنها لا زالت تمثل ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وأحدث صناعة عسكرية في أسيا، والأكثر تقدمًا تكنولوجيًا.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك