الساحل الأفريقي مصنف بين أفقر مناطق العالم وأكثرها أزمات صحية واقتصادية وسياسية، لكن ذلك لم يمنع أن تتحول إلى ساحة مهمة لصراع إقليمي ودولي واسع.
تركيا تحاول إيجاد موضع قدم هناك. لكن فرنسا حاضرة بقوة.
فلماذا تهتم القوى العالمية بمنطقة الساحل الأفريقي؟
وما دور اللاعبين الإقليميين؟
وما أهداف أردوغان من التدخل هناك؟
س/ج في دقائق
لماذا يهتم اللاعبون الإقليميون بمنطقة الساحل الأفريقي؟
منطقة الساحل الأفريقي موطن النزاعات المسلحة والتغير المناخي الدراماتيكي والفرص الضئيلة لتلقي التعليم أو العثور على وظيفة حقيقة.
ومع التزايد السريع في عدد السكان، تفاقمت التحديات، وتلاشى الأمل في المستقبل لملايين الشباب.
مع اندلاع “الربيع العربي”، وسقوط النظام في ليبيا، ثم اندلاع انتفاضات في شمال مالي 2012، تدهور الوضع الأمني، وتحولت منطقة الساحل الأفريقي التي أهملتها السلطات الوطنية لعقود إلى بؤرة للتنظيمات المسلحة والجماعات الإرهابية
أدى هذا إلى انتشار العنف في مالي، ومنها إلى البلدان المجاورة مثل بوركينا فاسو والنيجر، ما يمثل تهديدًا بخلق مسارات مفتوحة للسلاح والإرهابيين إلى دول الجوار، ومنها إلى مختلف أنحاء المنطقة.
ستعتمد التطورات الأخرى في حزام الساحل الأفريقي أيضًا على ما يحدث في السودان وفي أجزاء من شمال أفريقيا مثل الجزائر وليبيا.
هذا الوضع حوَّل أنظار اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى المنطقة، وخصوصًا من لهم مصالح في السودان وليبيا والجزائر.
يشهد الساحل الأفريقي سباقًا محتدمًا بين القوى الكبرى. الولايات المتحدة أرسلت قواتها لمحاربة التنظيمات المسلحة، لكنها انتقلت من محاولة إضعافها إلى محاولة احتوائها ضمن خطة تخفيض القوات.
وبخلاف قواتها، بادرت فرنسا لاعتماد قرارين أمميين لنشر قوة خماسية مشتركة وعابرة للحدود تضم 5 من دول الساحل (بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر، تشاد) لمكافحة الإرهاب والشبكات الإجرامية في المنطقة.
وتلتزم فرنسا بشكل خاص بالتعبئة الجماعية لدعم القوة الإقليمية. لكنها أعلنت خططًا لتعزيز انتشارها العسكري المباشر في منطقة الساحل إلى أكثر من 5,000 جندي، مع نشر طائرات مسلحة دون طيار لتعويض تخفيض القوات الأمريكية.
وتعمل روسيا على توسيع جغرافيتها الدبلوماسية لتشمل البلدان الأفريقية الفقيرة، خاصة الدول الهشة التي تحتاج المساعدة العسكرية الروسية. النيجر مثلًا كانت على رادارها، إذ تعتبرها مؤهلة كبوابة محتملة إلى منطقة الساحل.
ومنذ حصلت النيجر على مقعد غير دائم في مجلس الأمن 2020-2021، زادت روسيا من التقارب معها بشأن المسائل المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل الأفريقي.
كيف تسللت تركيا إلى الساحل الأفريقي؟
منذ انقلاب 2012 في مالي، بدأت تركيا انتقاد تدخلات فرنسا لمكافحة الإرهاب، بحجة أن منطقة الساحل تحتاج إلى مبادرات إقليمية لتعزيز الاستقرار.
وفي 2013، أدانت الخارجية التركية عملية فرنسا “سيرفال” بدعوى أن مجلس الأمن لم يقر سوى التدخل بقيادة أفريقية وأن “الإجراء الأحادي الجانب” سيحرم الماليين من السيطرة على مستقبلهم السياسي.
هنا تدخلت تركيا لاستغلال عدم الارتياح بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بشأن تدخل فرنسا، وبدأت في توقيع اتفاقات لتوريد الأسلحة وتقديم المساعدات المالية والإنسانية لدول الساحل الأفريقي، واستغلت جائحة كورونا لإمداد دول الساحل بمساعدات طبية.
وتسعى مغامرات تركيا في قطاع التعدين في النيجر إلى تقويض الهيمنة التجارية لشركة الطاقة النووية الفرنسية أريفا، بالإضافة إلى الاستفادة من النفوذ السياسي الفرنسي المتضائل في مالي.
لكن الإمارات تدخلت بدورها. قدمت مساعدات إنسانية وطبية وإنمائية لدول الساحل، منها منحة مساعدة إنمائية بقيمة ملياري دولار لموريتانيا.
وتتخوف الإمارات من أن تركيا تؤسس لموطئ قدم عسكري في النيجر.
وحذر تقرير من مركز السياسة الإماراتي من أن وجود تركيا الموسع في غرب أفريقيا قد يؤدي إلى تفاقم التوتر ورعاية تركيا للإرهاب في المنطقة.
ماذا تريد تركيا من منطقة الساحل الأفريقي؟
خلال العقدين الماضيين، ضاعفت تركيا عدد سفاراتها في أفريقيا أربع مرات، لتصل إلى قرابة 43 سفارة. بهدف تعزيز الوجود التركي في المنطقة.
وتقول تركيا إنها تحاول تعزيز علاقاتها الوثيقة مع دول الساحل الأفريقي لتشجيعها على قمع المؤسسات التعليمية التابعة للمعارض عبدالله جولن.
لكن الزاوية الأخرى تتعلق بخلق ساحة خلفية لانتشارها العسكري في ليبيا، والتوسع منها إلى أفريقيا، للحفاظ على ورقة قوة في مواجهة التحالفات المضادة التي تشكلت ضدها في البحر المتوسط.
بالإضافة، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم حركات الإسلام السياسي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا، والبحث عن حلفاء جدد بعد سقوط جماعة الإخوان في السودان، ضمن مشروعها التوسعي الذي تشكل ليبيا فيه نقطة انطلاق نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، بهدف تغيير ميزان القوى عبر التنظيمات المتطرفة التي تسعى أنقرة إلى إقامة روابط بينها في ليبيا.