غريب أن يُقتل معمم في دول يحكمها آيات الله منذ ثورة الخميني في 1979. الأغرب أن يسارع 100,000 فورًا لمتابعة حساب القاتل على إنستجرام.
“الآن أرسلت أحد الملالي إلى جهنم”، كتب لاعب كمال الأجسام بهروز حاجيلو عبر إنستجرام، بعد دقائق من قتله لرجل الدين مصطفى قاسمي، 46 عامًا، برصاصتي كلاشينكوف، أمام الحوزة الدينية في همدان، غربي إيران، لتحمل تعليقات متابعين تأييدًا للقاتل، وهجومًا على شخص المرشد الأعلى على خامنئي.
الاغتيال الجديد يأتي بعد عام من انتشار ظاهرة الهجوم على طلبة الحوزات الدينية من مواطنين مستائين من حكم نظام رجال الدين في إيران.
فماذا يكشف التعامل الشعبي في إيران مع الحادثة الجديدة؟ ولماذا ظهر؟ ولماذا ربطتها الإيكونومست بتصاعد السيستاني ومرجعية النجف على حساب خامنئي ومرجعية قم؟
ترى الإيكونومست أن أحد أهم دوافع الغضب الشعبي سببه التراجع الحاد الذي يشهده الاقتصاد الإيراني تحت حكم الملالي؛ حيث أدت العقوبات الأمريكية على صادرات النفط إلى انهيار العملة المحلية، بينما يقارب التضخم 40٪، وتتراجع القيمة الحقيقية للأجور.
تضيف الصحيفة أن أساسيات مثل الدجاج والملابس أصبحت في حكم الكماليات، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6٪ هذا العام.
“الثيوقراطيون لا يقدمون أي مخرج من الأزمة”، يقول صادق حقیقت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مفيد في مدينة قم المقدسة، الذي يبشر بـ “نقطة تحول” تبدأ من تساؤلات متزايدة من رجال الدين أنفسهم حول جدوى استمرار نظام ولاية الفقيه.
تقول الإيكونومست إن بعض رجال الدين باتوا ينأون بأنفسهم عن النظام الذي يستحوذ على الكثير من ثروات إيران، بينما يتحدى آخرون الملالي المسؤولين علنًا، ويتزايد أتباع السيد حسن آقاميري، الذي يرى أن الجمع بين سلطتي الدين والحكم مفسدة، رغم قرار محكمة رجال الدين المختصة بعزله.
كبار الحكماء باتوا أكثر انفتاحًا على الاجتماع بالإصلاحيين، بينما تتطلع أعداد متزايدة إلى مدينة النجف العراقية (حيث الحوزة العربية الشيعية التاريخية)؛ بحثًا عن نموذج مختلف للعلاقة بين الدين والدولة.
صراع النجف وقم
وتراجعت قوة مرجعية النجف العراقية لصالح قم الإيرانية على مدى عقود تأثرًا بسياسات الرئيس الأسبق صدام حسين، التي أدت لانخفاض التسجيل السنوي في حلقات النجف الدينية إلى بضع مئات فقط، بينما سارعت الدولة في إيران لتمويل تدريب 110 آلاف رجل دين في قم.
لكن منذ الإطاحة بصدام حسين وعودة الهدوء النسبي إلى العراق، ارتفعت مكانة النجف، وهو الحوزة الشيعية الأصلية في قلب المناطق الشيعية المقدسة، مجددًا بين الشيعة. يجذب ضريح الإمام علي ملايين الحجاج سنويًا.
ولا تتدخل الدولة في العراق في أمور المرجعية الدينية في النجف، بخلاف تلك الموجودة في قم.
النجف – المدينة – كذلك مقر رجل الدين الشيعي الأكثر شعبية علي السيستاني، الذي يدافع عن الفصل بين المرجعية الدينية والدولة؛ إذ يرى أن واجب رجال الدين تقديم النصح وليس التدخل في حكم الدولة.
ترى الإيكونومست أن نفوذ السيستاني تجاوز مرجعية النجف إلى التأثير في قم نفسها.
الشهر الماضي، قال عبد الله الجوادي الآملي، وهو مرجع شيعي واسع النفوذ في قم، إن جودة التدريس في النجف باتت أفضل، الأمر الذي جذب كبار رجال الدين الإيرانيين أنفسهم، بمن فيهم علي الخميني ، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران.
ويقول عباس كاظم، كاتب سيرة السيستاني: “إذا كنت تحت اليد الثقيلة للمؤسسة الدينية الإيرانية، التي تخبرك بما تفكر فيه وما ترتديه، ستجد نفسك مدفوعًا إلى الحرية الفكرية في النجف”.
يجمع ممثله “وصهره” في قم جواد الشهرستاني، العشور من أتباع إيرانيين، ويمول شبكة خيرية على مستوى البلاد تضم منازل ومستشفيات فقيرة، كما يدعم السيستاني 49,000 طالبًا معممًا، أي حوالي 45 ٪ من الإجمالي في إيران، ويدفع لهم رواتب منتظمة، بينما تضطر أزمة نقص السيولة النقدية روحاني لخفض التمويل المقابل بمقدار الثلث.
يقول البروفيسور صادق حقيقت، إن “مكتب السيد السيستاني قوي للغاية في مدينة قم”.
في مارس/ آذار، سافر الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى النجف في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني، قابل خلالها السيستاني.
وبموجب القانون، يجب أن يكون ولاء روحاني للمرشد الأعلى علي خامنئي، لكن الرئيس الإيراني “يأمل في أن تعزز بركات السيستاني موقفه في مواجهة ضغوط المتشددين”، بحسب الإيكونومست.
“بدا كما لو كان الرئيس يجتمع مع البابا”، يقول روبرت جليف، أستاذ الدراسات العربية في جامعة إكستر البريطانية، الذي يضيف أن روحاني “حاول إرسال إشارة إلى وجود مجال في إيران لأولئك الذين لا يعتقدون أن ولاية الفقيه مسألة إيمان وكفر”.
“إذا كان الأمر كذلك، فإن البعض في العراق يريدون مساعدته”، تقول الإيكونومست.
المعمم صالح الحكيم، رئيس مركز الحكمة للحوار والتعاون، ومقره النجف، يصف ولاية الفقيه بالنظام الديكتاتوري، ويطالب رجال الدين في النجف بدعم المجتمع المدني وليس الثيوقراطية في إيران.
السيستاني نفسه مواطن إيراني، ويبدو أكثر حذرًا في التعليق على ترتيب المرجعيات الشيعية بين النجف وقم، لكنه – بعد لقائه روحاني – دعا إلى احترام السيادة العراقية. المختصون رأوا في التعليق المقتضب انتقادًا لادعاء خامنئي بأنه المرشد الأعلى ليس لإيران فحسب، بل لجميع الشيعة في العالم.
في 4 مايو/ أيار، قضت محكمة إيرانية بسجن حسين فريدون، شقيق روحاني ومستشاره، بتهم فساد ومخالفات مالية.
مسؤول المجمع القضائي لموظفي الدولة في طهران رفض التصريح بتفاصيل عن الحكم؛ “باعتباره ليس قطعيًا بعد”.
واعتقلت السلطات الإيرانية حسين فريدون في 2017، بعد إصدار مذكرة اعتقال بحقه، خضع بعدها للتحقيق عدة مرات بتهمة ارتكاب مخالفات مالية.
فريدون كان مسؤولًا عن أمن روح الله الخميني عندما عاد إلى إيران في 1979، وشغل منصب حاكم مقاطعة كاراج ونيشابور، كما عمل سفيرًا لإيران في ماليزيا لمدة 8 سنوات، قبل انضمامه إلى وفد إيران لدى الأمم المتحدة.
ويصر “فريق الإصلاحيين” الإيراني على أن القضية برمتها مدفوعة سياسيا.
يرد خامنئي بتشديد قبضته عبر نشر رجاله الأكثر تشددًا في مراكز صنع القرار. في مارس/ آذار، عين إبراهيم رئيسي، الذي خسر أمام روحاني في الانتخابات الأخيرة، على رأس السلطة القضائية، كما عين متشددًا آخر لرئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام.
وخصص التليفزيون الرسمي في إيران ساعات بث لبرامج المحافظين، المخصصة لانتقاد رجال الدين المتشكيين في صلاحية نظام ولاية الفقيه.
المتشككون لم يكونوا عرضة للهجوم الإعلامي فحسب، بل تعرضوا لإجراءات عقابية اتخذتها جمعية مدرسي حوزة قم العلمية بتخفيض مخصصاتهم المالية أو حتى تخفيض رتبتهم.
مكاتب بعضهم تعرضت للنهب، بينما الأكثر تهديدًا للنظام باتوا عرضة للعرض على محكمة رجال الدين المختصة، أو الاحتجاز رهن الإقامة الجبرية.
نتيجة الإجراءات – بحسب الإيكونومست – لم تكن في صالح خامنئي. معظم رجال الدين الكبار ذهبوا إلى الامتناع عن الحديث عمومًا أو التحدث بالألغاز، لكن تعاليم السيستاني تجد أتباعًا أكثر كلما زادت إجراءات خامنئي القسرية.
محسن كديور، الباحث الإيراني الفار من قم إلى الولايات المتحدة يقول إن “حملة الجمهورية الإسلامية على رجال الدين بلغت درجة غير مسبوقة حتى في عهد الشاه”.