* قبل جائحة كورونا كانت العولمة بالفعل في وضع صعب. تضرر نظام التجارة المفتوح الذي هيمن على الاقتصاد العالمي لعقود بسبب الانهيار المالي والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
* في حالة الأزمات، تكون الحريات وأسلوب الحياة الطبيعي في مقدمة الضحايا.. نسختهما الحالية مبنية على العولمة.
* هذه حرب تقاتل فيها البشرية ككل على نفس الجانب، وتواجه عدوًا مشتركًا. كان المفترض أن تكون فرصة للعولمة لكي تثبت جدارتها.
* لكن الواقع الجديد أثبت أنه مبني على مصطلح السيادة الوطنية التي باتت تتولى القيادة بشكل متزايد بدعم من السكان.. بينما وقعت المؤسسات متعددة الأطراف من الأمم المتحدة إلى التكتلات القارية، ضحية لتناقضاتها الداخلية، وبالتالي عدم القدرة على التصرف.
* من المرجح أن يشهد العالم نسخة مختلفة ومحدودة من التكامل العالمي عن تلك التي عرفناها على مدى العقود الثلاثة الماضية، هذا الوضع – الذي سيضم نظامًا تجاريًا به شبكة غير مستقرة من الضوابط الوطنية – لن يكون أكثر إنسانية أو أكثر أمانًا.
س/ج في دقائق
لماذا تراجعت العولمة في السنوات الماضية؟
شهد العالم العديد من فترات التكامل. لكن النظام التجاري الذي ظهر في تسعينيات القرن الماضي شهد تحولًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الصين مصنعًا عالميًا، بعدما فتحت حدودها أمام الأشخاص والسلع ورأس المال والمعلومات. هذا التحول تلقى ضربتين، حتى قبل ظهور كورونا.
قبل جائحة كورونا كانت العولمة بالفعل في وضع صعب. نظام التجارة المفتوح الذي هيمن على الاقتصاد العالمي لعقود تضرر بسبب الانهيار المالي والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
بعد انهيار بنك ليمان براذرز في 2008، انسحبت معظم البنوك وبعض الشركات متعددة الجنسيات. ثم أتت الحروب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي مزجت المخاوف بشأن وظائف ذوي الياقات الزرقاء والرأسمالية الاستبدادية للحزب الشيوعي في الصين مع أجندة أوسع من القومية المحلية وازدراء التحالفات.
في اللحظة التي بدأ فيها كورونا بالانتشار لأول مرة في ووهان بنهاية 2019، كانت نسبة التعريفة الجمركية الأمريكية على الواردات وصلت لأعلى مستوى لها منذ عام 1993.
العولمة الآن تتلقى الضربة الثالثة خلال 12 سنة بوصول كورونا.. تقول الإيكونوميست إن الفيروس أكمل الضربة الثلاثية بوجه نظام التجارة الحرة، بما يعني أن العولمة تودع أعظم حقبها.
ما علاقة كورونا بإضعاف العولمة؟
في حالة الأزمات التقليدية، تكون الحريات ونمط المعيشة الطبيعي في مقدمة الضحايا. الأمر أعقد في أزمة كورونا الجديد؛ لأن نمط الحياة والحريات الحالي تأسسا على العولمة.
وبينما يفترض أن تكون معركة كورونا حربًا تخوضها البشرية ككل على نفس الجانب، وتواجه عدوًا مشتركًا، اعتبرت الدول العولمة شريكة في العدوان، جزئيًا على الأقل؛ باعتبار أن كورونا ظهر في منطقة واحدة (الصين)، ثم شق طريقه إلى جميع أنحاء العالم في غضون شهرين عبر حركة السفر.
لمحاربة وباء كورونا الجديد، قيدت الحكومات الوطنية حركة الأشخاص والبضائع، في تأثير أقوى وأكثر صرامة مما فعلت في الحرب العالمية الثانية. حدود الولايات المتحدة مع كندا والمكسيك مثلًا كانت مفتوحة خلال الحرب، لكنها مغلقة الآن. صحيح أن هذه الإجراءات يفترض أن تكون مؤقتة، لكنها قد تمتد إلى أجل غير مسمى.
حتى نموذج التعاون العالمي انهار خلال الأزمة. لم تتشاور الولايات المتحدة مع الحلفاء الأوروبيين قبل تعليق السفر عبر الأطلنطي، وتبادلت برلين وواشنطن الاتهامات حول محاولة الحصول على حقوق حصرية لأبحاث لقاحات كورونا. معظم الدول أوقفت تصدير المعدات الطبية الواقية، بينما تبادل الجيران إغلاق الحدود من جانب واحد ودون تنسيق.
حكومة الصين كذلك صنعت نصف الأقنعة الطبية في العالم، ثم وسعت إنتاجها منذ ديسمبر، لكنها كدست إمداداتها وحظرت الصادرات. الصين نفسها تسترت على تفشي المرض على أراضيها، ما كلف دولًا أخرى قائمة طويلة من الضحايا والخسائر.
كيف عزز كورونا النزعات الوطنية عالميًا؟
بتفشي وباء كورونا الجديد، تحول الرأي العام حول العالم بعيدًا عن العولمة. انزعج الناس عندما وجدوا أن صحتهم تعتمد على معارك لاستيراد معدات الحماية، وعلى العمال المهاجرين الذين يعملون في دور الرعاية وحصاد المحاصيل.
صحيح أن شريحة واسعة من قادة الرأي تحاول الترويج إلى أن مقاومة الجائحة تتطلب تعزيز التعاون الدولي والاصطفاف خلف المؤسسات متعددة الأطراف، لكن الحقائق على الأرض تدفع بالأحداث إلى الاتجاه المعاكس: تعزيز النزعة الوطنية.
بينما وقعت المؤسسات متعددة الأطراف، من الأمم المتحدة إلى التكتلات القارية، ضحية لتناقضاتها الداخلية، وبالتالي عدم القدرة على التصرف بسرعة وحسم في مواجهة أزمة كورونا العالمية، توسع الاعتماد على الدولة الوطنية التي أصبحت بشكل متزايد في مقعد القيادة بدعم متسع من سكانها.
المؤسسات متعددة الأطراف كانت محل انتقاد بالأساس بسبب انعدام الكفاءة والتجاوزات، لكن الأمر بات أوضح عندما بدت منظمة دولية كمنظمة الصحة العالمية غارقة في صراعات السياسة في أزمة كورونا.
ماذا عن مستقبل العولمة؟ هل نستطيع القول أنها ماتت؟
إجراءات الطوارئ الحالية ستعزز إجراءات التشدد مستقبلًا. بعض قيود السفر والتجارة والاستثمار ربما تستمر أطول مما نعتقد. بعض البلدان قد تقرر وقف الاعتماد على استيراد المعدات الطبية أو العقاقير، أو تقلص حركة شركات النقل الجوي الأجنبية. وقد تسعى دول لمضاعفة جهودها لتحقيق الاعتماد على الذات بغض النظر عن التكلفة والعقلانية.
ريتشارد بورتس، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال، يقول إن الشركات والأشخاص باتوا أكثر إدراكًا لمخاطر العولمة مع تعطل سلاسل الإمداد العالمية، ليبدأ البحث عن موردين بديلين داخل حدود الدولة، ولو بتكلفة أكبر. يضيف أن الاعتماد على الموردين المحليين سيتواصل مهما كانت التكلفة، وبذلك ستتضرر العولمة.
مظاهر تراجع العولمة لا تتعلق فقط بتداول البضائع، بل تشمل حركة التصنيع نفسها. بيتا جافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، تضيف أن مجموعة من العوامل المصاحبة للأزمة الحالية ستدفع بالعديد من المصانع الغربية للعودة إلى أوطانها الأم. وتؤكد أن الحرب التجارية، إلى جانب وباء كورونا ستؤدي بالشركات لاتخاذ إجراءات إعادة التوطين على محمل الجد”.
ومن الصناعة إلى انتقال البشر والمعلومات، حيث يشير ديفيد هينيغ، مدير مشروع السياسة التجارية في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، إلى “قلق حقيقي” بشأن تراحع عدد الطلاب الجدد في الجامعات الغربية هذا الخريف. يضيف: “هذه صناعة تصدير ضخمة. العديد من الجامعات تعتمد على الطلاب الصينيين، على سبيل المثال.”
ستفتقد العديد من الجامعات في الغرب للطلاب الأجانب، الذين يضطرون غالبًا إلى دفع المزيد مقابل دوراتهم الدراسية، وهم مصدر دخل رئيسي.
مع ذلك، ترى فورين بوليسي أننا لا نتجه إلى نهاية العولمة. بل إلى نسخ جديدة من التكامل العالمي مختلفة عن تلك التي عرفناها على مدى العقود الثلاثة الماضية.
الاقتصادي في جامعة هارفارد، داني رودريك، يقول إن قوى العولمة الدافعة لن تتلاشى، لكنها ستحاول توفيق أوضاعها مع مصالح الدول الوطنية.
بحسب تحليل لموقع “ذا هيل” الأمريكي”، فاتجاه الدولة الوطنية يحمل عيوبًا فريدة هو الآخر، لكن التاريخ يشير إلى أن الدولة الوطنية تظل الجهة الفاعلة الرئيسية في مثل هذه الأوقات المضطربة وسريعة التغيير، ما يحتاج لتأسيس توازن منطقي بين الاتجاهين في المرحلة المقبلة.
ما الضريبة التي سيدفعها الجميع حال تراجع العولمة؟
ترى “ذا أتلانتيك” أن تكاليف الانعزال ستكون أكبر من مخاطر العولمة نفسها. اعتماد كل دولة على ذاتها يعني تكاليف اقتصادية أكبر، واحتمالات أوسع للصراع.. حتى فرصة الأمراض الوبائية – التي دفعت للتفكير في جدوى العولمة – ستكون أضخم مع توقف التعاون وتبادل المعلومات.
يقول الموقع إن العالم يدفع ثمن كورونا حاليًا لأن الصين دولة منعزلة. يضيف أنها كانت قادرة على إخفاء تقارير تفشي وباء كورونا لأنها قمعية، معتبرًا أن ضمات حريات الإعلام بين أهم أدوات الوقاية من الأوبئة.
تتوقع الإيكونوميست أن يشمل الوضع الجديد نظامًا تجاريًا عبر شبكة غير مستقرة من الضوابط الوطنية التي لن تكون أكثر إنسانية أو أكثر أمانًا. تضيف أن الصعوبات التي تواجهها البلدان الفقيرة ستتضاعف، معتبرة أن الحل في تنويع لا تدجين سلاسل التوريد.
تحذر كذلك من أن عالما مفتتا سيجعل حل المشكلات العالمية أكثر صعوبة، بما في ذلك إيجاد لقاح وتأمين الانتعاش الاقتصادي.
هل من مصادر أخرى لمزيد من المعرفة؟