الفلوس.. هل يصنع تامر حسني سينما أم موادًا ترويجية لنفسه؟| أمجد جمال

الفلوس.. هل يصنع تامر حسني سينما أم موادًا ترويجية لنفسه؟| أمجد جمال

29 Dec 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

التاريخ يؤكد أن المطربين عادة ما يفوقون الممثلين في النجومية. رغم تلك الحقيقة، كانت السينما مستهدفة دائمًا من المطربين؛ لأنها – وإن كانت لا تصل بهم إلى ذروة المجد – تضمن لهم الخلود، وتؤرخ مشروعهم الغنائي في صورة تشبه الحياة.

السينما بالنسبة للمطربين عمومًا وسيلة دعاية. تبقى مشكلة تامر حسني في تلك المسألة أنه يأخذ هذه الدعاية إلى مراحل متقدمة ومبالغ فيها.

لا خلاف على موهبة تامر حسني المطرب، ولا عاقل يمكنه التشكيك في النجاح والشعبية التي صنعها لنفسه منذ مطلع الألفية وحتى الآن، وإن ظل الشك يحوم حول نوعية تلك “الشعبية”، أكانت راكدة في إطار تجمعات من المهاويس وألتراس السوشال ميديا، أم انتقلت إلى الحيّز العام، فأصبح جزءًا من الوجدان الشعبي بالفعل. هذا الشك موجود لدى تامر حسني نفسه، وهو دائمًا منشغل بالبحث عن الألقاب والجوائز وأرقام الموسوعات، الحقيقي منها والوهمي. مهما وصل يشعر بأن عليه إثبات شيء.

ربما ذلك ما يدفعه لنشر نفوذه على الشاشات بالتمثيل. لم لا؟ وهو يتمتع بخفة ظل أصيلة وحقيقية، في وسط مناخ سينمائي فقير أساسًا ولا يتطلب من النجوم مقومات أبعد من ذلك.

المحاربون من أجل تامر مخلصون في تذكيرنا الدائم بتعدد مواهبه، فهو يغني ويلحن ويكتب، إلخ. أما الموهبة التي يتغافلون عن ذكرها فهي التسويق، تامر بارع في هذا المجال، لدرجة تجعله يسيء فهم واستخدام السينما بتطويعها لتكون أقرب لشريط طويل من التامر حسني، تخلق عالما متكاملا منه، ساعتين من الانغماس والترويج لخفة ظله وأناقته ورومانسيته.

الاقتباس مجددًا؟!

“الفلوس” عن قصة لتامر حسني. كتب لها السيناريو والحوار محمد عبد المعطي، وأخرجه اللبناني سعيد الماروق في ثاني أفلامه الطويلة.

تدور أحداثه حول فتاة تستعين برجل نصب عليها ليساعدها في الإيقاع بنصاب آخر سرق منها مبلغا كبيرا من الدولارات. الفيلم من بطولة خالد الصاوي وزينة ومحمد سلام وعائشة بن علي. في إطار سلسلة من الألاعيب والصراعات فيما بينهم للفوز بالفلوس.

أحداث الفيلم تجعلك من الدقائق الأولى تتشكك في نسب قصته لتامر حسني، أو لمؤلف يحكي عن مجتمع شرقي بالأساس. لا أقصد محاكمة الفيلم أخلاقيًا، لكنه يبني أساساته على اعتبار أبطاله يعيشون في مجتمع إيجابي جنسيا للدرجة التي تجعل فتاة مصرية تعيش وحيدة في منزل عريض – دعك من كون صديقتها أيضا وحيدة، وكل فتاة في الفيلم تعيش في منزلها وحيدة – تستدعي رجلًا لا تعرفه لمنزلها في وقت متأخر من الليل بسبب إنقاذها من لص سرق حقيبة يدها التي لا تمثل شعرة بالنسبة لمجمل ثروتها، ثم تقع في غرامه حين يخبرها أن حبيبته السابقة كانت تشبهها وماتت، فتتعاطف معه وتصحبه إلى فراشها فورًا.

في فيلمه السابق “البدلة” 2018 كُتب على التتر قصة تامر حسني، رغم علم الجميع بأنها فكرة مقتبسة عن فيلم أمريكي، وأغلب الظن أن الحالة نفسها تنطبق على الفلوس بسبب التغريب الواضح لهوية الأحداث.

خلل التذاكي

سيناريو الفيلم مهووس بعنصر ألاعيب الحبكة (plot twist)، لدرجة تجعلك تشعر أن بعض التويستات كُتبت قبل كتابة القصة نفسها، وبعضها الآخر لم تكن تويستات من الأصل، لكنها إعادة ترتيب بعض المشاهد لتكسر السرد الخطي، فيولد التويست الواحد عشرة أمثاله، فيبدو الفيلم ذكيًا أكثر من حقيقته لو تم سرده بسيره الطبيعي.

المشكلة أن هذا النوع من التذاكي جاء على حساب مغزى الفيلم؛ صراع التوبة والإجرام والصداقة والحب والفلوس لم يحسم لأننا لم نفهم طبائع الشخصيات التي دُهست أسفل فيضان الخدع والخدع المركبة، والخدع الملفقة، والخدع لمجرد الخدع، فاختفى ما تريده الشخصيات فعلًا. وعلى هذا الأساس لا يمكننا تقدير خسائرهم ومكاسبهم، أو تحديد كيف تغيروا وتطوروا كبشر، سيناريو الفيلم يجعلنا محايدين عاطفيًا تجاه ما نراه؛ لأنه لا يطمح فيما هو أكثر من الألاعيب.

أبسط مثال حول الخلل في تصميم الشخصيات حين نعلم في أحد الخدع الملفقة أن شخصية “محمد سلام” الذي لم يكن يدري كيفية فتح المطواة صار فجأة خبيرًا في وضع أجهزة التنصت والتتبع ليكشف سرًا خطيرًا عن شخصية تامر حسني، رغم أننا سنعرف في خدعة لاحقة أنه كان قد أجرى اتفاقًا معه بالتآمر على شخصية زينة. وعلى هذا المنوال العشوائي سارت حبكة الفيلم.

تامر البراند

كما ذكرنا، فأفلام تامر حسني تتعامل معه باعتباره “براند” أيًا كان من حوله، وبغض النظر عن الشخصية التي يلعبها فهو يظل تامر الذي نعرفه، كل أفلامه تعيد استحضار سطور من أغنياته القديمة بلا مناسبة، وتقوم بتدوير أشهر إفيهاته القديمة بلا سياق، كخدعة التلويح بيده عند مؤخرة أجساد الفتيات، وتلوي عنق المواقف لتتناسب مع إيفيهات يلقيها تامر.

في أحد المشاهد داخل حفلة في كازينو مثلًا، تطلب فتاة حسناء التقاط صورة سيلفي مع شخصيتي تامر حسني وخالد الصاوي، وأثناء السيلفي يعلق تامر أن الصورة بها أربعة عناصر وليس ثلاثة، في إشارة موارية عن ثديي الفتاة البارزين. السؤال هنا ليس حول النكتة الجنسية، وليس عن كونها مضحكة فعلًا، لكن عن السبب الذي أدى بالفتاة لتأخذ سيلفي مع شخصيات عادية لا مشاهير، والإجابة طبعًا كي يستطيع تامر إلقاء الإيفيه.

الجديد في التعامل مع تامر كبراند يدور كل شيء حوله لا حول الدراما، أن عوالم تامر حسني السينمائية باتت تروّج بلا خجل للفورمة الرياضية التي اكتسبها من الجيم، ليس مهما أن النظرة الشهوانية من الشخصية التي تلعبها “عائشة بن علي” إليه وهو نصف عارٍ في أحد المشاهد كانت مصطنعة، وتتنافى مع توظيف شخصيتها، وتُعمق الحيرة حول سلوكياتها وأهدافها المشوشة في الصراع على الصداقة والحب والفلوس بفضل ركاكة السيناريو، لكنها نظرة تقدم تامر كرمز جنسي بعد سنوات من اكتفائه بكونه رمزا عاطفيا، لذا فهي تخدم هدف الفيلم الأساسي وهو مزيد من الترويج لبطله.

الإخراج والتصوير

للمخرج سعيد الماروق مشوار حافل بصناعة الأغاني المصورة، والتي تأثر بها قطعًا في صناعة “الفلوس” بشكل أراه إيجابيًا من الناحية الزخرفية، لكن الإخراج بمعناه الأشمل جاء ضعيفًا في ما يتعلق بالحكي وخدمة المضمون وتوظيف الأدوات لصنع هارموني سينمائي، أو على أقل التقدير إحكام القبضة على كوكتيل الجونرات التي يقدمها الفيلم، وضبط انسيابها بشكل مقنع.

جاء تصوير قليل من الأحداث في القاهرة (النسخة التي يعرفها السياح العرب) ومعظمها في بيروت بتنقلات المدينتين بلا مبرر، والمرجح أنها كانت فكرة الماروق نفسه، اختار العالم الذي يعرفه أكثر حتى لو جاء ذلك على حساب السياق والمصداقية، وإلى درجة ما، ساعد فعلا هذا الخيار في إعطاء طزاجة ملحوظة لصورة الفيلم، طزاجة في ما يتم تصويره، لا في كيفية تصويره، وأكثر سمات الصورة إزعاجًا كانت المبالغة في زمن وعدد اللقطات التأسيسية لبيروت والقاهرة.

أدى الممثلون أدوارهم في حدود المكتوب وتأثروا بعيوبه، برز محمد سلام بحسه الكوميدي ولكونه طرفا مباشرا في معظم المشاهد التي تستعرض خفة ظل تامر. المشهد الأقوى من الفيلم، كان أثناء سير الشخصيات الخمس الرئيسية في الشوارع الخلفية لبيروت بعد سهرة أنس تطورت لاشتباك تألق فيه خالد الصاوي.

اللافت أن السهرة نفسها حدثت وسط ذروة صراع لشخصيات كلها في حالة صدام مع بعضها، لكنهم تناسوا الخلافات في سبيل الرقص على أغنية “حلو المكان” (بصوت تامر)، وفي صحبة الراقصة جوهرة (ضيفة الشرف) التي ذابت هي الأخرى في فتنة تامر بعد ثوان من رؤيته، ورقصت على صوته الذي أتى من مصدر غير معلوم هندسيا داخل المشهد. والطريف بعد انتهاء الأغنية وأثناء خروج الشخصيات من الكازينو كان صدى صوت الأغنية مستمرا في الخلفية، أي خرج تامر الممثل من الكازينو ونسى صوت تامر المطرب داخل الكازينو، لحظتها أدركت نجاح الفيلم في هدفه تمامًا.


سمير سيف.. 7 دروس في تصميم المشهد السينمائي | أمجد جمال

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام

موسم 2019.. هل تخلصت سوق السينما المصرية من أثار ٢٥ يناير الاقتصادية؟ | أمجد جمال


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك