سمير سيف.. 7 دروس في تصميم المشهد السينمائي | أمجد جمال

سمير سيف.. 7 دروس في تصميم المشهد السينمائي | أمجد جمال

12 Dec 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

فلتكن الوفاة المحزنة للمخرج سمير سيف ملهمة لإعادة النظر في سينما الثمانينيات المصرية، تحديدًا فئة المخرجين التي لم تنل حظها من الدراسة والإشادة النقدية، على شاكلة سمير سيف ونادر جلال وعلي عبد الخالق وقليلين معهم، ممن قادوا اتجاه أفلام النوع ورفعوا شعار “القصة أولًا” في تلك الحقبة الصعبة، في اتجاه يضمن لأي صناعة سينما في العالم اتزانها ويحافظ على علاقة الود بينها وبين التيار الجماهيري العام.

لنعترف أن الأفلام التي صنعها هؤلاء – بتفاوت مستوياتها – هي ما حفظت تقاليد الصنعة، ومهدت لظهور جيل الطفرة الاقتصادية في الألفية، وأبقت خطًا فاصلًا بين السينما التجارية بمفهومها الترفيهي الخالص وبين ابتذال سينما المقاولات التي ناوشتها آنذاك.

تلك الأفلام ابتعدت بخطوات عن سينما الواقعية الجديدة التي زامنتها أيضا، لكنها لم تخاصمها كلية. كانت مسؤولة كذلك عن تعلق مواليد السبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات بفن السينما. وكان سمير سيف واحدًا من رموزها.

في هذا المقال سبعة مشاهد من أفلام الراحل ما زالت مدهشة، كلما عدت إليها، مهما مر الوقت.

المشبوه – ذروة الانتكاسة

المشبوه - عادل إمام - سعاد حسني - سمير سيف

سينما سمير سيف لم تكن أبدًا استعراضية. مع ذلك، لم تهمل التفاصيل الصوت-بصرية ومفاهيم التشكيل والتكوين، فقط إن كان ذلك يخدم القصة.

هذا المشهد الذي يجمع سعاد حسني وعادل إمام في “المشبوه” 1981 نموذج. نسبة الإضاءة المركزة، والتلوين المائل للأزرق بدرجة (فان جوخ)، مزاج بصري مختلف كثيرًا عن بقية مشاهد الفيلم. يميز اللقطة فيصبح شريكًا في الضغوطات التي تمارس على اللص التائب وزوجته للعودة “للحرام”.

أقرب عناصر اللقطة البعيدة للعين هو سيارة “أكل العيش” بعد احتراقها، ليمثل ثاني مصادر الضغوطات، وفي العمق ماهر وبطة يجلسان بلا حول ولا قوة، بعدما صارت بطة مصدر الضغط الثالث على ماهر، تواسيه وتواصل الاعتذار عن “سقوطها” بممارسة الرقص بعد انقطاع مصادر الرزق، وماهر لم ينطق بكلمة واحدة طوال المشهد، ليعبر بهذا الصمت عن صدمته في جميع من حوله، وكل الطرق تؤدي به لانتكاسة جديدة بعد التوبة.

وكان “المشبوه” أول الأفلام التي غيّرت مسار عادل إمام كممثل، فالفضل يعود لذلك المشهد تحديدًا، ولسمير سيف.

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام

دائرة الانتقام – الواقع والسينما يلتقيان

دائرة الانتقام - سمير سيف

كان يصف نفسه بالسينيفيل. “دائرة الانتقام” 1976 هو أول أفلامه الروائية الطويلة، وهناك نظرية تقول إن السينيفيل دائمًا ما يترك علامات على كونه سينيفيل بعمله الأول.

يطلقون عليه لقب مخرج الأكشن، رغم أنه لم يحتكر الأكشن ولم يكن رائده. حتى التقنيات لم تكن يومًا في صالحه، لكن مشاهد الأكشن في أفلامه تميزت بأنها غالبا ما كانت تحمل أفكارًا ذكية ومفارقة، لا مجرد مطاردات صبيانية ولا عنف عبثي.

في هذا المشهد يصوّر شريف (إبراهيم خان) مشهدًا في الفيلم داخل الفيلم. أثناء الإعادة تحوم الكاميرا الأصلية بين الكرو، ومن بعيد يقف رجل ملثم كان يومًا ضحية لشريف. لمزيد من الإثارة ترصده الكاميرا في نفس اللقطة وبدون قطع لكن عن طريق الـ zoom. شريف كان يظن خطأ أن خيال السينما سينجّيه من كذبه وجرائمه برصاص فشنك، لكن الخيال يتحالف مع الواقع بشكل مثير.

سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

شمس الزناتي – الثأر من الهلّيبة

السمة التي تحفظ لـ “شمس الزناتي” مكانته الخاصة جدًا عند الجمهور هي الأيقونية. كل عنصر في هذا الفيلم أيقونة بلا شبيه، ولا عجب من اقتحامه لعالم الميم والكوميكس مؤخرًا لنفس السبب. أسماء الشخصيات، ملابسهم، مقولاتهم، مكان الأحداث، وطبعًا.. الموسيقى.

في صباه كان سمير سيف يعشق أفلام رعاة البقر الأمريكية، وقدم في هذا الفيلم التجلّي المصري الأبرز لها، بمستوى تمصيري يُدرس في إعادة هندسته للقصة الأجنبية لتلائم تاريخ وجغرافيا هذا البلد بأصالة تامة.

تطور الشخصيات وتحولها سبب دينامية القصص. هذا التحول يحدث في ذلك المشهد، تحول غير مقتصر على شخصية بعينها، لكنه جماعي ولحظي وجمالي في الوقت نفسه. بعضهم كان مترددًا في الذهاب للدفاع عن الواحة، والبعض كان المال هدفه الرئيسي، وها هم يعودون بإصرار وبقناعة تامة ودون أغراض.

  • معايا يا سامبو؟
  • لا … أنا مع الزناتي.
  • فاصل من موسيقى هاني شنودة
  • تتبعه أشهر لقطة مصورة بطريقة tracking

الكاميرا تتحرك للوراء متزامنة مع تحرك العظماء الستة وهم يتصدرون الكادر، ويعيدون رسمه بمواقع سيرهم التي تغطي على حليفهم السابع المتراجع “عبده قرانص”، وكأن الكاميرا ترد بحركتها لتؤيدهم في العودة للواحة وتصير حليفهم السابع بعد تراجع قرانص الذي نراه في نهاية اللقطة وحيدًا؛ الندم وسر آخر عنه سنعرفه بعد دقائق من الأحداث.

أفلام الويسترن على الطريقة المصرية .. من شمس الزناتي لـ”حرب كرموز”

الشيطانة التي أحبتني – مواجهة تبدأ بالمونتاج

الشيطانة التي أحبتني - محمد صبحي - سمير سيف

الشيطانة التي أحبتني أحد فيلمين يتلخص بهما مشوار محمد صبحي السينمائي. جزء من تميز هذا الفيلم يعود لصبحي نفسه، الذي استلهم كثيرًا من تفاصيل شخصيته من شخصية الديكتاتور التي سبق أن لعبها في المسرح، الشارب المميز واللهجة الفظة المستلهمين من هتلر زعيم النازية، مع إضافة العنجهية الكاذبة وحركية رموز الضحك في السينما الصامتة. أما الثاني فبطله سمير سيف الذي وظف هذه العناصر وغيرها ليصنع كوميديا غنائية لم تنل حقها، سمير يضحكنا بحركة الكاميرا والمواقف والاستعراضات والمونتاج، قبل أن يضحكنا بالنكات والإيفيهات.

مشهد البداية يضحكنا باستخدام نظام القطع المتعارض cross cutting. حيث نتنقل بين محاضرتين ذات سياق واحد، أحدهما يلقيها المقدم صلاح شوقي لطلاب كلية الشرطة ينصحهم فيها بكل ما هو ضد العلم والحياة ويشجعهم على الفهلوة، مقابل محاضرة يلقيها بروفيسور الإجرام “السلاموني” يحدث عصابته بلغة العلم والتكنولوجيا والمنطق وعن قيمة حياة الفرد. وكأن الطرفين يقومان بمناظرة من أماكن مختلفة، بالطبع كانت النتيجة التالية أن صلاح فقد وظيفته؛ لأن العلم ينتصر على نبل الأهداف.

غريب في بيتي – محطات الإغواء

غريب في بيتي سمير سيف

بالحديث عن عالم الميمات وعلاقته الوطيدة بسينما سمير سيف، لعل شخصية لاعب الكرة شحاتة أبو كف هي الميم الأول في تاريخ أفلامه، كانت ميمًا قبل رواج مفهوم الميم مع السوشال ميديا.

معظم النقاد يتحرجون من تحليل مشاهد الجنس. أرى هذا المشهد يستحق التحليل لكثرة حلياته السينمائية. منذ بدايته باستضافة شحاتة في منزل المشجعة اللعوب، جلستها وهي تضع الساق فوق الساق المتأثرة بكلاسيكية الإغواء “ميسز روبنسون” بفيلم “الخريج”، تتبعها لقطات الممارسة الجنسية.

البديع في هذا المشهد – بجانب الفكرة الشهوانية – أننا نرى القليل جدًا من الجنس، حيث اهتمت الكاميرا بالتركيز على تفاصيل أخرى في غرفة النوم، الانتقال بين شاشة التلفزيون والريموت كنترول الموضوع أسفل سيقان العشيقين، وهم يضغطون عليه بالخطأ بأقدامهم أثناء الممارسة من فرط الاندماج؛ فتتحول محطات البث التي نشاهدها ونسمعها مع كل وضعية إيلاج ناجحة، ومع كل “هدف” جديد يحرزه شحاته في المباراة المسجلة بصوت المعلق “محمد لطيف”، مشاهد عشوائية لكنها تعلق على الممارسة بفكاهية وذكاء نادرين.

من دفاتر صلاح أبو سيف.. الواقعية والرقابة والجنس والنقاد | أمجد جمال

الغول – قانون ساكسونيا أم قانون الغابة

عدة أفلام جمعت سمير سيف بالكاتب وحيد حامد، مثل “الراقصة والسياسي”، الذي اعتبره سيف فيلمًا سيبقى في الذاكرة السينمائية فقط بفضل أداء نجمته والحوارات الذهنية لكاتبه.. قد يكون محقًا. ولعل ما قاله أفضل شرح لسبب تعلقي بفيلم آخر له: “الغول”. إنه يمثل عكس كل شيء قاله سمير سيف عن “الراقصة والسياسي”، رغم كونه أيضًا من كتابة وحيد حامد، ومن بطولة نجم جماهيري كبير، لكنه فيلم ذو أسلوب سينمائي طاغ على النزعة الأدبية، ومتجاوز لمنظومة النجم، لدرجة تجعله فيلما ينتمي لمخرجه أولًا.

الغول متميز بصريًا؛ في الشكل الخارجي الذي اختاره لبطله عادل الصحفي والذي يعكس أعراض اكتئابه، وفي الطريقة السوداوية التي صوّر بها وسط القاهرة، وفي مناقضتها بمشاهد الرومانسية بأماكن الطبيعة والهدوء، وفي الطبع البارد الذي يسيطر على البشر وأولهم بطل الفيلم وهو يخفي البركان المشتعل بداخله.

الغول فيلم عن الظلم، يبدأ بلقطة مقربة على منحوتة “سيدة العدل” الموجودة بواجهات المحاكم، ويمر بقانون ساكسونيا، لينتهي بقانون الغابة الذي يتم إقراره في تلك اللقطة العظيمة، وهي الآن تجعلني أتساءل هل شاهد سمير سيف قبل وفاته فيلم العام Joker؟

النمر والأنثى – مشهد حب

النمر والأنثى واحد من أطول الأفلام التي قدمها سمير سيف “ثلاث ساعات”. فيلم مشحون بالتيمات والأنواع: إثارة بوليسي، ودراما اجتماعية عن المخدرات، وقصة حب رقيقة، رجل يقابل امرأة، فيمران بكل مراحل العواطف السلبي منها والإيجابي.

هذا واحد من أكثر المشاهد تناغمًا مع الفيلم في حالة الشحن. مكثف لدرجة تجعله يخدم أكثر من هدف بالقصة، يمكن رؤيته كأثر لهزيمة “وحيد” أمام عصابة “عبده القماش”، ودراسة حالة عن جحيم الإدمان وكيف تكون الأجواء داخل منزل به مدمن، وفي ذلك المنحى كان المشهد مؤثرًا وموترًا لدرجة تفوق أفلامًا كاملة تناولت الموضوع نفسه، رغم عدم تجاوزه لأربع دقائق تبدأ بتنقيب “وحيد” عن جرعة المخدرات، وتنتهي به مكتمل الانهيار.

أراه مشهد حب؛ نعيمة تتحدى فوارق القوى العضلية في عراك مع وحيد، وتخاطر بحياتها وحياة ابنها لإنقاذه، وتفعل المستحيل لمنعه من الانتكاس بجرعة جديدة، ووحيد حتى في أقصى مراحل فقدان عقله ما زال يحاول السيطرة على نفسه كي لا يؤذي نعيمة.

نلاحظ أن المشهد ينتهي بلقطة تجمعهم على الفراش، تتلامس أجسادهم بحميمية، وضعية أشبه بممارسة الحب، وقد كان العراك بينهم فعلًا ممارسة لنوع سامٍ من الحب.


كيف شكل “يوسف شريف رزق الله” نقطة تحول في علاقة الملايين بالسينما؟ | حاتم منصور

هيثم أحمد زكي.. الشخصية التي لم يكتبها نجيب محفوظ في بداية ونهاية | عمرو عبد الرازق

أحمد زكي.. كيف استحق اعتذار روبرت دينيرو عن “زوجة رجل مهم”؟ | أمجد جمال


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك