تنشر لأول مرة| سقوط الملك فاروق.. وثائق المراسلات السرية للمخابرات الأمريكية | مينا منير

تنشر لأول مرة| سقوط الملك فاروق.. وثائق المراسلات السرية للمخابرات الأمريكية | مينا منير

25 Jul 2019
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ليس الغرض من هذا المقال تمجيد طرف على حساب آخر في معادلة 23 يوليو 1952 الصعبة والغامضة إلى يومنا هذا، لكنه يعرض معلومات مهمة عن الأحداث من منظور طرف مهم وفاعل، وهو الطرف الأمريكي الذي دارت الشكوك حول تورطه في تلك الأحداث الجسام.

هنا،لا أطرح معلومات من كتب أو شهادات من مصادر ثانوية (Secondary Literature)، وإنما أزعم أنها المرة الأولى التي تُنشر فيها المراسلات التي أبرقها ما يُسمى بالمجتمع الاستخباري (Intelligence Community) داخل السفارة الأمريكية في القاهرة وجهاز الاستخبارات الأمريكي في تلك الساعات الدقيقة والحاسمة، والتي انتهت ليس فقط بالتخلص من الملك فاروق وإنما من محمد نجيب نفسه.

المراسلات التي حملت وسم “سري جدًا” تم رفع الحجب عنها بشكل محدود منذ 15 سنة، وهي تسلط الضوء على طريقة تعامل الأمريكيين مع الفاعلين على مسرح الأحداث المتسارعة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل.

ملك مصر.. والسودان أيضًا

كانت مفاوضات البريطانيين مع مصر على قدم وساق لحسم خطوة انسحاب بريطانيا الكامل من مصر. لكن العقدة الأساسية كانت في السودان. بريطانيا طالبت بضرورة فصل مصير البلدين، وإخراج السودان من معادلة الانسحاب من مصر كي تقبل بالانسحاب أصلًا.

أما الطريقة فكانت من خلال تنازل الملك فاروق الرسمي عن لقب: “ملك مصر والسودان” إلى لقب ملك مصر فقط، تليه إجراءات دستورية أخرى.

الملك فاروق رفض المسألة بشكل قاطع، لكن رفضه لم يكن يتجاوز النظام الدستوري القائم حينها؛ فالمنوط بإدارة ملف الانسحاب كان الجالس على كرسي رئيس الحكومة، والذي كان يشاطر الملك والشارع رفض تلك الإجراءات.

العلاقة السيئة والمرارة التي كانت في حلق الملك منذ أحداث فبراير 1942 حملت التعامل مع المسألة قدرًا كبيرًا من الحساسية، إلا أن المراسلات ترينا أن الملك لم يقف عائقًا أمام رؤساء الحكومات المتتالية في التفاوض الناضج مع بريطانيا.

عدة مراسلات بين السفارة الأمريكية ولانجلي (مقر المخابرات الأمريكية) توضح أن تقدير الموقف يقول إن الحكومة تقف بين مقصلة بريطانيا وسندان الملك فاروق. حتى بلغ الأمر نقطة خطيرة في 1952.

الأخير أعطى رئيس الوزراء حسين سري باشا مهلة 15 يومًا وإلا سيضطر لإقالته، الأمر الذي استدعى المخابرات لتقديم تقدير موقف مفاده أن الوضع سيخرج عن السيطرة بعدما استنفدت كل الأطراف ما لديهم من حلول: بريطانيا لن تتنازل عن السودان. الملك لن يتنازل عنها هو الآخر، والحكومة لن تتنازل عن الاستقلال.

الغريب في الأمر أن حسين سري باشا خاطب السفير الأمريكي قبيل أحداث 23 يوليو بأيام، قائلًا إن القضية لن تحل ولن تؤجل في نفس الوقت، وإن ذلك ينذر بحدوث فوضى في الشارع ستؤدي إلى “إسقاط الملك عن عرشه” بحسب نص تقرير أبرقته السفارة الأمريكية للمخابرات في التاسع عشر من يوليو، أي قبل الثورة بأربعة أيام!


من حلايب إلى سد النهضة: الغموض يهزم الوضوح في علاقة مصر والسودان


فجر 23 يوليو

صباح 23 يوليو وصل تقرير عاجل في نقاط محددة عن “انقلاب عسكري في مصر” وفيه معلومات أولية عن طلبات قادة الحركة ورأسها اللواء محمد نجيب.

في تلك المرحلة رأى ضابط الحالة في تقديره للموقف أن استجابة الملك السريعة بالتخلص من القيادات التي ثارت حولها شبهات الفساد في قضية الأسلحة الفاسدة قد تؤدي إلى تحقيق الاستقرار.

القراءة بالطبع كانت مبسطة بشكل مخل، لكنها تحمل دلالة مهمة مفادها  أن مجتمع المخابرات الأمريكية حينها لم يكن لديه أي تصور واضح حول ماهية تلك الحركة، الأمر الذي سيزداد وضوحًا في المراسلات التالية، إلا أن جملةً خطيرةً استوقفتني، حيث قالت: “سواء استعادوا الوفاق مرة أخرى أم لا، فإن ما حدث يمثل سابقة خطيرة لفكرة أن يتسلط الجيش على حكومة مدنية”.


فوضى على ضفاف النيل.. كتاب عن دونالد ماكلين يكشف صراع المخابرات في مصر الملكية


الساعات الدقيقة

يبدو أن تقدير الأمريكيين للوضع لم يكن دقيقًا رغم محاولات الملك فاروق وحسين سري باشا توضيح الأمور.

في فجر 25 يوليو أبرق ضباط المخابرات في السفارة إلى لانجلي يعلموهم بأن الملك المحاصر في قصر رأس التين نجح في فتح خط آمن مع السفير كافري، وأبلغه بوضوح أن القاهرة سقطت وأن سقوط الإسكندرية بات مسألة وقت، مشددًا القول: “إن كان هناك شيء فيجب فعله الآن”.

يبدو أن الأمريكيين رفضوا التدخل قبل التواصل مع البريطانيين أصحاب النفوذ في مصر. أبلغتهم بريطانيا أنها أبلغت الملك فاروق بأنها لن تتدخل في “شأن داخلي”. هنا يجب أن يُقرأ الأمر في ضوء الكراهية المتبادلة بسبب قضية السودان.

كان تقدير الموقف في الوثيقة واضحًا: “يبدو أن الأمور ليست بقدر الخطورة التي وصفها الملك، فقد نما لنا أن ترتيبا ما تم بين الملك ومحمد نجيب وعلي ماهر باشا سيدفع لاستقرار الوضع”.

فداحة القراءة ستتبين في أقل من 24 ساعة حينما يُطرد الملك فاروق من مصر.

الدراما ستظهر في البرقية التي أرسلتها السفارة إلى لانجلي في ساعات الفجر الأولى من 26 يوليو، فيما يبدو أنه قبيل رحيله.

في البرقية “السرية للغاية” أُبلغت الولايات المتحدة برسالتين عاجلتين. أولاهما من حسين سري باشا الذي واجههم بحقيقة ضعف قراءتهم للموقف حين ركزوا على شخص محمد نجيب بشكل مبالغ فيه.

تنقل البرقية عن مرتضى المراغي باشا، والذي شغل منصب وزير الداخلية، معلومات سرية تؤكد أن موقف محمد نجيب صوري، وأن الحركة يدفعها شباب من فصيلين شديديّ الخطورة: الإخوان والشيوعيين، لكن السفير كافري يرى أن المراغي يبالغ كالملك لدفع الإنجليز والأمريكان للتدخل لتعزيز مكاسبه في المفاوضات مع رجال نجيب، وأن الأمر ليس بهذا السوء.

الرسالة الأخرى كانت مثيرة للعجب. بريطانيا التي أقنعت الأمريكان بأن الأمر لا يجب تهويله، وأنها لن تتدخل في شأن داخلي، حذرت محمد نجيب بالفعل أنها ستتحرك “لحماية أرواح رعاياها إذا لزم الأمر”، وأن هذا يتزامن مع خطة وضعها تشرشل للاستيلاء على القاهرة في 48 ساعة مع تقدير الحاجة إلى 96 ساعة للسيطرة على الإسكندرية! هل كانت بريطانيا تحاول “تثبيت” الولايات المتحدة حتى لا تنافسها في السيطرة على الوضع؟

على أي حال قال تقدير ضابط الحالة إنه لو كانت معلومات المراغي حقيقية، فإن وصول حكومة إخوانية التوجه قد تشكل خطورة كبيرة (يبدو أن الأمر لم يكن كذلك في 2011)!


القول الفصل في علاقة الإخوان بحركة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وحريق القاهرة | س/ج في دقائق


الفشل في قراءة الواقع

لا أعرف صراحةً إن كان هناك ما يؤكد نظريات كالتي طرحها بعض الكتاب وأشهرهم مايلز كوبلاند في كتابه الشهير “لعبة الأمم.” لكن ما يمكن التحقق منه على الأرض من خلال الوثائق المطروحة هو أن عنصر المفاجأة والقراءة البطيئة وغير الدقيقة للواقع تكشف أن الولايات المتحدة لم تفهم طبيعة حركة الضباط الأحرار.

لعل هذا يفسر الفشل الكبير في التعاطي معهم في مرحلة ما بين عامي 52 و56 قبل أن يجد الضباط أنفسهم أمام خيار الإرتماء في أحضان المعسكر السوفييتي، الأمر الذي لم يكن كذلك في سنوات الحكم الأولى، والتي شهدت تعاونًا أمنيًا وتسليحيًا مع دول غربية.

في نفس الوقت نرى أن تقديرات ضابط الحالة التي خالفت تقديرات السفير كافري لم تؤخذ محمل الجد، رغم أن تخوفاته كانت في محلها.

الجانب الأهم في الموضوع أن تسلسل الأحداث يؤكد أن فشل المحادثات حول مصير السودان يجب ألا ينفصل عما حدث بعد ذلك بأيام: “الحركة المباركة”.


مشكلتنا مع الديمقراطية: 1- هل يريدون الديمقراطية حقًا؟‎

سيد قطب| قصة معالم في الطريق | عبد السميع جميل

نازيون بين القاهرة وتل أبيب (2): برنامج الصواريخ الألماني في مصر | مينا منير


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك