تبدو الماسونية من بعيدة وكأنها ديانة سرية. لكنها أقرب لحركة عالمانية، مع ذلك، لا تسمح للملحدين أو اللا أدريين الانضمام إليها.
وفق تصور الماسونيين، فإن الإيمان بكائن أعلى ضروري، وبدون الإيمان بكائن مطلق القدرة، فلن يكون هناك أي التزام بأن تكون شخصًا صالحًا؛ لأنهم يؤمنون أن الله مصدر قوة عليا تحث الناس على فعل الخير في مجتمعاتهم.
وفقًا لجمعية الخدمة الماسونية في أمريكا الشمالية، فرغم اشتراط الإيمان بإله، لا تدافع الماسونية عن ممارسات أو عقائد بعينها، ولا تسمح بمناقشة القضايا الدينية خلال الاجتماعات الماسونية.
يهتم الماسونيون عمومًا بعيش حياة أخلاقية.. يشجع الماسونيون الإحسان والأخلاق والطاعة. وترتكز مبادئهم الأساسية على الحقيقة والإغاثة والأخوية، التي تستمد من المحبة والرجاء والإيمان. كل هذه المبادئ مدعومة بركائز القوة والحكمة والجمال.
لكنهم يعتقدون أن كل ذلك يتحقق بالأساس من خلال العيش في ظل مبادئ الماسونية.
قصيدة ريجيوس تصنف باعتبارها أقدم مخطوطة ماسونية معروفة. يقدر جيمس هاليويل أنها كتبت في حدود عام 1390، إن لم يكن قبل ذلك.
كانت القصيدة معروفة بالفعل للباحثين منذ زمن. لكن ارتباطها الماسوني لم يؤكد إلا في عام 1838.
تنسب القصيدة اختراع حرفة البناء إلى إقليدس، الذي سعى لتوفير نوع من العمل لأبناء النبلاء في مصر القديمة، قبل أن تنتشر في جميع أنحاء الأرض، وصولًا في النهاية إلى إنجلترا في عهد أثيلستان، حوالي 924 بعد الميلاد.
آخرون، مثل شوفالييه رامزي، نسبوا أصول حرفة البناء إلى بني إسرائيل في عهد الملك سليمان ، الذين فقدوا "أسرارهم" قبل أن يعيد الصليبيون اكتشافها.
ومنذ ذلك الحين، افترض كثيرون أن رامزي كان يشير إلى فرسان الهيكل، رغم أنه لم يذكرهم على الإطلاق.
لا أحد يعرف بالضبط متى وكيف تشكلت الماسونية كفكرة مستقلة. لكن النظرية الأكثر قبولًا عنها تطورت من نقابات بناة الكاتدرائيات التي نشأت خلال العصور الوسطى.
حينها، كان البناؤون يلتزمون بتلقي "تعليم ليبرالي" قبل أن يمارسوا الحرفة؛ باعتبار أن التعليم جزءًا لا يتجزأ من البناء.
كانت النقابات مقتصرة على البناة أنفسهم. لكن الحرفة نفسها بدأت في التدهور، فبدأت النقابات قبول انضمام أعضاء فخريين سعيًا لتوسيع العضوية.
من هذا التوسيع تحديدًا، تفترض النظريات أن الماسونية ظهرت..
وفقًا لجمعية الخدمات الماسونية لأمريكا الشمالية ،فإن الرموز المستخدمة في طقوس الماسونية تعود إلى العصور الوسطى..
ووفق الباحثين، كانت نقابات عمال البناء في إنجلترا في العصور الوسطى تسمى أحيانًا " البنائين الأحرار - الماسونيين الأحرار" (كلمة ماسون تعني بيت) نظرًا لأنهم كانوا يستخدمون "الحجر الحر" في أغلب الأحيان؛ لأنه كان ناعمًا وقابلًا للنحت.
بينما ترتبط الماسونية غالبًا بإنجلترا، فإن أول نزل ماسوني تأسس في اسكتلندا، التي استضافت العديد من النزل في جميع أنحاء البلاد بحلول أواخر القرن 15 الميلادي، وفقًا لبي بي سي.
استغرقت تلك النزل قرنًا كاملًا لإنشاء هيكل مؤسسي، والذي يعتبره الكثيرون بداية الماسونية الحديثة.
لكن البداية الرسمية للماسونية تؤرخ بـ 24 يونيو 1717، عندما انضمت أربعة نزل في لندن معًا لإنشاء المحفل الماسوني الكبير الأول في إنجلترا في باحة كنيسة القديس بولس، وانتخبوا أنتوني ساير كأول "جراند ماستر".
لكن نجاح مرحلة التأسيس ينسب إلى الفيلسوف ورجل الدين البريطاني فرنسي المولد، جون ثيافليس ديسجلوريس، الذي عمل مع رجل الدين الإسكتلندي، جيمس أندرسون، لصياغة "دساتير الماسونيين" في عام 1723، والتي تُعرف الآن باسم دساتير أندرسون،
وتعتبر هذه الدساتير حاليا المرجع الماسوني الأساسي، خصوصًا في أمريكا، بسبب استنساخ بنجامين فرانكلين لنصوص ندرسون داخل المستعمرات الأمريكية في 1734.
في غضون 30 عامًا، انتشرت المحافل الكبرى في الجزر البريطانية وعبر المحيط الأطلسي، بداية من محفل أيرلندا في 1725 ثم محفل إسكتلندا في 1736.
لكن الأرضية الأهم التي احتضنت الماسونية كانت المستعمرات الأمريكية. أسس أول نزل في بوسطن عام 1733.
ومن هناك، يربط الباحثون الماسونية بتأليب المشاعر التي أدت إلى الثورة الأمريكية، باعتبار أن الماسونيين الأوائل كانوا معارضين للملوك، وأنهم نشروا هناك قيم التنوير، بما في ذلك حرية الفرد، وكرامة الإنسان، وتشكيل الحكومات الديمقراطية..
والأهم، أن عددا من الآباء المؤسسين، بمن فيهم جورج واشنطن، وبنجامين فرانكلين، وبول ريفير، وجوزيف وارن، كانوا من الماسونيين أنفسهم، كما خدم فرانكلين كرئيس للأخوة في ولاية بنسلفانيا.
في خمسينيات القرن الـ 18، حدث الصدع الأهم بين الماسونيين في إنجلترا، فانقسموا إلى محفلين، أحدثهما سمى نفسه "المحفل القديم" باعتبارهم ظهروا لإعادة التقاليد القديمة الدقيقة للنظام الماسوني، بعدما خرج عليها المحفل الأساسي، الذي وصف من تبقوا فيه بـ "العصريين".
بقيت كل مجموعة تعمل بطقوس سرية منفصلة. لكن قانونًا صدر في إنجلترا عام 1799 ليجرم "الجمعيات غير المشروعة" مانعًا انضمام المواطنين لتنظيمات لديها أقسام سرية، لتعيد المجموعتان العمل معًا لمنع حظر الماسونية،
فأسسوا المحفل الماسوني المتحد الكبير في 1813، بعد مفاوضات استغرقت 4 سنوات، استقرت في النهاية على توحيد الطقوس.
في 13 مارس 1826، وقع أمريكي يدعى ويليام مورجان عقدًا لنشر كتاب قال إنه سيفضخ أسرار الطقوس الماسونية.
مورجان كان عامل بناء في نيويورك بين عامي 1824 - 1826. قال إنه تسلل بين صفوف الماسونيين. وإن كانت سجلات العضوية تخلو من ذكره.
المهم أن مورجان تعرض للحبس في سبتمبر 1826، متهمًا بسرقة ربطة عنق وقميص. ظهرت براءته، لكن أعيد حبسه قبيل إخلاء سبيله بتهم التهرب من دفع دين قدره 2.68 دولار.
سدد الدين خلال 24 ساعة. وبمجرد خروجه، كانت عربة بانتظاره خارج باب السجن، أخذته فورًا إلى فورت نياجرا، حيث اختفى، ولم يره أحد مرة أخرى.
وجهت لائحة اتهام ضد 54 شخصًا بالتورط في اختفائه، حوكم منهم 39 رجلًا. لكن المحكمة لم تدن أيًا منهم. قبل أن يتكشف لاحقًا أن العديد من المحلفين والمدعي العام كانوا من الماسونيين.
وفقًا لجامعة ولاية ميشيغان، تنفي المنظمات الماسونية أي تورط، لكن كثيرين يعتقدون أن مورجان تعرض للقتل في محاولة لإسكاته.
قضية مورجان خلقت مشاعر معادية للماسونية في الولايات المتحدة.
خلال 3 سنوات، صدرت أكثر من 100 صحيفة مناهضة للماسونية، وتأسست الأحزاب السياسية المناهضة للماسونية.
تراجعت العضويات النشطة في المحفل الماسوني بشكل كبير. وبدأ الهجوم على الماسونيين في الشوارع، كما تعرضت مقراتهم للتشويه.
في الفترة التي سبقت الحرب الأهلية، تحول العديد من أنصار الحزب المناهض للماسونية نحو مناهضة العبودية، واستمر رد الفعل العنيف ضد الماسونية في النمو حتى الحرب الأهلية، مع قيام دعاة إلغاء العبودية بحملات ضد الماسونيين، الذين كانوا غالبًا مؤيدين للعبودية.
بعد الحرب الأهلية، ونظرًا لأن الكثيرين اعتبروا أن الحركة الماسونية قد تم إخمادها، تلاشت الحركة المناهضة للماسونية، ليعاد إحياء الماسونية فورًا، وتدخل فيما يسمى بـ"العصر الذهبي للأخوة".
علاقة الماسونية مع الأديان لم تكن واضحة حتى انقلاب نابليون عام 1851، حين هرب العديد من الماسونيين الفرنسيين إلى بريطانيا كلاجئين.
هناك، صدمتهم علاقات الماسونيين الإنجليز بالكنيسة الأنجليكانية، والتي كانوا يرونها تناقضًا صارخًا مع مبادئ الماسونية.
تبادل الفريقان الانتقادات اللاذعة، وادعى الماسونيون الإنجليز أن الفرنسيين "متصوفون للغاية"، بينما انتقد الماسونيون الفرنسيون الإنجليز لانشغالهم بعلاقتهم مع الكنيسة.
في النهاية، لم يحدث التوفيق بين المنقسمين أبدًا بعد أن قدم المحفل الماسوني الفرنسي مفهوم Laïcité، والذي كان يهدف إلى قطع أي علاقة بين الماسونيين والدين المنظم.
الماسونية تاريخياً حركة غير سياسية، مع بعض الاستثناءات الملحوظة مثل محاولة غزو كوبا عام 1850.
لذلك، عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، قاتل العديد من الماسونيين في الحرب بينما تم إنشاء جمعيات خيرية مرتبطة بالحرب في الوطن للمساعدة في جمع الأموال.
في عام 1915، قدم المحفل الماسوني بإنجلترا تعديلاً يلزم جميع الماسونيين من المولد الألماني أو النمساوي أو المجري أو التركي بالامتناع عن أي اجتماعات ماسونية تحت الولاية القضائية الإنجليزية، وتم إيقاف الروابط مع المحفل الألماني، وتعطلت نزل أخرى بسبب مشاركة أعضائها في القتال.
بعد الحرب تم إنشاء أكثر من 350 نزلاً حديثًا، كما تم إنشاء مقر جديد في لندن تخليدا لذكرى الماسونيين الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب.
وخلال الحرب العالمية الثانية، أصبح وضع الماسونيين أكثر خطورة حيث وصفهم النازيون بأعداء العرق الألماني، حيث ربطت الدعاية النازية بين الماسونيين واليهود وادعت أن هناك مؤامرة "يهودية ماسونية"،
على الرغم من أن الماسونية ليست شائعة كما كانت من قبل، مع انخفاض عضويتها بشكل مطرد خلال القرن الماضي، فإنه يوجد ما يقرب من ستة ملايين ماسوني مسجل في جميع أنحاء العالم الآن.
وفقًا لـ NPR، في الولايات المتحدة الأمريكية، انخفضت عضوية الماسونيين من 4.1 مليون في عام 1960 إلى 1.3 مليون في عام 2012.
وفقًا لـ The Atlantic، فإن الكثير مما يفعله الماسونيون الآن هو ببساطة قضاء بعض الوقت مع بعضهم البعض، وغالبًا ما يتجمعون في مبنى النزل كل أسبوع، ليدعموا بعضهم البعض، ويشتركوا في الأعمال الخيرية، ويزوروا أرامل الأعضاء.
لم يعد الماسونيون سريين كما كانوا من قبل لأن الكثير من المعلومات يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، لكنهم احتفظوا ببعض أقدم تقاليدهم، مثل قبول الرجال فقط،
فعلى الرغم من سماح عدد محدود من النزل في الولايات المتحدة بعضوية النساء، إلا أن الماسونيين التقليديين لا يعترفون بشرعيتها.