تركيا خططت لغزو اليونان، وفق وثيقة داخلية لهيئة الأركان، أعدتها في 13 يونيو 2014، وتسربت مؤخرًا بالصدفة.
الخطة المسربة تحمل الاسم الرمزي "زاخاس" نسبة إلى القائد العسكري التركي الذي أسس دولة مستقلة خلال العصر البيزنطي في القرن الحادي عشر.
كانت الخطة مدرجة في عرض باور بوينت حمل عنوان "توجيهات القوات المسلحة التركية" أعدته هيئة الأركان العامة لمراجعة التخطيط الداخلي، ويحمل تاريخ 13 يونيو 2014، ما يشير على الأرجح إلى تحديثه وإنهائه في ذلك التاريخ بعد مراجعة إصدار سابق. ومن المفترض أنه لا يزال نشطًا.
لا يحتوي المستند على أية معلومات إضافية حول تفاصيل الخطة بخلاف الاسم والتاريخ المحدّث للخطة التي يفترض أنها مصنفة "سرية للغاية"، وبالتالي لا يمكن مشاركتها من خلال نظام الإنترانت الذي يعمل على خوادم تبادل البريد الإلكتروني للجيش التركي.
لكن وثيقة الباور بوينت كانت قد أعدت على ما يبدو لعرضها داخل المقر كخطة طوارئ فيما يتعلق بالتطورات في سوريا. إذا كان الجيش التركي يقوم بتقييم قدراته والتزامات القوات وفقًا لتوجيهات التخطيط المختلفة السارية فيما يتعلق بالدول المجاورة. أرادوا الحفاظ على قدرات الهجوم والردع على الجبهة الغربية أثناء نقل بعض القوات والمعدات إلى الحدود السورية.
ووفقًا لتوجيه قيادة الجيش بشأن أمن المعلومات، لا يمكن إرسال الخطط الحساسة إلا من خلال أنظمة اتصالات خاصة تسمى نظام توزيع مستندات الرسائل (MEDAS)، أو نظام إعادة توجيه الرسائل الآلي (OMASIS).
الخطة تسربت خارج الدائرة الضيقة بالصدفة. خلال التحقيقات التي يشرف عليها في قضية محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، طلب القاضي التركي الموالي للرئيس رجب طيب أردوغان سيردار كوسكن، توجيه نسخ من جميع رسائل البريد الإلكتروني للشهرين السابقين، بما في ذلك الرسائل المشفرة، في 1 أغسطس 2016.
بعد عشرة أيام ، في 11 أغسطس 2016 ، كلف المدعي العام مساعده الموثوق به الضابط يوكسل فار بجمع رسائل البريد الإلكتروني من الخوادم الداخلية لهيئة الأركان العامة، لتنهي اللجنة الفنية عملها في 14 فبراير 2017.
هيئة الأركان العامة التركية أدركت الخطر. أول رسالة تحذيرية صدرت في مارس 2017 بواسطة الفريق أوجو تارسين، رئيس هيئة الأركان العامة للاتصالات ونظم المعلومات الإلكترونية، محذرًا القسم القانوني في الهيئة من أن الوثائق تحوي معلومات تخص الأمن القومي وتقارير حول العمليات الاستخباراتية السرية في سوريا وشرق المتوسط. وقال إن الوثائق يجب أن تبقى سرية ولا يسمح مشاركتها مع أي شخص غير معني مباشرة.
نائب المستشار القانوني لهيئة الأركان العامة العقيد أيدين سيفيش، وجه خطابًا إلى المحكمة الجنائية العليا في أنقرة في 24 أغسطس 2017، مكررًا نفس المخاوف بشأن الوثائق السرية، طالبًا نشكيل لجنة لفحص المستندات. لكن المدعين العامين الأتراك لم يهتموا بتلك المخاوف، وأدرجت جميع الوثائق والرسائل الإلكترونية السرية في ملف القضية.
اختيار المخططين الأتراك لاسم "زاخاس" للعمل العسكري ضد اليونان يحمل دلالات. هو اسم يلقى تقديرًا في تركيا، لا سيما بين القوات البحرية؛ باعتباره الرجل الذي قاد أول رحلة تركية على الإطلاق في بحر إيجه.
كان زاخاس في الأصل قائدًا تحت الإمبراطورية البيزنطية، قبل أن يتمرد ويبدأ في احتلال الأرض، لتستولي قواته على جزر في بحر إيجة مثل ليسبوس، ساموس، خيوس، ورودس وكذلك بعض الأراضي في سواحل بحر إيجه بين عامي 1088 و1091 من الإمبراطورية البيزنطية. حتى أن البعض في تركيا يسمونه الأب المؤسس للبحرية التركية.
يحدد الموقع الإلكتروني للقيادة البحرية التركية 1081 كتاريخ الإنشاء الأول البحرية التركية الحديثة تحت حكم زاخاس، الذي تقول إنه أسس حوض بناء السفن في إزمير، وبنى أسطولًا من 50 سفينة للخروج في مياه بحر إيجه، وهزم البحرية البيزنطية. ويضم متحف البحرية تمثالًا في إسطنبول يصور زاخاس كأول أميرال تركي.
حكومة أردوغان تعمل كذلك على الترويج لإرث زاخاس لسنوات. أطلق بن علي يلدريم، أكثر الموالين الموثوقين لأردوغان الذين عملوا لمدة 12 عامًا كوزير للشؤون البحرية قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا للبرلمان، حملة في 2010 لإحياء تراث زاخاس.
يقول معارضو إردوغان إنه يستخدم ورقة أثينا دوريًا بدعم من حلفائه القوميين الجدد لتشتيت الانتباه كلما واجهته أزمة داخلية، لكن تاريخ وضع الخطة المحدد في الوثائق الجديدة تزامن مع بدء حكومة أردوغان تصعيد خطابها العدائي ضد اليونان منذ عام 2013.
وتتعارض تركيا واليونان على حدود المياه الإقليمية والمجال الجوي في بحر إيجه، حيث تصطف بعض الجزر اليونانية على طول السواحل الغربية لتركيا، وتعيين حدود الجرف القاري لبحر إيجه، وهو نزاع يتعلق بحقوق تركيا واليونان في الاستغلال الاقتصادي للموارد في قاع بحر إيجه وتحته في منطقة تمتد بين مياهها الإقليمية وأعالي البحار.
وتطالب أنقرة بنزع السلاح من الجزر اليونانية - بما في ذلك كريت ورودس وليسبوس - التي يقولون إنها تركية، لكن من المحتمل أن ترى أثينا الوثائق المسربة حديثًا كإشارة تحذير في هذا الصدد، خصوصًا بعد الاتفاقات البحرية والأمنية بين تركيا وحكومة طرابلس في ليبيا في نوفمبر 2019 والتي زعزعت الأمن في منطقة البحر المتوسط.
في 27 نوفمبر 2019، نشرت "نورديك مونيتور" وثائق سربت أيضًا من قيادة الأركان التركية، تتحدث عن هجمات جوية ضد أرمينيا، وهي الخطة التي عدلت في 2014 بإضافة غزو اليونان إليها.
الصراع بين أرمينيا وتركيا يدور حول عدد من القضايا أبرزها، التشارك في مياه نهر آكاي الذي يشكل الحدود بينهما، وتتشاركان موارده وفقا لمعاهدات قديمة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي أهمها اتفاقية كاراس عام 1927 وتحدد إدارة النهر واستغلال موارده بين البلدين مناصفة. لكن من بعد انهيار الاتحاد، وصلت العلاقات بين البلدين، أرمينيا وتركيا إلى طريق مسدود عام 1991.
علاوة على ذلك تعد قضية الإبادة الجماعية للأرمن أحد أبرز القضايا التي تسبب في توتر بين البلدين، إضافة إلى نزاع ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان - والذي تصاعد في عام 1993 وأدى إلى إغلاق تركيا حدودها مع أرمينيا.
منذ ذلك الحين وتسيطر أرمينيا على نهار آكاي وعلى منطقة ناغورنو كاراباخ. من حينها انقطع الاتصال بين البلدين وإغلاق الحدود بين أرمينيا وتركيا وتعليق التعامل التجاري واعتراض الاتصالات الرسمية بينهم.
لكن في 2009 أجبرت تركيا على تحسين علاقاتها بأرمينيا أثناء محاولاتها الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وأعيدت فتح الحدود في نفس العام، لكنها عادت للتوتر مرة أخرى في 2015 بعد فشل الطرفين في التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا الرئيسية المتعلقة بإبادة الأرمن ونزاع ناغورنو كاراباخ.