تعتقد واشنطن إن المقاتلات الروسية تستهدف دعم قوات مرتزقة فاجنر الروس الذين دفع بهم الرئيس فلاديمير بوتين سابقًا لدعم الجيش الوطني الليبي في مواجهة حكومة فايز السراج المدعومة بميليشيات يسيطر عليها الإسلاميون في طرابلس.
ويصر الجيش الوطني الليبي على أن الطائرات كانت من النماذج القديمة التي أعادها الفنيون المحليون إلى الخدمة، معتبرًا أن وصول أية طائرات حديثة يحتاج إلى عقود وميزانيات ضخمة، وموافقة المجتمع الدولي، الذي يفرض حظرًا على توريد الأسلحة إلى ليبيا منذ 2011. لكن مراقبين يقولون إن الحظر لن يردع روسيًا أو أيا من القوى الخارجية عن مواصلة التدخل في ليبيا.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قال في جلسة استماع بمجلس الشيوخ إن الغرب “يواجه سوريا في ليبيا”. ودعمت روسيا الرئيس بشار الأسد في سوريا ضد خصومه المدعومين من تركيا. لكنها في المقابل عززت وجودها العسكري بقواعد جوية منتشرة في جميع أنحاء البلاد إلى جانب قاعدة بحرية على البحر الأبيض المتوسط، وحصلت على معاملة تفضيلية في الصفقات الاقتصادية.
وقال قائد سلاح الجو الأمريكي في إفريقيا وأوروبا جيف هاريجيان إن روسيا قد تكون مهتمة بتأمين تمركز على ساحل ليبيا، في تطور قد يشكل في النهاية تهديدًا أكبر لأوروبا.
وتخشى واشنطن من سيطرة روسيا على قواعد عسكرية دائمة في ليبيا كمواقع لنشر أنظمة صاروخية بعيدة المدى، بما يحمل تغييرًا في قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا والناتو والعديد من الدول الغربية.
متحدث أفريكوم كارل ويست حذر بدوره من “عواقب بعيدة المدى على الولايات المتحدة” حال انفراج روسيا وتركيا في ليبيا. وأضاف أنه “من المحتمل أنه عندما يتلاشى الدخان في ليبيا، يكون لروسيا قاعدة للوصول إلى الجناح الجنوبي لأوروبا، وأنظمة صواريخ بعيدة المدى أيضًا”.
لكن معهد الشرق الأوسط يقول إن الروابط بين المرتزقة الروس وعسكريين في الجيش النظامي لا تعني بالضرورة أن موسكو تدعم هذه الجهات مباشرة؛ إذ تتدخل العديد من الشركات العسكرية الروسية في ليبيا دعمًا لفصائل متنافسة سعيًا لتأمين مصالحها التجارية، لكن الفرق الوحيد هو أن بعض الشركات لديها علاقات أوثق مع الجيش الروسي من غيرها.
ويقول الباحث الروسي المتخصص في دراسات التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط أنطون مارداسوف، إن بلاده تسعى لتعويض الاستثمارات التي خسرتها بسقوط القذافي، واستغلال فرصة إقامة نظام صديق في ليبيا.
هذا الحفاظ على المصالح يتطلب دعم خليفة حفتر بعد سلسلة خسائره الأخيرة؛ للحفاظ على التوازن السياسي الحالي في محاولة لتعظيم نفوذ موسكو في مرحلة ما بعد حفتر.
وول ستريت جورنال تنقل عن أندريه كورتونوف، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسي، الذي يتمتع بعلاقات مع الخارجية الروسية، قوله إن الدعم الروسي استجابة لطلب حفتر ومؤيديه الدوليين للمزيد من المساعدة بسبب الموقف على الأرض، لكنه يقول إن بلاده تدرك أن تصعيد التدخل من شأنه أن يقوض حياد روسيا المعلن، الذي منحها فرصة التواصل مع الجانبين.
وبينما يؤكد قائد أفريكوم ستيفين تاونسند أن وصول المقاتلات يعني نية روسيا التدخل مباشرة باعتبار أت قوات الجيش الوطني الليبي وحتى قوات فاجنر لا يملكون قدرة تسليح وتشغيل وصيانة المقاتلات. يشير مصدر من وزارة الدفاع الروسية أنه حتى لو صح نشر الطائرات، فمن شبه المؤكد أنها لن تخضع لتشغيل الطيارين الروس؛ إذ لا ترغب موسكو في تعقيد ما تبقى من علاقات مع فايز السراج.
جريجوري هادفيلد، نائب مدير إدارة المخابرات التابعة للقيادة الأمريكية في أفريقيا، يفك شفرة اللغز. يقول إنه حتى بدون مشاركة المقاتلات الروسية في القتال، فإنها تضيف قدرات جديدة للجيش الوطني الليبي بعدما حصلت حكومة طرابلس على دعم حاسم من تركيا، بما في ذلك ضربات الطائرات بدون طيار.
يلخص محللون الموقف الروسي في “محاولة تعديل الميزان” في مواجهة الطائرات التركية دون طيار التي عززت قوة حكومة طرابلس. روب لي، خبير الدفاع الروسي في قسم دراسات الحرب في كلية كينجز كوليدج، يقول إن طائرات ميج 29 يمكنها إسقاط الدرونز التركية ، بينما سو-24 قادرة على تدمير قواعدها على الأرض.
ويقول فردريك ويري، الملحق العسكري الأمريكي السابق الذي خدم في ليبيا، إن روسيا تحاول تأمين المناطق الواقعة تحت سيطرة حفتر من هجوم محتمل تدعمه تركيا. يصف “اللعبة الروسية” بمحاولة لتحسين الموقف التفاوضي بما يوقف المزيد من الاعتداءات التركية على شرق ليبيا.
مكسيم سوشكوف، المحلل بمركز الشرق الأوسط للأبحاث ومقره واشنطن، يقول إن روسيا تريد أن يكون لها اليد العليا في ليبيا، وإجبار الأتراك على التوصل إلى اتفاق” لأن الصراع سيكون مصدر قلق ملح للأوروبيين الذين يريدون من الروسي فلاديمير بوتين “توسيع جدول أعماله معهم”.