حرب الشطرنج في ليبيا.. من يصل لـ “كش ملك” أولًا؟ | محمد زكي الشيمي

حرب الشطرنج في ليبيا.. من يصل لـ “كش ملك” أولًا؟ | محمد زكي الشيمي

23 Apr 2020
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الأيام الأخيرة حملت تطورات مفاجئة ومتسارعة  في نزاع ليبيا. الجيش الوطني الليبي التابع للحكومة الليبية المؤقتة المنبثقة عن برلمان طبرق فقد السيطرة على بعض المدن في الساحل الشمالي الغربي لصالح قوات حكومة الوفاق في طرابلس المدعومة من تركيا وتنظيم الإخوان.

وبرغم ما صاحب هذه السيطرة السريعة من عملية دعائية واسعة، إلا أن تاريخ الصراع في ليبيا خلال السنوات الست الماضية لا يشير إلى أن حكومة الوفاق ستربح الكثير من جراء ذلك لأسباب ظاهرة للجميع.

يمكن تلخيص هذه الأسباب فيما يلي:

1- السيطرة على الأرض

ليبيا تتكون في تقسيمها الإداري من اثنين وعشرين محافظة أو شعبية، سبع منها في شرق ليبيا (برقة)، وست في الجنوب (فزان)، وتسع في الغرب (إقليم طرابلس).

حكومة طبرق تسيطر على كل محافظات شرق ليبيا السبع، وكل محافظات الجنوب الست، وإحدى محافظات الغرب، وهي سرت بالكامل، دون أي وجود من أي نوع لقوات حكومة الوفاق في هذه المحافظات الأربع عشرة.

في ذات الوقت، تخضع مناطق لسيطرة حكومة طبرق في كل المحافظات الثماني الأخرى (الجبل الغربي – نالوت – زوارة –  الزاوية – الجفارة – طرابلس – المرقب – مصراتة)، فالجبل الغربي ونالوت وزوارة مثلًا كانت قبل العمليات الأخيرة تحت سيطرة شبه كاملة للجيش الوطني الليبي ماعدا المعابر الحدودية والجيوب التي يتمركز فيها الأمازيغ بالذات (زوارة – نالوت – يفرن) بالإضافة لغريان. والزاوية تنتشر فيها قوات تابعة للجيش الوطني في صرمان وصبراتة، والجفارة وطرابلس توجد فيهما قوات الجيش الوطني الليبي التي تقود معركة دخول طرابلس منذ أبريل الماضي، والمرقب تنطلق فيها من مدينة ترهونة عمليات الجيش الوطني الليبي باستمرار، وتعتبر أحد قلاعه الحصينة هناك.

صراع الشرعيات في ليبيا.. من سقوط القذافي إلى معركة طرابلس | دقائق.نت

وأخيرًا، فحتي محافظة مصراتة – المعقل الرئيسي للإخوان والموالين لتركيا في ليبيا بشكل عام – تنتشر قوات الجيش الوطني الليبي داخلها منذ شهور في معارك مستمرة في السدادة وبوقرين والهيشة، كما أن تركيب المحافظة الداخلي يضمن أن سكان مدن غير مصراتة مثل بني وليد موالين الجيش الوطني، وأن وضع سكان تاورغاء مثلًا المهجرين من مدينتهم منذ حرب 2011 مماثل، بل هم أكثر حماسًا للجيش الوطني حتى من سكان بني وليد.

يعني ذلك ببساطة أن حكومة طبرق تسيطر على 14 محافظة بشكل كامل، ولها انتشار متباين القوة في بقية المحافظات الثماني الأخرى، بينما تنتشر قوات حكومة الوفاق بشكل جزئي في ثماني محافظات.

هكذا إذن كان الوضع قبل العمليات الأخيرة، أما بعدها فقد تزايدت سيطرة الوفاق في الزاوية والجفارة (سيطرة شبه كاملة)، وزوارة (سيطرة شبه كاملة ماعدا قاعدة الوطية) وبقية الوضع على حاله.

2- أوراق النفط

المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي ما زالت تتضمن كل المناطق النفطية، سواء مناطق الآبار أو التصدير، باستثناء مصفاة الزاوية وميناء مليتة، ولهذا أهميته في أنه يضمن استمرار حظر تصدير النفط الذي فرضته حكومة طبرق منذ شهور.

ومن المعروف أنه رغم سيطرة الجيش الوطني الليبي منذ وقت بعيد على كثير من الآبار والموانئ النفطية، فإنه كان يسمح بتصدير النفط من خلال المؤسسة الوطنية للنفط والعائدات لمصرف ليبيا المركزي (البنك المركزي) وكلاهما في طرابلس تحت سيطرة الوفاق، قبل أن تتورط حكومة الوفاق بشكل واضح في استجلاب المرتزقة، لتقرر حكومة طبرق وقف التصدير للضغط على الموارد المالية للوفاق المستخدمة في تجييش الأجانب ضد الليبيين.

3- معركة الولاء السياسي

المناطق التي سيطرت عليها قوات حكومة الوفاق مؤخرًا لم تكن فقط تحت سيطرة عسكرية للجيش الوطني، بل إن سكانها كذلك موالون سياسيًا للجيش الوطني؛ فسكان صرمان وصبراتة والعجيلات ورقدالين والجميل لا يوالون حكومة الوفاق من الأساس، وبالتالي فإن السيطرة على المدن لا تغير الكثير في الواقع السياسي.

سعى خليفة حفتر من البداية  لبناء جيش منظم، بينما سعى خصومه لاستمرار لعبة الميليشيات المسلحة والمجالس العسكرية. مع الوقت، تظهر النتيجة واضحة في فارق الانضباط بين الطرفين، حتى ولو لم يكن في أي منهما على مستوى مثالي. لكن نتيجة ذلك أن الجيش الوطني الليبي كان ولا يزال لا يفضل حرب المدن، بل يفضل القتال في المناطق المفتوحة قدر الإمكان حرصًا على أرواح المدنيين.

4- سحب المعارك خارج الأحياء

في كل المعارك التي خاضها الجيش، حتى في العاصمة طرابلس تظل المعركة الأساسية تدور في الضواحي والمناطق المخلخلة سكانيًا، بقصد استنزاف الخصم، مع الاكتفاء باستهداف المواقع العسكرية المهمة بالطيران أو المدفعية. وبالتالي، فمن المفهوم أن مواجهة هجوم مكثف على المدن لن يكون خيارًا مفضلًا له، إذا لم تكن لديه القدرة على حسم المعركة سريعًا، قبل أن تتحول إلى حرب داخل المدينة.

بالمقارنة، فإن قوات الجيش الوطني حرصت على خوض المعركة بشراسة للإبقاء على قاعدة الوطية تحت سيطرتها، ونجحت في ذلك، خصوصًا أن القاعدة بعيدة عن العمران، بينما فضلت سحب قواتها من المدن الصغيرة في محيطها الجغرافي.

5- المكاسب المؤقتة

شهدت ليبيا عموما الكثير من تبادل مواقع النفوذ منذ 2014، لكنها كانت تنتهي دائمًا بسيطرة الجيش. فمعارك حفتر التي بدأت في مايو 2014 وصلت في مرحلة للانسحاب شبه الكامل من مدينة بنغازي بعد سقوط معسكر الصاعقة ببوعطني، وانتقلت المعركة إلى بنينة خارج المدينة. ومعارك الهلال النفطي شهدت بعد السيطرة عليها في سبتمبر 2016 أكثر من ثلاث محاولات تمكنت فيها الميليشيات من استعادة السيطرة مؤقتًا، لكن الأمور انتهت في النهاية بتثبيت سيطرة الجيش الوطني. والهجوم الدموي على قاعدة براك الشاطئ في مايو 2017 انتهى آخر الأمر بسيطرة الجيش الوطني على المنطقة بشكل كامل ونهائي، والهجمات الإرهابية في أم الأرانب وتراغن من قبل الميليشيات التشادية والإرهابيين والتحالفات القبلية معها انتهى إلى مقتل حسن موسى التباوي والسيطرة الكاملة على الجنوب، ومحاولة الهجوم على ترهونة وعلى سرت باءت بالفشل.

بالتالي، فالقياس النهائي للنجاح ليس تحقيق مكسب محدود هنا أو هناك. فحتى بداية أبريل الحالي، لم يفقد الجيش الوطني الليبي السيطرة بشكل دائم  أبدًا على منطقة كان يسبق له السيطرة عليها باستثناء مدينة غريان.

السراج وأخواه.. هذا ما تبقى من حطام المجلس الرئاسي الليبي

6- جيش مقابل عصابات

لم تتصرف حكومة السراج كالمعتاد بما يجعل العالم يعتبر قواتها جيشًا نظاميًا منضبطًا؛ فما أن سيطرت على المناطق الجديدة، حتى أحرقت مديرية أمن صبراتة. وقيل في تبرير ذلك إنهم حصلوا على فتوى شرعية بحرق المبنى، كما شهد اقتحام المدن الكثير من الأعمال الانتقامية والتصفيات والفوضى الأمنية، والأغرب أن أحمد الدباشي (الشهير بالعمو) أحد مهربي البشر والبنزين والمطلوب دوليًا في نص قرار لمجلس الأمن منذ عامين، ظهر بوضوح متحدثًا في صبراتة بعد اقتحامها، كما شارك في الهجوم الكثير من إرهابيي مجلس شوري ثوار بنغازي الهاربين،  بخلاف المرتزقة السوريين، وهو ما يؤكد أن حكومة السراج لم تعد تهتم حتى بمحاولة تجميل الحقيقة الظاهرة للجميع. ولهذا في النهاية انعكاساته أكثر على تضاؤل تأييد مثل هذه الحكومة داخلياً أو حتى خارجيًا.

7- إسقاط قطع VS إسقاط الملك

بشكل عام، فمن الواضح إذن أن تداعيات الأزمة العالمية الحالية دفعت تركيا التي تتحول حاليًا لبؤرة وباء كورونا لأن تسارع في استخدام أوراقها العسكرية والسياسية والإعلامية أكثر لمحاولة خلق تغيير سريع، إلا أن نتائج ماجرى حتى الآن تؤكد أن قدرة تركيا وحلفائها على إحداث تغيير كبير محدودة للغاية، وأنه إذا كانت ضربتها الكبرى بهذا الشكل الهزيل، فالمتوقع أن رد الفعل عندما يأتي سيحجم هذه الضربة، إن لم ينقلب كالعادة على حلفائها.

تشبه  الحرب في ليبيا لعبة شطرنج بين لاعبين أحدهما يضع تركيزه على محاولة إسقاط قطع للخصم، والآخر يضع تركيزه على الوصول لـ (كش ملك – مات الملك). والبديهي في هكذا لعبة، أن يربح الطرف الثاني، مهما خسر من قطع أثناء المباراة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك