هل تصل مصر إلى الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي؟ الإجابة في فيديو جيم | خالد البري

هل تصل مصر إلى الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي؟ الإجابة في فيديو جيم | خالد البري

15 Jul 2020
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في هذا الفيديو جيم لديك خيارات غير تقليدية.

عليك أن تبني سيتي كاملة. ولك الحق في اختيار عدد البناة. أمامك قائمة: ١٠، ٢٠، ٣٠، حتى ٢٠٠.

معظم اللاعبين المحدثين يلجأون إلى اختيار أكبر عدد ممكن. ظنا منهم أن هذا سيعجل ببناء المدينة. وهنا يحدث التويست.

صحيح أنه من حقك اختيار ما تشاء من البناة، ولكن لأن هذا جيم “استراتيجي”، فإن كمية الطاقة (الغذاء) التي تملكها ليست مفتوحة. هذه الكمية تتجدد فقط كلما وصلت إلى مرحلة معينة من تعمير السيتي.

ماذا يحدث؟

يبدأ البناة في البناء. ثم لا يجدون من الغذاء ما يكفيهم.

في هذا الجيم “الاستراتيجي” لا يموت من لا يجد ما يكفيه من الغذاء، بل يتعارك لكي يحصل عليه. فتنشأ صراعات بين البناة.

هذا يفرض عليك تحديا أعلى. لأن الطاقة النادرة أساسا صارت الأن تستنزف في الصراع، وليس في البناء. وعليك أن تتخذ قرارات صعبة.

في المرة القادمة تتعلم الدرس. فتبدأ بعدد أقل، متوازن مع حجم البناء المطلوب لكي تتجدد مصادر الطاقة (الغذاء). وكلما زادت كمية الطاقة التي حصلتها تستطيع زيادة أعداد البناة الذين تستخدمهم.

ستنشأ أمامك تحديات أخرى.. ليس هنا مجالها.

سعر الحياة الحلوة | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

اعتراض سياسي

الفيديو جيم سُحب من السوق لأن الجماعات اليسارية اعتبرته فاشيًا. واعتبروا أنه رسالة موجهة ضد الهجرة.

لكنه ليس كذلك. هذا فيديو جيم عن “إدارة الندرة والوفرة”. بمعنى آخر، هو جيم عن الاقتصاد.

هل لديك ندرة في الأيدي العاملة؟ تحتاج إذن إلى مزيد من المواليد، أو إلى فتح باب الهجرة.

لكن هل لديك وفرة في البشر مقابل ندرة في الغذاء والدواء والكساء والتعليم؟ تحتاج إذن إلى عدد أقل من المواليد.

هذا جيم ضد توالد الفقر

توالد الفقر تعبير المقصود منه التوالد خارج قدرة الأبوين على الكفالة. وهي عادة تقتل المعادلة الحسابية الأساسية في الاقتصاد. المعادلة البديهية التي يتفق عليها اليسار واليمين والشرق والغرب. لكن كلا منهم يتعامل معها بطريقة مختلفة.

غرض الجميع … الحيلولة دون كثرة المواليد فوق قدرة الآباء على الكفالة.

كيف نفعل ذلك. هل نقتلهم؟

لا. هناك حلان اقتصاديان يختلفان حسب أيديولوجية الحكم:

أولًا الحل الصيني: “ما دمت أتكفل بك، فعليك أن تطيعني. المواليد طفل واحد لا غير”.

وهناك الحل الفردي الحر: “من حقك كفرد أن تنجب ما تشاء. أنت فرد حر ومسؤول عن قرارك وعواقبه. لن يتكفل بك أحد”.

هذان النموذجان من اليمين الأمريكي، واليسار الصيني، على اختلافهما الكبير، يتعاملان مع المعادلة نفسها، دون إنكار.

حين تضعهما في مقارنة مع النموذج المصري تكتشف المشكلة. في مصر خليط ثقافي ينكر المعادلة، ويتصرف وكأنها غير موجودة. الدين يقول لك أنجب ما تريد فالولد يأتي برزقه. وحين لا يأتي الولد برزقه، يخرج اليسار ليقول لك لا بد أن تتكفل الدولة بك.

وأنا لا أستخدم هنا كلمة اليسار بمعنى المعارضة، على الخطأ الشائع. أستخدمها بمعنى الاختيار السياسي اليساري. وهو الاختيار الذي عمدت إليه السلطة في مصر مثلًا من حركة الضباط الأحرار في ١٩٥٢، ولا نزال نرى مآسيه حتى الآن.

لكن – يا للعجب – لا يزال متبنوه يصرون عليه.

ستكونين أنت الحذاء.. أزمة الاقتصاد المصري في أغنية المهندس حسام | رواية صحفية في دقائق

الرئيس السيسي أشار إلى معنى شبيه بهذا حين قال في مداخلة سابقة في مؤتمر الشباب الثالث في تفسيره للوضع الاقتصادي السيئ: “دا محصلة سنين طويلة من عدم المواجهة… الناس كانت بتتحسب من اللي انتو فيه دلوقتي (يقصد الاحتجاجات) وتخوفت منه على مدى أكتر من خمسين سنة إنها تاخد إجراءات لبناء دولة حقيقية… خافوا من رد الفعل وعلشان كده معملوش إصلاحات”.

واتخذ بالفعل قرارات جريئة في هذا الملف، كالتعويم، والرفع التدريجي للدعم عن الوقود.

لكن المعادلة لن تستقيم حسابيًا – فضلًا عن اقتصاديًا – إلا بتعديل الرؤية، أو الفلسفة السياسية الاقتصادية، الأساسية، لكي نمنع”توالد الفقر” من أساسه.

هذا قرار يعبر عن رؤية سياسية. لا تجعل فعل الولادة مربحًا. لا تجعل إنتاج الأطفال في حد ذاته عملًا مربحًا. بل تجعل تربيتهم ومنحهم المهارات العصرية التي تؤهلهم لاكتساب حياة كريمة هي العمل المربح.

تنابلة السلطان … الحركة التعليمية التي لم تنل حقها | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

مصر لم تفعل ذلك

ولكي لا يكون الكلام عائمًا، بلا شرح على أرض الواقع، تعالوا نوجز ما حدث في مصر في هذا الصدد منذ ١٩٥٢ حتى الآن، وهي الفترة التي زاد فيها عدد سكان مصر بنسبة ٥٦٦%، في حين زاد عدد سكان بريطانيا بنسبة ٢٤% فقط. تعالوا نرى كيف لعبت مصر هذا الفيديو جيم المتخيل.

اعتمدت مصر في تلك الفترة مجموعة من سياسات الكفالة التي تسببت في هذه الزيادة السكانية، وهذه مصيبة، لكن الكارثة كانت التوزيعة السكانية لهذه الزيادة. والتي تمت على مرحلتين:

في المرحلة الأولى زادت كثافة السكان في شريحتين من المجتمع:

١- طبقة الأب الريفي الموظف. هذه طبقة من الريفيين المهاجرين حديثا إلى الحضر. وجدت الطعام في التموين، والتعليم بالمجان، والسكن على حساب الملاك، ويمكن توريثه للأبناء. الأب يعمل والأم ربة منزل تنجب وتربي. أي أن تكلفة إنجاب طفل تقترب من الصفر. ناهيك عن غياب المرأة عن سوق الإنتاج. في هذه الطبقة صار لدينا شخص عامل ينفق في المتوسط على ستة أفراد. هو وزوجته وأربعة أبناء.

٢- طبقة الفقراء من غير ذوي الدخل الثابت. سواء من يعيش منهم في الريف أو في عشوائيات الحضر.

في المرحلة التالية تفاقمت مشكلة خريطة الزيادة السكانية:

طبقة الأب الموظف الريفي ألجمتها مساحة مساكنها، وألجمتها مشاكل الازدحام في التعليم والمواصلات، وما استولت عليه كمستأجرين من الملاك ارتد عليها في جيل أبنائها حيث انحسر الاستثمار العقاري وارتفعت أسعار المساكن. وألجمها طموحها المحمود. حيث اضطرت للإنفاق على الدروس الخصوصية وعلى مواصلات عامة ولكن غير حكومية، وعلى ملابس أولاد يريدون أن يظهروا بمظهر لائق. ثم خروج المرأة للعمل. فحددت مواليدها نوعًا ما.

أما طبقة فقراء العشوائيات، والريف. فظلت متحررة من كثير من تلك المحددات. ولم يضرها أن تستمر في زيادة المواليد. بالعكس، رفع من أسهمها في الشاي والسكر والزيت وحصتها من الفصل الدراسي ومن العضلات الحامية في العشوائية والريف. وزاد احتمال أن يخرج منها “فلتة” من يرفع شأن الأسرة لاحقا.

المحصلة من هذا كله كان توالد الفقر.

أولئك هم الرابحون .. كيف يتفاعل الاقتصاد ونفسية المجتمع | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

وكما الفيديو جيم. لم تكن القيمة المنقوصة من الاقتصاد هي نقص مقومات الحياة عن ما يلبي كفاية الأفواه، بل أيضا الصراع الاجتماعي لكتلة بشرية يزاحم بعضها بعضا في التعليم والمواصلات والشوارع. فينقص بعضها من البعض الآخر في كل ذلك، وينغص عليه. صارت كتلة ينقصها العزم، والمهارة، فلم تتحول أبدا إلى قوة.

حين اختلط هذا مع العناصر الثقافية السلبية الموروثة تحولت هذه الكتلة إلى طارد اقتصادي. يطارد المختلفين دينيًا في الداخل. يتحرش بالمختلفين اجتماعيا. ويطارد السياح والمستثمرين من الخارج. فصارت تسخر قوتها لضر نفسها وهزيمة اقتصادها.

المجانية في الخطاب السياسي تقدم كلفظ منفصل. وكأنه إجراء منعزل عما حوله. فينحاز له بعض ويعترض عليه آخرون.

لكن لا شيء مجانيًا في الحياة. وفي حالتنا، كانت المجانية باهظة الثمن. كتكاثر خبيث في الخلايا.

لكي نضمن ألا يتكرر ما حدث سابقًا، لا بد من أمد نستعد له جميعًا لإنهاء المجانية تمامًا وليكن بعد ١٠ سنوات من الآن مثلًا، وعودة المعادلة الاقتصادية والاجتماعية البسيطة: أنت مسؤول عن نفسك وعمن تعول. فلدينا وفرة في البشر. لا ينبغي للمجتمع أن يدفع من أجل مزيد من الأطفال. ولا ينبغي أن يكافئ أصحاب القرارات الاقتصادية غير المسؤولة. عليه أن يتركهم يتحملون مسؤولية خياراتهم.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك