هل يمكن أن نقع يومًا ما من حافة الكون؟ | شادي عبد الحافظ

هل يمكن أن نقع يومًا ما من حافة الكون؟ | شادي عبد الحافظ

15 Jun 2020
شادي عبد الحافظ دقائق.نت
علوم وطب
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

كيف ترد حينما تقول صديقتك التي لا ترتاح معها: “سأذهب معك إلى آخر الكون”؟!

حسنًا، هذا معقد، ويتطلب بعض التركيز. لأنه للتعرف إلى “آخر الكون”، إذا كنّا نود أن نذهب إليه في رحلة تتطلب الكثير من رسائل فيسبوك والرموز التعبيرية والدموع، يجب على الأقل أن نبدأ بالبحث عن “مركزه”.

انفجار سينمائي

تقول أكثر النظريات التي يمتلكها الفيزيائيون قبولًا إلى الآن، إن الكون كله، بما يحوي من نجوم ومجرات وأنا وأنت والسيد ويني الدبدوب، نشأ من نقطة واحدة غاية في السخونة والكثافة، قبل 13.8 مليار سنة. إنه الانفجار العظيم، لكن إن كان الكون قد نشأ من انفجار، فأين مركز هذا الانفجار؟ 

لفهم الفكرة دعنا نتخيَّل أن الكون هو جنين ينشأ في رحم أمه. يبدأ هذا الجنين بخلية واحدة، ثم تنقسم لتصبح اثنتين، ثم ينقسم كل منهما فيصير لدينا أربع، ثم ثماني خلايا .. وهكذا. حينما يتكون الجنين ونقرر أن نسأل عن مركزه، أو تلك الخلية الأولى، فإننا سوف نقول “الطفل كله”.

الأمر كذلك بالنسبة للكون، فمركز الانفجار هو “الكون كله”. نحن نخطئ حينما نتصور أن الانفجار العظيم حدث “داخل” الكون، لكن الحقيقة أن الانفجار هو الكون نفسه.

في الواقع، فإن اصطلاح “الانفجار العظيم” سينمائي الطابع. الأمر ليس انفجارًا بالمعنى المفهوم، بقدر ما هو تمدد أو توسّع للكون، ويعني ذلك أن كل مجرة في الكون تبتعد عن كل مجرة أخرى.

 بالطبع يُعد البالون الذي ينتفخ تدريجيًا أشهر مثال يتحدث عن فكرة تمدد الكون، كان أول من استخدمه أرثر إيدنجتون في كتابه “الكون المتمدد” 1933.

تجربة يمكن أن تنفذها في المنزل 

هات بالونًا صغيرًا، ثم ارسم عليه نقاطًا ملونة متجاورة في كل مكان، ثم ابدأ بنفخ البالون. هنا ستلاحظ أنه مع ازدياد الحجم تبتعد النقاط عن بعضها البعض. هذه النقاط لا تجري على البالون، لكن البالون نفسه هو ما يتمدد.

تلك أيضًا هي فكرة تمدد الكون. المجرات لا تبتعد عن بعضها البعض لأنها تجري (وان كانت تفعل)، لكن لأن نسيج الكون نفسه يتمدد. بمعنى أوضح، بين كل مجرة ومجرة يظهر فضاء جديد.

بالون كوني 

لكن تشبيه البالون المنتفخ يحمل مشكلة كبيرة؛ لأن القارئ عادة ما يضع في حسبانه مركز البالون الداخلي، فيتصور أن الكون هون كل البالون، وبالتالي فإن مركز الكون يشبه مركز البالون. هذا خطأ، لماذا؟

لأن الكون كله هو سطح البالون فقط. هنا سترتبك قليلًا، ما الذي يعنيه ذلك؟ كيف يكون الكون هو سطح البالون فقط؟ أنت ساذج حضرتك؟

أتفهم حيرتك. لكن تخيّل معي أن هناك نملة ما، نملة صغيرة جدًا بحيث لا يمكن لها أن ترى للأعلى أو للأسفل بل فقط ترى الجوانب يمينًا ويسارًا وللأمام وللخلف. وظيفة هذه النملة هي أن تسافر بشكل يومي على ورقة جورنال كبيرة، بداية من آخر سطر في الجرنال، وصولًا إلى “اسم الجورنال” المكتوب في الأعلى بفونط عريض، ثم إعادة الكرة، وهكذا بلا توقف، مثل السيد سيزيف وصخرته.

 الآن أمسك أحدنا بصفحة الجورنال وصنع منها أسطوانة، هنا لن تدرك النملة ما حدث؛ فهي لا ترى للأعلى والأسفل، ولا تدرك ما نفعل، لكن حينما تصل إلى آخر سطر في الجورنال كعادتها فستلاحظ أنها يمكن أن تنتقل فورًا إلى اسم الجورنال بخطوة واحدة للأمام. 

مشكلة النملة 

بالنسبة للنملة، فإن ما حدث هو معجزة غير مفهومة، تستهلك هذه النملة ساعات طويلة كل يوم لقطع تلك المسافة، ثم حدث فجأة أن قطعتها في “لا شيء” تقريبًا، أما بالنسبة لنا فما حدث طبيعي، أنت من دفعه ليحدث أصلًا.

مشكلة النملة أن قدراتها العقلية والجسدية لا يمكن لها أن تدرك وجود أبعاد أعلى. نحن البشر كذلك، محدودو الإدراك. تركيب خلايانا، نزولًا إلى أصغر الذرات داخلها، يقع ضمن نطاق ثلاثي البُعد فقط، لا يمكن لنا إدراك أو حتّى تخيّل الكون في أبعاد أعلى. 

في فيزياء الأوتار – على سبيل المثال – يمكن للكون ثلاثي الأبعاد الذي نسكن فيه أن يتواجد كاملًا على غشاء (Brane) كوني يوجد بدوره في فضاء ذي بُعد أعلى، حيث تتراص الأكوان بشكل متوازٍ على أغشية متوازية. 

إذا كنت كائنًا متجاوزًا للأبعاد، يمكن أن ترى ما لا نراه. لكن بالنسبة للآن، فأنت فقط نملة كونية صغيرة جدًا، لا ترى إلا في حدود قدراتها. لهذا السبب لا يمكن لنا بسهولة أن ندرك كيف أن الكون هو سطح البالون وليس داخله، لأن الكون مكون من نسيج رباعي البعد، ونحن كائنات ثلاثية البعد.

الآن مع تجربة أخرى 

أحضر كرة قدم، وضع إصبعك على أية نقطة فيها، وقل إن هذا هو مركز سطح الكرة، هل يمكن لأحد أن يقول أنك خطأ؟ لا بالطبع، أنت على صواب، وفي كل مرة تنقل فيها إصبعك على سطح الكرة فأنت على صواب، لأن سطح الكرة لا مركز له، وبالتالي لا “آخر” له بالمعنى المفهوم. 

بالنسبة للكون فالأمر نفسه يحدث، أنت الآن مركز الكون. ان قررت السفر إلى كوكب “كريبتون” في مجرة مجاورة، ولتكن مجرة السيجار على مسافة عشرة ملايين من السنوات الضوئية، فسوف تكون أيضًا مركز الكون، أما إذا قررت السفر إلى كوكب عاش به ثانوس، وسنفترض أنه يقع في أشد المجرات لمعانًا في الجزء الشمالي من تجمع مجرات العذراء على مسافة 55 مليون سنة ضوئية، فأنت أيضًا في مركز الكون. 

إجابة نموذجية

لكن لا بد أنك تسأل نفسك: لم يحدث ذلك؟ وإذا كان هذا السطح يتمدد، ففيمَ يتمدد؟ وما الذي يقع خارج الكون؟ وهل هناك نقطة ما يمكن أن نصل إليها ونسقط من حافته؟

الانفجار العظيم هو انبثاق للزمكان نفسه. وأقصد هنا النسيج الذي يخيط الزمان والمكان معًا. لذلك حينما تسأل عن “خارج الكون” – على سبيل المثال – فأنت تستخدم لغة تتحدث عن “مكان”، لكن الكون هو نفسه المكان. وخارج ذلك لا يوجد ما يمكن أن نستخدم لغة كتلك معه.

حينما نستخدم تعبيرات كـ “قبل الكون” أو “بعد الكون” أو “آخر الكون” أو “حدود الكون”، فنحن نعتمد على تركيبات لغوية محلية، يمكن أن تكون ممتعة ومؤثرة في قصائد الشعر، لكنها غير ذات معنى خارج نطاق أبعادنا.

حسنًا، حينما تقول صديقتك التي لا تشعر بعد بالراحة في وجودها: “سأذهب معك إلى آخر الكون”، أنت الآن تعرف الإجابة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك