حرب كرموز.. يمكن لأفلام “رعاة البقر” أو (الويسترن) أن تدور في أي مكان على وجه الأرض، حتى ولو لم يكن الغرب الأمريكي!
هذه الأفلام اكتسبت شعبيتها الهائلة في الحقبة الكلاسيكية لهوليوود بسبب طبيعتها الشكلانية الفريدة، الخيول، القبعات والأزياء، البنادق العتيقة، الصحراء والجبال، البيوت الخشبية وبينها يقع مبنى الشرطة بالمفهوم القديم أو حيث يعيش “الشريف”.
لكن جوهر هذه الأفلام دراميًا يكمن في عناصر أخرى، ويمكن لمسه في أساطير قبل التمدن حول العالم، في بيئة الساموراي اليابانية، وأساطير “الحالة البريطانية” أو فرسان آرثر، ويمكن الشعور بهذا الجوهر في قصص الحرافيش لنجيب محفوظ.
اقرأ أيضا: سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع
أولًا: التغريب الزمني، والبعد عن العالم الفعلي الحالي، فلا بد من عالم أسطوري، أو حقبة قديمة أو بالغة القدم.
ثانيًا: بيئة مهددة أمنيًا بصفة مستمرة، ليست بالضرورة فوضوية، لكنها تعيش على الخيط الرفيع بين الأمن والفوضى، لافتقادها اللوجيستيات والمركزية السياسية التي تدعم حماة الأمن، فهي بلدات صغيرة لا تبدو وثيقة الصلة بالعواصم المركزية.
ثالثًا: شخص أو قائد مجموعة يرى في نفسه القوة لفرض العدالة، يمكن أن يكون “الشريف”، أو الساموراي الكبير، أو فتوة الحارة، أو فارس أرثري، أو شمس الزناتي.
وهنا أتوقف عند ذلك التناظر الحواري بين الزناتي و”المارشال برعي” قبل أول معركة تدور في أول فيلم مصري بمقاييس الويسترن:
– مأجرلي ناس عشان ماعرفش أدخل البلد؟
– لا وانت والصادق، دا عشان ماتعرفش تخرج منها!
رابعًا: صراع وجودي بين الخير والشر، لا يقتصر على “عركة”، يصد فيها الخير الهجوم، بل يجب أن يقصي أحدهما الآخر.
كل الشروط السابقة محققة في “حرب كرموز”، قصة محمد السبكي وسيناريو وإخراج بيتر ميمي. فالفيلم يختار حي كرموز الأربعينيات، الذي بدا في الأحداث مجرد بلدة معزولة، في واقع شبه فوضوي؛ لأن القانون يمكن خرقه بسهولة حسب رغبة جيش الاحتلال، ويفرض الأمن قسم شرطة يديره رجل شجاع (أمير كرارة) مع قلة من الرجال، يقررون الانحياز للحق ولو كلفهم حياتهم.
لا يكتفي الفيلم بعناصر الشبه الجوهرية مع تيمة الويسترن، لكنه يمتد ليشمل عناصر شكلانية مُحببة، مثل شكل المدينة والبيوت، وقسم الشرطة، حرب البنادق العتيقة، صورة الأنثى المغرية وسط الرجال التي تقدمها “غادة عبد الرازق”.
خمسون عاما على الفيلم الذي غير مصير السينما الأميركية.. THE GRADUATE
1- إثبات الثراء الفني لحقبة الاستعمار
ارتبطت حقبة الاستعمار الإنجليزي في التلفزيون قبل السينما فيما عرف بمسلسلات “الطرابيش” بنمط درامي شديد الرتابة، ظل يتكرر حتى نفر منه الجمهور.
أثبت “حرب كرموز” أن هذه الحقبة الزمنية ما زالت ثرية شكلًا وموضوعًا، ويمكن استغلالها بصورة أكثر جاذبية للجمهور، لنخرج من مواجهة الاحتلال بملاحم أكثر إثارة من مظاهرات “كُبة تاخد الإنجليز”
2- إظهار السبكي في ثوب مختلف
محمد السبكي، المنتج الأهم في العشرين سنة الأخيرة رغم كل الانتقادات، يستطيع الإتيان بفكرة خارج الصندوق وتمويلها بسخاء إذا شعر أن الجمهور سيرحب بها. فالرجل ما زال لديه شغف تقديم الجديد وتغيير الصورة السلبية.
3- كنز مخلفات معركة العلمين
من بعد “شمس الزناتي”، يثبت كرموز مجددًا أن مخلفات معركة العلمين كنز درامي لصناع السينما يجب الانتباه له، وأنها المنبع الأول للأفكار التي يمكنها مستقبليًا إقرار جونرا الويسترن على الطريقة المصرية.
الفيلم يستثمر نجاح أمير كرارة في مسلسل “كلبش”، لكنه أغفل أن هذا النجاح شمل موجة من المسلسلات التي قدمت مفهوم البطل الشعبي بالصورة العصرية، وكلها قدمت البطل “المخربش” البعيد عن المثالية، وهي نفس صورة البطل في أفلام الويسترن، مقترف لبعض الخطايا (مثل دين مارتن مدمن الكحوليات في Rio Bravo)، أو في سجله بعض نقاط الضعف (مثل الإصابة الجسدية لجون واين في El Dorado).
“يوسف المصري” أكثر مللًا؛ لأنه رائع أكثر مما ينبغي. شخصية بلاستيكية تصلح لدروس التربية القومية، لا السينما.
لم يكن على الفيلم الالتزام المبالغ فيه بالتاريخ، فهو فيلم خيالي يستحضر من التاريخ فقط حالة محفزة دراميًا وشكلانيًا، مثل Inglorious Basterds، وكان يمكن التغاضي عن الأخطاء التاريخية التي وقع بها، لكنه أقحم عنصر الوطنية في مورال الفيلم.
أكثر الأمثلة سذاجة كانت ظهور الهلال مع الصليب على أحد الجدران وسط المعركة (خارج السياق والتاريخ بربع قرن من الأحداث)
اقرأ أيضا: “قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها
الاهتمام بالإطار العام ذي القشرة الشيقة، وإهمال التفاصيل الداخلية، ما يظهر الوجه المتألق من بعيد مليئًا بالتشققات والندبات عن قرب. أبرز مثال اللقطة التي يكون فيها “يوسف” مهددًا بالشنق، لتتنقل الكاميرا بينه وبين أخته “روجينا” التي تقف بين المجاميع، وتصدر تشنجات غير مفهومة وبلا تطور، فلا تندفع بحركة إرادية حيث المشنقة (وهو انفعال مبرر)، ولا تتراجع أو تنهار بفزع (وهو مبرر أيضًا).
عجز المخرج عن ابتكار وضع انفعالي وكريوغرافي مقنع لفتاة تشهد موت أخيها
شخصية العاهرة بتوظيفها السيء تسببت في ثلاث أزمات:
الحصيلة النهائية لوجود تلك العاهرة، كانت تملق صناع الفيلم للمزاج المحافظ لدى الشعب المتدين بطبعه