لماذا يحظى الشعراوي تحديدًا بكل هذه الشعبية؟ | هاني عمارة

لماذا يحظى الشعراوي تحديدًا بكل هذه الشعبية؟ | هاني عمارة

2 Nov 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من يتابع الحالة الثقافية والاجتماعية في النصف قرن الأخير، تحديدًا بعد نكسة 1967 لا يجد شخصية دينية حظيت بتلك الشعبية مثل محمد متولي الشعراوي.

مظاهر هالة التقديس تتجلى في سؤال شهير لدى جيل الثمانينيات ممن عاصروا الشعراوي في عز شهرته: كيف كنت تتخيل شكل الله؟ الإجابة كانت: كنت أتخيله على هيئة الشيخ.

تظهر الهالة كذلك في الهجوم الشديد على أية محاولة لنقد الشعراوي أو البحث عن جانب مختلف في رؤيته.

الوسطية الإخوانية .. ذئب ليلى

لغز ظاهرة الشعراوي

ظاهرة الشعراوي تحمل لغزًا محيرًا من شقين..

كرجل دين: لم يكن رجل دين بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.. ليس بالفقيه الدارس للفقه المذهبي، ليس بالمحدث صاحب الأسانيد، ليس بالمتكلم المناظر في أمور العقيدة وعلم الكلام والفلسفة الإسلامية.

حتى منهجه في التفسير الذي اشتهر به لا يمكن تصنيفه ضمن مناهج التفسير المعروفة كالتفسير بالدراية أو الرواية، وكثير من تفسيراته يغلب عليها الطابع الشعبوي في مناقشة بعض القضايا.

فلماذا حظي الشعراوي بهذه المكانة شعبيًا من بين كثيرين من رجال الدين الذين ربما يفوقونه في سعة المعرفة الإسلامية؟

الشق الثاني يتعلق بآرائه: بعض آراء الشعراوي يمكن تصنيفها في خانة التشدد أو الشعبوية أو تقييد الحريات، وبينها آراؤه في المرأة والفن والمسيحيين والحريات وأمور أخرى ضد نسق الدولة  الحديثة..

فلماذا أبرزته الدولة التي تناقض تصوراته خطها الفكري العام؟ لماذا قدمته إعلاميًا؟ ولماذا ساعدت في ترسيخ مكانته شعبيًا؟

السطور التالية تحاول فك الاشتباك..

البحث عن خميني مصر

أصداء واسعة سببتها ثورة إيران في الحالة المصرية. حظيت بدعم شديد من تيارات شتى، إسلامية أو يسارية أو حتى ليبرالية. كل فئة دعمت فيها ما يخصها؛ اليسار رأى منها موقفًا متشددًا من الولايات المتحدة وإسرائيل. الإسلاميون استخلصوا أملًا في تكرار نموذج علمي يمكن تسويقه للثورة الإسلامية. والليبراليون اكتفوا بمشهد ثورة الشعب والشعارات الديمقراطية التي ساقتها.

في سياق البحث عن خميني محلي يقود الناس للثورة، اصطدم محمد الغزالي مع السادات وزوجته وهاجمهما بطريقة “غير مهذبة” في أحد المؤتمرات، مرورًا بعبد الحميد كشك الذي صعد لهجته التحريضية “المبتذلة” ضد الرئيس وزوجته، والشيخ المحلاوي الذي أهان زوجة الرئيس وألمح في إحدى خطبه بشكل خبيث مستتر لعلاقة تربطها بنائب الرئيس في شائعة لاقت رواجًا داخليًا استفز السادات حتى وصفه بالكلب في إحدى خطاباته.

يوم لقاء الخميني مع الجوكر | الحكاية في دقائق

تلك الفوضى الداخلية تزامنت مع عزلة إقليمية فرضت على مصر بسبب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، تبعها حصار اقتصادي من دول المقاطعة العربية، بخلاف التحريض في الداخل.

في خضم تلك الفترة، ظهر رجل دين محبوب شعبيًا بعد إقالته من وزارة الأوقاف، التي صحبتها أقاويل حول دور زوجة الرئيس في إقالته بعد صدام بينهما نتج عن تدخلها في عمله، ليحصد مزيدًا من التعاطف.

كان هذا الشخص هو محمد متولي الشعراوي، الذي لمع نجمه في حلقات نور على نور التليفزيونية التي تحدث يتكلم بطريقة قريبة للفلاحين والبسطاء.

رغم الشائعات، كان الشعراوي مهادنا للنظام، فسمح له بتقديم برنامج تليفزيوني لتفسير القرآن بعد إقالته. كان يعرض في وقت ذروة أسبوعيًا بعد صلاة الجمعة، حيث تجتمع الأسر المصرية يوم الإجازة على مائدة الغداء، فحقق نسب مشاهدة قياسية.

الحل المؤقت

قدم الشعراوي الحل الوسط للتعامل مع تلك الحالة؛ فهو نموذج للشخصية الدينية المقدسة التي يمكن للشعب أن يلتف حولها أثناء انتشار الهوس الديني في المجتمع، دون أن يحمل بين طياته معارضة للنظام أو فرصة تسييس تمثل أزمة مستقبلية.

هنا لا أستطيع الجزم بإجابة عن سؤال: هل استوعبت الدولة الدرس من تجارب الصدام مع موجات الهوس الديني وفرض خطط التحديث في دول أخرى، بينها أفغانستان وباكستان وحتى إيران نفسها، والتي سببت مشكلات أطاحت بالأنظمة ذاتها، فتعاملت مع احتياج الناس  لرجل جماهيري يمتص حماستهم الدينية الناتجة عن تصاعد المد الإسلامي وثورة الخميني، وقدمت لهم رجل دين يحل الأزمة؟

أم أن الأمر جرى بعفوية ودون قصد؟

لكن الشعراوي كان ذلك الحل على كل حال

نافس الشعراوي الجماعات الدينية في مزايداتها وتشددها، وخلق عقدة لجماعات الإسلام السياسي، ودليلًا على فلسهم رغم محاولتهم المستمرة لتقديم بديل.

سيد قطب| قصة معالم في الطريق | عبد السميع جميل

من احتك بالجماعات الإسلامية على اختلاف تشعباتها من الداخل يدرك جيدًا أنهم كانوا يكرهون الشعراوي وينتقدونه كثيرًا في مجالسهم الداخلية، لكنهم لم يحاولوا مهاجمته علنًا لشدة سطوته وشعبته الشديدة لدى العوام.

خلاصة القول من زاوية سياسية وبراجماتية بحتة، أن ظاهرة الشعراوي حملت شقًا إيجابيًا، بتقديم خميني مصري يحظى بشعبية كبيرة بين العوام، لكنه يهادن الدولة المصرية، ويقطع الطريق على جماعات الإسلام السياسي، ليقدم الحل الاضطراري للدولة في فترة تراجعها الثقافي والفكري، وفشلها في التأثير على الجماهير بنماذج دينية بديلة وخطاب عقلاني لا يحمل تطرفًا، وانهزامها أمام خطاب الإسلاميين.. فحاربتهم بنفس سلاحهم، وزايدت عليهم بنفس الخطاب المتشدد الذي يمثل قوتهم ويحوز إعجاب الجمهور.

أمام هذا الحل، تغاضت الدولة عن كثير من سقطات الشعراوي وآرائه المتشددة، بل وأجبرت من حاول نقده من المثقفين على الاعتذار له، أمثال يوسف إدريس وتوفيق الحكيم وزكي محمود.


ملف أفخاخ الإسلاميين في دقائق



رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك