اختار صناع فيلم “قصة حب” أن يُكتب عنوان فيلمهم على الملصق الدعائي بأسلوب الهاشتاج #قصة_حب، وكأنها رسالة استباقية بألا ننخدع بعادية العبارة، أو نظنه كسابقيه من الأفلام الرومانسية التي قدمتها السينما المصرية والعالمية، ومنها ما حمل نفس العنوان Love Story.
الفارق أن فيلمنا يُعلن من البداية عن انتمائه لعصر السوشال ميديا، ويحاول تقديم الحكاية بشكل جديد وغير تقليدي، باستثناء أنه لم يفعل!
أفضل طرق اختيار عنوان لفيلمك، وأنجحها في تاريخ السينما | أمجد جمال | دقائق.نت
الفيلم فكرة وإخراج “عثمان أبو لبن”، وكتابة أماني التونسي. من إنتاج مصري سعودي مُشترك، ويُعد من أوائل الأفلام التي تُنتجها المملكة بعد شهور من قرار عودة صالات السينما.
صناعة الترفيه في السعودية.. إلى أين تتجه؟
يحكي #قصة_حب عن “يوسف” (لعب دوره الممثل أحمد حاتم)؛ شاب قاهري وسيم، يعيش نمط الحياة العصرية.
هو مهندس ناجح في عمله، لكنه رغم ذلك يعاني من عدم استقرار حياته العاطفية والاجتماعية، ويلجأ لأصدقائه ليساعدوه في البحث عن زوجة، ليرتبوا بدورهم جلسات التعارف بينه وبين الفتيات.
نلاحظ هنا ارتباكًا في البناء الأولي للقصة، فخصال البطل لا تتناسب والطريقة التي يبحث بها عن شريكة لحياته.
بعد واحدة من تلك الجلسات وفي طريقه للمنزل، يصاب يوسف في حادث سيارة، ويفقد بصره. الرأي الطبي أن الحالة مؤقتة، وقد يستجيب للعلاج.
يتغير نمط حياة يوسف، وإن لم تتغير صفاته الشخصية وطريقته في التعاطي مع عالمه، بنفس أسلوب الثقة المبالغ فيها، وإنكار المستجدات التي يتخللها بعض لحظات الانكسار واليأس، قبل أن يضعه القدر في طريق “جميلة” (هنا الزاهد)، وهي الفتاة التي تتعاطف مع حالته وتساعده، وتنشأ بينهما قصة حب.
لو جاز لنا إطلاق تصنيف أفلام العمى، يصعب الادعاء بأن “قصة حب” أتى بجديد في هذه النوعية، فتصميم شخصية البطل الأعمى لم يختلف عن أبطال أشهر أعمال تلك النوعية، “عطر امرأة” لآلباتشينو، “أمير الظلام” لعادل إمام، “الشموع السوداء” لصالح سليم، “من أول نظرة” لفال كيلمر.
لا أقارن المستويات الفنية، بل السمات العامة، وكلها أفلام قدمت نفس النمط؛ بطل عنيد يتحدى واقعه، يملك بصيرة أعلى من المبصرين، خلفية اجتماعية أرستقراطية أو رخاء ماديًا، تقع في حبه الفتيات… إلخ.
ما سبق لا ينتقص من #قصة_حب وإلا كان انتقص من سابقيه، لكنه يجرده من رتبة المُجدد.
رغم محاولات متكررة من كاتبة السيناريو بالتهكم على كليشيهات أفلام العمى، أبرزها مشهد يسخر فيه البطل من أسلوب ملامسة الوجوه للتعرف على ملامحها، لكنها كانت قشورًا لا تُذكر مقارنة بجوهر الفيلم الذي جاء – لنقل –مألوفًا.
هرب الفيلم من بعض الكليشيهات ليقع في كليشيهات أخرى، حتى أن البطل يلتقي البطلة بالصدفة حين يرتطم جسده بها بينما يسير في الشارع، وهي لقطة شاهدنا المئات منها في العديد من الأفلام.
10 سنوات على توم وسمر.. من الظالم والمظلوم؟ | أمجد جمال | دقائق.نت
أفلام الويسترن على الطريقة المصرية .. من شمس الزناتي لـ”حرب كرموز”
على المستوى الإخراجي، يقدم عثمان أبو لبن #قصة_حب تملك بعض جوانب المعاصرة، لكنها ليست معنية بالسوشال ميديا، ولا تدور معظمها عبر الرسائل النصية كما كان يرجح تصميم عنوان الفيلم على البوستر، فالتصميم لم يتناغم مع دراما الفيلم ولا مع ادعاء منتهى المعاصرة والحرب على الكليشيه، ويمكن القول أن القصة نفسها يسهل تقديمها في حقب التسعينيات أو السبعينيات دون تأثر.
قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط | أمجد جمال
أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام
ترتكز عناصر القوة في الفيلم على أداء البطلين أحمد حاتم – هنا الزاهد. الأول سبق ودلل على موهبته في أدوار تلفزيونية وسينمائية عدة، وهنا يواصل النضج، ويكشف في أداءه عن جانب كوميدي لا بأس به.
هنا الزاهد أيضًا قدمت أداءً عفويًا، وإن لم يكن كافيًا لتقييمها؛ لأن الشخصية ليست بعيدة عنها. من حقنا أيضًا إثارة بعض الأسئلة عن قبولها أو رفضها للمشاهد الحميمية داخل فيلم رومانسي يرجح المنطق كونه في أمس الحاجة لذلك، وهو ما لم يظهر، ولن نختصها باللوم، لأن المشكلة عامة.
العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود
في المجمل، كانت عملية الكاستينج ناجحة وجاذبة للفئة الجماهيرية المستهدفة. ونجح الأداء التمثيلي في إنقاذ الفيلم من الكليشيهات وبعض عيوب النص والإخراج، لكنه حوّل عملية التذوق للفيلم من متابعة قصة بالمفهوم التقليدي، إلى متابعة سلسلة مواقف مؤثرة أو مضحكة أو عذبة بين حبيبين تجمعهما كيمياء مُحببة. يظهر ذلك في قمته بمشاهد السقوط في حمام السباحة، والعزف المشترك على البيانو، والتي كانت مشاهد متميزة فعلًا.
يعرض حاليًا:
كلينت إيستوود يحارب الزمن فيTHE MULE | حاتم منصور
كريستان بيل يخطط للأوسكار ولغزو العراق في VICE | حاتم منصور | دقائق.نت
على النقيض، لم تظهر الصورة ثرية، بل كشفت عن فقر إنتاجي: حادث السيارة غير مقنع بصريًا، ومعظم الأحداث تدور داخل الأماكن المغلقة نفسها؛ منزل البطل أو البطلة أو الأصدقاء، أو المطعم إيطالي الطابع، وقليل منها في الشوارع الخالية شديدة الهدوء بضواحي القاهرة الراقية، لا القاهرة الصاخبة التي يتغزل فيها المخرج بين حين وآخر بمشاهد بانورامية من السماء مصوّرة بواسطة الدرونز.
بصفة عامة، لم يظهر الهارموني بين عناصر القصة والأدوات التي يمتلكها المخرج، لكن أكثر ما يُلام عليه “عثمان أبو لبن” كان توظيف الموسيقى التي ألفها “أشرف محروس”، والتي نادرًا ما تسكت على مر زمن الفيلم، فهي تصاحب كل موقف وكلمة ولفتة ونظرة، وكأن أبو لبن غير واثق في أن الصورة والحوار كانا كافيين للتعبير عن المشاعر. وللأمانة فهذه المشكلة عامة، تعانيها السينما المصرية في معظم إنتاجاتها.
خطايا الموسيقى في هذا الفيلم امتدت من المبالغة في الكمّ، إلى الاقتباس الفاضح، فالمقطوعة التي نسمعها في الماستر سين للفيلم تتطابق مع التيمة الرئيسية من موسيقى الفيلم الشهير “قائمة شندلر” والتي ألفها “جون ويليامز”, ومن الغريب أنه أحدًا من صناع الفيلم لم يلاحظ هذا التطابق المُحرج، سواء في عمليات الإنتاج أو ما بعد الإنتاج!
أما النص، فلم تقتصر عيوبه على بعض الكليشيهات والتقليدية في تصميم الشخصيات. نلمس أيضًا بعض الخلل في البناء الدرامي وطريقة تسريب المعلومات وإخفائها بجدوى وبدون. فمع بداية معرفتنا بشخصية جميلة، نجدها على علاقة ملتبسة بشاب ما، يوحي لنا صناع الفيلم بأنها علاقة عاطفية، قبل أن نكتشف مع بداية الثلث الأخير أنها لم تكن كذلك، وأنها لم تكن إلا وسيلة إنذار كاذب من الكاتبة لاختلاق صراع وهمي، ليس من ورائه حكمة.
القصة تقوم على عقدتين، ذكرنا الأولى منها وهي عجز جسدي لدى البطل. وبدون حرق للأحداث، تنقلب هذه العقدة في الثلث الأخير بميلودرامية فجّة، بتبدل في موازين القوى والضعف، ومعها تظهر اللامنطقية في دوافع الشخصيات؛ طرف يخفي معلومات عن الطرف الآخر دون سبب وجيه، أو مؤلف يخفي معلومات عنا كمشاهدين أيضًا دون سبب سوى اصطناع ألعوبة درامية Plot Twist، لم تكن في محلها.
أهم أفلام 2019.. 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس
أهم أفلام 2019.. 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس – (جزء 2)
10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020| حاتم منصور
نسخة للطباعة
