كلينت إيستوود يحارب الزمن فيThe Mule ‎ | حاتم منصور

كلينت إيستوود يحارب الزمن فيThe Mule ‎ | حاتم منصور

3 Mar 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يمكن لنقاد وعشاق السينما دومًا مع أغلب النجوم والمخرجين، القول أن المسار الفني لهذا الفنان يشبه ذاك، لكن يصعب كتابة جملة من هذا النوع عن كلينت إيستوود. الرجل ببساطة خارج نطاق كل التصنيفات والتشبيهات، وفيلمه الأخير The Mule خير دليل.

أن تصنع فيلمًا جيدًا جدًا كمخرج وعمرك 88 عامًا، وتصطاد كممثل دورًا مختلفًا يلائم سنك، تحافظ فيه على حضورك السينمائي المعتاد، ومعالم نجوميتك التي يعشقها ملايين، معادلة صعبة جدًا. معادلة تحتاج إلى كلينت إيستوود.

العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود

يقتبس الفيلم خيوطه الرئيسية من واقعة حقيقية عن عجوز أمريكي، تورط وهو على مشارف التسعين في عمليات تهريب مخدرات لصالح عصابات مكسيكية. كلمة Mule تعني حرفيًا “البغل”، وفي عالم أباطرة المخدرات، تشير إلى الصعلوك الذي يتولى عملية نقل الشحنات من مكان لآخر.

إعلان The Mule

اشتهرت هذه الواقعة وأثرت في كثيرين، بفضل مقال مُحكم عنها في النيويورك تايمز عام 2014، اعتمد عليه الفيلم كقالب بناء رئيسي، ليخرج السيناريو في النهاية كثمرة تعاون بين سام دولنيك كاتب المقال المذكور، والسيناريست نيك شينك الذي كتب لإيستوود سابقًا Gran Torino وهو آخر فيلم أخرجه لنفسه عام 2008.

إيستوود تخصص دومًا في تقديم الشخصيات غير المثالية في إطار بطولي سينمائيًا، ويسهل الآن معرفة ما جذبه لقصة عجوز أمريكي شارك في الحرب العالمية الثانية، ثم انتهى لهذا المصير.

ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية

هذه قصة عن الندم قبل أي شيء. الندم الذي يلاحق أغلبنا كبشر في أواخر عمره، وأسئلة: ماذا لو كنت فعلت كذا؟ التي لا تنتهي. عن محاولات إصلاح الأمور بعد فوات الأوان. هذه أيضًا قصة تلامس بوضوح القيم اليمينية المحافظة لإيستوود، عن الأسرة والأبوة وواجبات الرجال، وتزداد خصوصيتها إذا عرفنا أنه اختار ابنته الحقيقية (آليسون إيستوود)، للقيام بدور ابنته في الفيلم.


ربما من المهم هنا أن أذكر أن هذا أصبح نادرًا الآن. الميديا الأمريكية حاليًا أصبحت مشغولة بمباركة ظهور نموذج الأسرة المكونة من أطفال مع ذكرين أو أنثيين، بدلًا من تركيبة الأسرة الكلاسيكية ذات الأب والأم!

بين السياسة والبيولوجي: غرائزنا التي حيرت أديان السماء والأرض

في بعض المشاهد يصبح اغتراب بطل فيلمنا العجوز عن عالمنا المعاصر ومستجداته انعكاسًا لاغتراب إيستوود نفسه، كابن لزمن سابق لم تكن فيه للهوية الجنسية تعريفات أخرى غير (ذكر – أنثى)، ولم توجد فيه قواعد صوابية سياسية ناحية الأقليات والمهاجرين ومثليي الجنس.

توجد لمسة مكر واضحة من إيستوود في اختيار هذه الشخصية. كبر السن هنا عذر جيد لصياغة شخصية مرحة صريحة وسليطة اللسان وغير مبالية بقناعات الآخرين في 2020. الشخصية التي لعبها كنجم سابقًا في السبعينيات والثمانينيات، قبل ظهور قواعد وقوائم ممنوعات عصرنا الحالي، وتدشين تهمة العنصرية كرصاصة جاهزة لكل من يخالف هذه القواعد.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎

كممثل يبهرنا هنا إيستوود بما يمكن اعتباره أفضل أدواره في آخر 20 سنة. الظهر المُنحني والتجاعيد التي ملأت الوجه لم تزحزح شعرة من حضوره السينمائي. والطريف هنا أن هذا الفيلم الدرامي الجاد بالأساس، لم يخل من تلك اللمحات المرحة التي اعتدناها معه، والموظفة هنا بإتقان لخدمة القصة أولًا، وليس لإرضاء كبريائه كنجم.

على ذكر التمثيل، يستحق برادلي كوبر وآندي جارسيا الإشادة أيضًا. دور كوبر صغير وقبوله له قد يكون رسالة شكر منه لأستاذه إيستوود، الذي أهداه منذ سنوات دور البطولة في فيلم American Sniper وأهداه أيضًا مؤخرًا مشروع ميلاده كمخرج شاب واعد في A Star Is Born. عندما يلتقي الاثنان هنا وسط الأحداث في حوار مهم بتركيبة (العجوز – الشاب)، يمكنك ملاحظة تلامس بين الفيلم وعلاقتهما الحقيقية.

لماذا تحتاج الأوسكار ونحتاج معها إلى فوز “مولد نجمة” بجائزة أفضل فيلم؟‎

جارسيا صاحب دور أصغر وأصغر، لكنه يمنحنا لمحة جيدة عما يمكن أن يقدمه ممثل مجتهد وذكي في دور صغير.

كمخرج يواصل إيستوود هنا السير على نفس منهجه السينمائي المحافظ، الذي لا يعتمد على استعراض عضلات إخراجية بلا جدوى، أو تقديم بهرجة بصرية، بقدر ما يتحرك لخدمة القصة. ومن وقت لآخر يقدم دروسًا في كيفية صياغة مشاهد تشد الأعصاب، ببساطة يُحسد عليها. العيب الوحيد هنا ربما – وهو عيب سيناريو بالأساس – قد يكون نهاية الفيلم المتعجلة وغير المشبعة مقارنة بكل ما سبقها.

10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020

يمكنك أن تشتري كل شيء إلا الزمن.

هذه جملة يرددها بطل فيلمنا العجوز بحسرة في أحد المشاهد، وتمثل بالتأكيد حكمة صحيحة. إيستوود البالغ من العمر حاليًا 88 عامًا، لن يشتري الزمن، وعاجلًا أو آجلًا سيخسر حربه معه، لكن قدرته في هذا السن على الصمود في هذه الحرب بهذه البسالة، شيء ملهم بالتأكيد، ليس فقط لصناع السينما لكن لكل كبار السن في أي مجال.

إجمالًا: The Mule يصلح كفيلم التقاعد بعد مسيرة سينمائية رائعة، لكن من الذي يريد تقاعدًا لممثل ومخرج بهذه الموهبة والخبرات؟! نحتاج بالتأكيد لشحنات مخدرات سينمائية أخرى تحمل بصمة إيستوود كمخرج، ووجهه العجوز على الشاشة!

باختصار:

كلينت إيستوود لا يزال كلينت إيستوود. المادة الخام للنجومية السينمائية في كل ثانية على الشاشة، والمخرج الخبرة الذي يعرف كيف يجذب انتباهك بأبسط الطرق وأكثرها فاعلية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك