1- شخص يحيا في زمن سابق، وبمعطيات وقناعات مختلفة عن زمننا، ثم يجد نفسه فجأة في الحاضر.
2- ممثل واحد يقوم بأداء عدة شخصيات في فيلم كوميدي؛ لأن الجمهور ينبهر دومًا بنجاح نجمه في تأسيس ومنح كل شخصية طباعًا ولغة جسد وسلوكيات مختلفة. بالإضافة إلى أنه يستمتع أيضًا بمشاهدة اثنين من نفس النجم على الشاشة، بدلاً من واحد.
10 أفلام وتجارب سينمائية يصعب نسيانها في العقد المنتهي | حاتم منصور
التيمتان السابقتان لا يمكن تصنيفهما كتيمات سينمائية مبتكرة، خصوصًا عندما نتحدث عن أفلام الكوميديا. لكن محصلة دمجهما معا في مخلل أمريكي An American Pickle المقتبس من سلسلة قصص نُشرت مسلسلة في جريدة نيوركر للمؤلف سيمون ريتش – وهو أيضًا صاحب السيناريو – انتهت بفيلم لطيف ومرح، ويملك ما يكفي لاستحقاق المشاهدة.
يكتفي سيث روجان هنا بالمشاركة كممثل ومنتج، على عكس كثير من أعماله التي يشارك في كتابتها أو إخراجها، لكن رغم هذا لا يُهدر الفيلم أية لحظة ليذكرنا أنه ينتمي قلبًا وقالبًا لمدرسته في الكوميديا، حتى لو احتفظ ببعض السمات المختلفة. وهي ملحوظة يمكن إثباتها أكثر إذا عرفنا أن براندون تروست الذي يقدم هنا أول أعماله كمخرج، عمل سابقًا كمدير تصوير لأفلام كتبها وأخرجها روجان مثل The Interview – This Is the End.
مدرسة سيث روجان الكوميدية قائمة على أسس كثيرة، منها التناقض التام بين العبث الطفولي في الأفكار والأطروحات بخصوص كل شيء وأي شيء، وطريقة أدائها الجادة جدًا تمثيليًا.
هذه نقطة تتضح مثلا في مشهد مبكر نشاهد فيه البطل اليهودي وحبيبته وأقاربه، أثناء تعرضهم لهجوم بغرض الإبادة العرقية لليهود. حتى في مقطع حساس كهذا تاريخيًا، لا يتردد سيث روجان وصناع الفيلم نهائيًا، في صياغة الحدث المأساوي وإنهائه بشكل مضحك وساخر.
Long Shot.. الرومانسية الكوميدية من داخل المطبخ السياسي | أمجد جمال
وربما تتبلور مدرسة روجان العبثية الطفولية أكثر وأكثر في الطريقة التي اختار بها صناع الفيلم نقل بطله من عام 1920 إلى 2020. لا ليست آلة زمن، أو آشعة ناتجة من تجربة معقدة في مختبر، أو أي شيء آخر شاهدناه في أفلام الخيال العلمي الجادة. بطلنا سيسقط في برميل مخلل، ويظل مخللًا لمدة 100 عام، قبل أن يستيقظ في زمننا الحاضر!
سيث روجان وسارة سنوك في لقطة من “مخلل أمريكي”
بعد وصول البطل للحاضر، سيقابل حفيده الوحيد (سيث روجان في هذا الدور أيضًا)، لتبدأ سلسلة مغامرات بينهما. أو لنقل لتبدأ سلسلة أحداث يستخدم فيها صناع الفيلم شخصية هذا اليهودي غريب الطباع بمعطيات زمننا، للسخرية من معطيات وسلوكيات البشر في الحاضر، التي لا تقل غرابة وغباء وهراء!
تخلف هذا البطل معرفيًا وسلوكيًا، سيتحول هنا لحائط قادر على ابتلاع أي هراء معاصر، بحيث يصبح تخلفه هو الصيحة الجديدة الثورية الشبابية المطلوبة، في مجتمع غربي يعاني من الهراء والفراغ، ويمكن أن يغير رأيه 180 درجة في أية قضية، بسبب الزن الإعلامي.
Jojo Rabbit.. هل يمكن أن تنجو بفيلم كوميدي عن هتلر واضطهاد اليهود؟! | ريفيو | حاتم منصور
ثقافة الإلغاء | اليسار خارج السلطة يمارس هوايته في القمع | تعريفات في دقائق
رغم هذا، تسير الأحداث على خيط رفيع فاصل بين الهجوم على أفكار ونوايا تقدمية، وبين الاستهزاء من هوية وعيوب الجيل الحالي اليساري الميول، الذي يتحدث دومًا عن الحريات والتنوع وحق الاختلاف في الرأى، بينما انتهي به الحال فعليًا كمجرد ماكينة فاشية جماعية جديدة، لا تقبل الاختلاف ولا تخضع لأي منطق، ولا تتوقف لحظة لمراجعة نفسها.
سيث روجان في “مخلل أمريكي”
الرسائل الاجتماعية والسياسية هنا، ليست بطابع وعظي ومنفر للمتفرجين. بل بطابع مرح وخفيف لدرجة يمكنك معها الاستمتاع، أيًا كانت قناعاتك.
وبقدر ما يستخدم الفيلم شخصية البطل القادم من الماضي أحيانًا، كنموذج للتعصب والتخلف في مقاطع أخرى، يمكننا أيضًا على ضوء النهاية أن نراها كمرادف ورمز لشيء آخر. ربما لقيم يسخر منها هذا الجيل ويعتبرها بائدة وضارة، رغم أنها ساهمت وأنتجت بشكل أو بآخر حضارة عالمنا المعاصرة، وأصبحت حاليًا ربما أبرز ما ينقص المجتمع الغربي.
جريتا ثونبرج.. دليل اليسار لإنتاج جماعات الكراهية | مينا منير
قيم مثل العمل الجاد والكفاح حتى في أبسط الوظائف – احترام منظومة الأسرة التقليدية المكونة من زوج وزوجة وأولاد – الاحتفاظ بهوية دينية – الترابط النفسي مع الأصل العرقي والطابع الثقافي والمنجز الحضاري للأجداد – الوطنية والانتماء القومي.. وغيرها من القيم والقناعات التي تتعرض اليوم في الغرب، لطعنات لا تنتهي من اليسار بصفة خاصة.
سيث روجان وسيث روجان أيضًا في “مخلل أمريكي”
Gemini Man.. اثنان ويل سميث بسعر واحد في صفقة خاسرة | حاتم منصور
بقى أن أذكر أن مخلل أمريكي An American Pickle أنتجته شركة سوني للعرض في السينمات، ثم جاءت جائحة الكورونا وتداعياتها، لينتقل الى منصة HBO كما حدث مع أفلام أخرى. وفي الحقيقة قد يكون أنسب فعلًا لسهرة مسلية أمام التلفاز المنزلي، منه لشاشات السينما العملاقة.
رغم البداية القوية والفكرة الواعدة، يضل “مخلل أمريكي” طريقه نسبيًا بمرور الأحداث وتشعبها، لكنه يظل جديرًا بالمشاهدة بفضل طابع ساخر متوفر أغلب الوقت، وأداء قوي – أو للدقة أداءين – من العملاق سيث روجان.