فيلم كليوباترا | كيف لخص اختيار جال جادوت أزمات الشرق والغرب المعاصرة؟! | حاتم منصور

فيلم كليوباترا | كيف لخص اختيار جال جادوت أزمات الشرق والغرب المعاصرة؟! | حاتم منصور

12 Oct 2020
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

اختيرت الممثلة جال جادوت لدور ملكة مصر الشهيرة كليوباترا في فيلم هوليوودي جديد ستنتجه شركة بارامونت.

بالنسبة لمليارات البشر في العالم، فالسطر السابق خبر بسيط جدًا، لا يختلف عن أغلب أخبار السينما. لكن بالنسبة للشعوب العربية، فالخبر بالتأكيد سيثير بعض الزوابع، لسبب بسيط للغاية وهو أن جال جادوت إسرائيلية.

س/ج في دقائق: هل عثرنا على الإسكندر الأكبر؟ وما علاقة مصر بقبر قائد الإغريق؟

أما بالنسبة لأباطرة وخبراء هوليوود، فالخبر غالبًا سيثير ابتسامة خفيفة؛ لأن مشروعًا آخر عمره سنوات وسنوات لصناعة فيلم عن كليوباترا ظل معطلًا بسبب صعوبة العثور على ممثلة مناسبة.

جال جادوت

لماذا أصبح دور كليوباترا صعبًا في الاختيار؟ ولماذا جال جادوت في النهاية؟ قد تكون أفضل طريقة إجابة عن كل ما سبق، هي العودة للوراء قليلًا.

نحن الآن في أواخر الخمسينات.. هوليوود تنوي صناعة فيلم جديد عن كليوباترا بعد فيلم صامت ناجح عام 1917، وآخر أكثر شهرة اكتسح صدارة الإيرادات عام 1934، وأخرجه سيسيل دي ميل، صاحب الأمجاد في الأفلام الملحمية التاريخية، ومخرج الفيلم الشهير الوصايا العشر The Ten Commandments.

لقطتان من فيلمي كليوباترا (1917 – 1934)

في هذا العصر، كان للنجوم صيتهم ووزنهم الذهبي تسويقيًا، على عكس زمننا الحالي، الذي يمكن فيه تسويق فيلم ضخم بفضل شخصية شهيرة (باتمان مثلًا). ولهذا وقع الاختيار في النهاية على واحدة من أشهر نجمات هوليوود حينها، (اليزابيث تايلور).

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال

من مواليد لندن، ببشرة بيضاء، تحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية، يهودية؛ لكن كل ما سبق لا وزن له في الاختيار سلبًا أو إيجابًا؛ لأن اختيارها تم بفضل نقطتين بالأساس: أولهما أنها كانت نجمة شباك عالمية، وثانيهما أنها تملك من الجمال والجاذبية ما يكفي ويفيض لدور كليوباترا التي تلاعبت بملوك العالم بفضل فتنتها.

إعلان فيلم كليوباترا (1963)

نحن الآن في 2014، والتسريبات والشائعات تتلاحق منذ سنوات عن تحضير أنجلينا جولي لفيلم جديد من إنتاج شركة سوني عن كليوباترا.. الدور الذي تؤكد حماسها له في عدة لقاءات. أما عن قائمة المخرجين الذين اهتموا بالمشروع، فالأسماء أكثر إثارة، وتتضمن ديفيد فينشر – جيمس كاميرون – أنج لي – وأخيرًا دينيس فيلنوف.

في نفس الفترة ستبدأ مأساة المزايدات باسم الصوابية السياسية، وسنشهد بداية انتشار تهمة جديدة من إنتاج مصانع اليسار، اسمها تبييض البشرة Whitewashing.

Cuties | بيدوفيليا أم فن؟ | كيف دفع الفيلم الخطأ ثمن خطايا اليسار والصوابية السياسية؟ | حاتم منصور

التهمة تعني اختيار ممثلين ببشرة بيضاء وملامح أوروبية قوقازية لأدوار وشخصيات لا تتناسب مع هذا العرق. والطريف أن مصر ارتبطت بفيلمين من أوائل الأفلام الضخمة الإنتاج التي ذُبحت إعلاميًا بهذه التهمة!

الضحية الأولى كان الخروج: آلهة وملوك Exodus: Gods and Kings الذي أخرجه ريدلي سكوت وبدأ عرضه أواخر 2014، وقام ببطولته كريستان بيل وجول إجيرتون عن واحدة من أشهر قصص الأديان الإبراهيمية (موسى وفرعون).

إعلان Exodus: Gods and Kings

تعرض صناع الفيلم لمزايدات واتهامات بسبب اختيار نجوم بملامح أوروبية وغربية للأدوار، وهو الهجوم الذي سخر منه المخرج ريدلي سكوت قائلًا: “لا يمكنني الحصول على تمويل ستوديو لصناعة فيلم بهذه الميزانية، وأنا أخبرهم أنني اخترت للبطولة ممثل اسمه محمد من الشرق الأوسط، لا يعرفه أحد!”.

الضحية الثانية كان فيلم آلهة مصر Gods of Egypt الذي بدأ عرضه في فبراير 2016، ودارت أحداثه عن قصة من أشهر قصص الأساطير الفرعونية (إيزيس وأوزوريس).

من جديد تعرض صناع الفيلم إعلاميًا لنفس تهم ومزايدات “تبييض البشرة” بسبب اختيار طاقم تمثيلي بملامح قوقازية.

إعلان Gods of Egypt

مزايدات “تبييض البشرة” استمرت في السنوات التالية، وشهدت مواقف وضحايا أكثر غرابة، كان منهم النجمة سكارليت جوهانسون، بسبب بطولة النسخة الأمريكية من فيلم الخيال العلمي Ghost in the Shell، وهي الأزمة التي تعرضنا لها تفصيليًا في مقال: كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟

تعثرت الأفلام الثلاثة في شباك التذاكر، وسواء كان هذا التعثر بسبب مزايدات “تبييض البشرة” وحدها أم لأسباب أخرى، فالمؤكد أن هذه النقطة أصبحت تؤخذ في الحسبان، تجنبًا للمشكلات والاعتراضات.

نسخة ديزني الأخيرة مثلًا من علاء الدين التي عُرضت في صيف 2019 قام ببطولتها ممثلون من أعراق شرقية وأفريقية، يتصدرهم مينا مسعود المصري الأصل في دور البطولة.

علاء الدين بين زمنين.. ربع قرن من الصوابية السياسية | مينا منير

يسهل الآن فهم أحد أهم أسباب تعثر مشروع أنجلينا جولي بخصوص كليوباترا. ولماذا شهد العام الأخير أخبارًا عن ترشيح أخريات مثل (ليدي جاجا – بيونسيه) بدلًا منها للدور.

هوليوود لا تريد مزيدًا من المهاترات والمزايدات وحملات المقاطعة، خصوصًا عندما تتعلق الأمور بفيلم من النوع الذي يتكلف 100 – 200 مليون دولار. واختيار أنجلينا جولي لدور كليوباترا كان سيشهد بالتأكيد هذه المهاترات والمزايدات، على عكس اختيار سمراء من أصول أفريقية مثل بيونسيه.

أنجلينا جولي – بيونسيه

الطريف في الأمر أن العكس أقرب للصحة إذا تحدثنا عن الدقة العرقية. كليوباترا هي آخر ملوك الأسرة المقدونية، وبالتالي هى أقرب للعرق الأوروبي منها للعرق الأفريقي!

لكن هذا لا يهم. بالنسبة لليسار وأنصار الصوابية السياسية، لم ولن توجد غالبًا تهمة اسمها تسويد البشرة blackwashing رغم أنها أمر واقع بالمناسبة!

اليساري سلافوي جيجيك: الصوابية السياسية هي تحديدًا ما يطيل عمر العنصرية | ترجمة في دقائق

جال جادوت إذن على ضوء كل ما سبق، اختيار مثالي لدور كليوباترا.. قادر على سد كل أبواب المزايدات الإعلامية في الغرب:

1- من أصول شرق أوسطية وليست قوقازية أوروبية.

2- تملك شعر أسود وملامح من حوض المتوسط، وبالتالي لا يمكن القول أنها بعيدة عن ملامح وجينات الأسرة المقدونية، التي يماثلها الآن شكلا شعوب حوض المتوسط الأوروبية مثل اليونان.

أما من النواحي التسويقية والفنية فهي:

1- نجمة معروفة عالميًا بفضل دور ووندروومان الذي قدمته في فيلمين، حقق أولهما عام 2017 أكثر من 800 مليون دولار عالميًا، ومن المنتظر عرض ثانيهما قريبًا تحت عنوان Wonder Woman 1984.

2- جميلة الشكل، وهي نقطة يتطلبها دور كليوباترا بشدة.

3- أثبتت جدارة لا بأس بها تمثيليًا بجانب جمالها.

إعلان Wonder Woman 1984

الإشكالية بخصوص اختيار جال جادوت لدور كليوباترا ستكون في منطقتنا السعيدة بالأخص، حيث تكفي كلمة “إسرائيلية” لإثارة الزوابع، ولظهور مجلدات جديدة ضمن سلسلة مجلدات نظرية المؤامرة!

فنيًا، الأمر أبسط من مهاترات الصوابية السياسية التي استحدثها اليسار، ودمر بها الكثير والكثير في صناعة الفن، وأبسط أيضًا من مزايدات منطقتنا السعيدة.

An American Pickle .. حكاية يهودي يعالج عيوب الحداثة بـ “المخلل”! | حاتم منصور

قناعاتي بخصوص الاختيارات التمثيلية يمكن تلخيصها في الآتي:

1- لا يوجد شىء اسمه ممنوع ومسموح في المُطلق، لأن وظيفة الممثل أصلًا هي التمثيل والتظاهر بغير حقيقته.

2- القرارات الفنية التي يجب محاربتها فعلًا حاليًا، هى تفضيل عديمي الموهبة، وتلميعهم إعلاميًا بشكل فج، تحت تبريرات التنوع العرقي والفكر التقدمي.

3- الغرائب والقيود والضوابط العرقية التي استحدثها اليسار في الفن وغيره، بحجة محاربة العنصرية، لن ينتج عنها حساسيات عرقية أقل، بقدر ما سينتج عنها المزيد والمزيد من المشكلات.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎ | حاتم منصور

إذا كانت النية فعلًا محاربة العنصرية، وليس الاتجار بتهمة العنصرية، قد نكون في أمس الحاجة للعودة للماضي، عندما كان خبر اختيار إليزابيث تايلور لدور كليوباترا غير استفزازي، وكان النقاش بخصوص حجم موهبتها وجمالها وجدارتها الفنية، وليس بخصوص أصلها العرقي أو هويتها الجنسية، أو أي شيء آخر ضمن مهاترات الأجندات الحالية.

والأمنية الوحيدة بخصوص فيلم كليوباترا القادم، سواء قامت ببطولته جال جادوت فعلًا أم غيرها، هو أن يكون علامة سينمائية ناجحة، تفتح شهية آخرين لصناعة مزيد من القصص عن الشخصيات والأحداث التاريخية في منطقتنا.

وصلنا للنهاية وتبقى سؤالان فقط للقارئ العزيز:

1- من هي الممثلة الهوليوودية التي تراها أنسب من جال جادوت لدور كليوباترا ؟

2- من هى الممثلة المصرية أو العربية التي تراها مناسبة لدور كليوباترا ؟

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك