مأساة فاتن حمامة (1) | عمر الشريف الذي لم يحبها أبدًا.. وعبد الناصر الذي تمنت إسقاطه | أمجد جمال

مأساة فاتن حمامة (1) | عمر الشريف الذي لم يحبها أبدًا.. وعبد الناصر الذي تمنت إسقاطه | أمجد جمال

27 Sep 2020

أمجد جمال

ناقد فني

سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

السنوات (1962-1970) كانت عنق الزجاجة في حياة فاتن حمامة. بدأ الخطر مع طيران زوجها عمر الشريف لمقابلة لورانس العرب في صحراء الأردن، ومنها إلى هوليوود، حيث استقر بالخارج ودشن مشواره العالمي، فكان يكره النزول لمصر للقاء زوجته.

الحجة المعلنة أن تصاريح الخروج كانت صعبة على الفنانين حينها، وهذا حقيقي، حيث كانت تتطلب وقوفهم في طوابير طويلة مع راقصات الدرجة الثالثة والساقطات لأخذ موافقة الأداب بالخروج، ولم تكن الوساطة كافية لتخليص الأمور؛ بسبب توتر علاقة الثنائي فاتن حمامة وعمر مع السلطة حينها متمثلة في مراكز القوى.

صلاح نصر.. زوار الفجر

قبل وصول عمر الشريف للعالمية، قيل أن صلاح نصر زارهما في منزل الزوجية، وطلب تجنيدهما للإرشاد عن زملائهما بالوسط الفني، لكن فاتن حمامة رفضت، وربما أثر ذلك على علاقتهما بالسلطة. على الأقل، فقدا تسهيلات ومزايا استثنائية كانت تُعطى أحيانا للنجوم.

بالتالي كُتب على العلاقة الزوجية ألا تبقى إلا عبر المسافات، أو تتحمل فاتن حمامة دور إنقاذ الزواج المهدد، فتخوض الإجراءات الصعبة لتسافر إلى عمر الشريف بضع مرات سنويًا، وهو ما كان يحدث. 

في حوار تلفزيوني عام 1963، تلتمس فاتن حمامة لعمر الأعذار، قائلة: “تفتكري أقدر أقوله يسيب شغله وينزل يقابلني؟” وفي نفس اللقاء حين تسألها ناشد عن هواياتها في الأجازات تجيب: “معنديش إجازات. في الإجازات بسافر لجوزي”.

بالتوازي، كانت فاتن حمام تعاني من عصر “زوّار الفجر” الذي لم ينته إلا بوفاة جمال عبد الناصر وسقوط مراكز القوى، التي مارست ضغوطات من نوع آخر على الفنانات. وكانت فاتن حمامة إحدى الضحايا. 

لم نعلم إلى أي مدى وصلت هذه الممارسات، ولم تكن فاتن حمامة تعلن الكثير من تفاصيلها، بل تكتفي بجمل من نوعية “خوفوني فهربت”، “جاءني رجل وأعطاني كتب عن الجاسوسية، وحين قرأتها خفت وكرهت النظام كله”. 

تلك القصص كُتب عنها باستفاضة في مذكرات اعتماد خورشيد، وأكدها الممثل أحمد رمزي قبل شهور من وفاته، وأكدها الصحفي مفيد فوزي.

Judy.. عن هوليوود التي شيدت مجدها بالانتهاكات | أمجد جمال

كنت أتمنى أن نسقطه نحن لا إسرائيل

ذروة الأزمة بدأت مع اعتقال صديقها الصحفي مصطفى أمين.

ممارسات مراكز القوى في السنوات الأخيرة من عصر عبد الناصر جعلت فاتن حمامة تمقت هذا الرجل (عبد الناصر). 

في حوار لها في التسعينيات مع يوسف القعيد، قالت إنها حزنت لأن سقوط عبد الناصر جاء على يد إسرائيل؛ لأنه كان لابد أن يسقط بأيدينا نحن. “كانت مراكز القوى تحكم، ولم يكن هناك حريات ولا حقوق إنسان”.

خذلان عمر الشريف

فاتن حمامة اضطرت للهروب من مصر عام 1965، بينما كان عمر الشريف يصور Doctor Zhivago. وفي نفس العام، عندما كانت في أشد الحاجة إليه، بعدما أفقدها النظام وطنها وعملها ومجدها ومصدر رزقها، طلب منها الانفصال؛ لأنه لم يعد يقاوم الإغراءات الجنسية، ولن يكون مخلصًا لها.

استمر زواجهما رسميًا حتى 1974، أي ظلا تسع سنوات على ذمة زيجة مليئة بمغامرات عمر الشريف الجنسية.

عاشت في باريس، شبه وحيدة حتى مطلع السبعينيات. ابناها طارق ونادية التحقا بمدارس داخلية في سويسرا. لم يكن لها مصدر دخل، فوكلت صديقها الكاتب علي أمين ببيع عمارتها في الزمالك، لكن القبضة الأمنية صعبت تحويل الأموال بمبالغ كبيرة؛ فلجأوا لتجميد الأموال بشراء التحف والأنتيكات، وكان يرسلها لباريس قطعة بقطعة لتقوم فاتن حمامة بتسييلها. 

ما لم تعرفه فاتن حمامة أن جمال عبد الناصر لم يكن سعيدًا حين علم بما حدث، وطلب التواصل مع الفنانات الهاربات والاعتذار لهن عن التجاوزات وفتح التحقيق فيها ليعودوا إلى مصر. لكن الوقت كان متأخرًا، ولم تعد فاتن حمامة حتى وفاة ناصر 1970.

تقرير سري| كيف اعترف جمال عبد الناصر بفشل الاشتراكية في خطاب التنحي!! | مينا منير

القبلة الأولى للمرأة المثالية

خاضت فاتن حمامة حينها تحديات مثيرة للتعاطف، حولتها لشخصية لا تبتعد كثيرًا عن شخصيتها السينمائية: المرأة المغلوبة على أمرها، والتي للمفارقة كانت تُلقب بسيدة الشاشة! 

المؤكد أن لفاتن مكانة شديدة الخصوصية في قلوب المصريين، لكن يصعب التصديق بأن لقب “السيدة” لم يكن به قدر من العزاء الذي يمنحه المجتمع للفنانة الأكثر مواكبة للتقاليد وللمزاج المصري، والتي لم تكن قطعًا شادية أو هند رستم أو سعاد حسني.

عمر الشريف يقدم في مذكراته تفسيرًا شيّقًا للعلاقة المعقدة بين فاتن حمامة والجمهور، بينما يحكي عن ردود فعل الصحافة على القُبلة التي جمعتهما في صراع في الوادي (1954) والتي كانت الأولى في تاريخ فاتن حمامة على الشاشة بعد سنوات من الرفض والاشتراطات الصارمة،

يقول عمر الشريف: “في ليلة أصبحت الشاب المنحل الذي انتهك شرف المرأة المثالية، كل المصريين شعروا بالغضب، كأن فاتن تخونهم بتلك القبلة. كل فرد في جمهور فاتن كان يعتبرها ملكه وحده، والمنتجون كانوا يحترمون تلك النظرة عند الجمهور، بل يلعبون عليها”.

كان هذا أول أدوار الوجه الجديد عمر الشريف في السينما، وبعده بشهور قليلة تزوج من فاتن حمامة (1955) وتحول من المسيحية للإسلام.

يعترف أن ارتباط اسمه بها أعطاه أهمية كبيرة، رغم أنه كان ينزعج أحيانًا؛ لأنها ظلت تفوقه بنجوميتها حتى 1962.

موت القبلة الأولى | انهيار الحب وازدهار البورن في السينما النظيفة | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

تغيير القواعد

فاتن حمامة غيّرت قواعدها من أجل ممثل واحد أعجبت به أثناء العمل، لكن عمر الشريف لم يضع لنفسه أية قواعد. دخل في علاقات جنسية مع معظم النجمات اللاتي عمل معهن بالخارج.

يمكنك اعتبار فاتن حمامة مجرد حلقة أولى في هذه السلسلة، رغم ادعائه لاحقًا بأن لها مكانة خاصة. والاستثناء أنها الوحيدة منهن التي لم تكن لترضى بعلاقة خارج الزواج. أنجبت منه طارق، وطلبت الإنجاب ثانية، لكنه رفض لأن مشاغله المهنية باتت تمنعه. ذلك الموقف جعله يسخر من طباع المصريات اللاتي تستخدمن الإنجاب لتدعيم أوتاد الزواج.

كان عمر الشريف ذكيًا في اختيار مفرداته فيقول “لم أخدع فاتن أبدًا”، لكنه لم يقل “لم أخن فاتن أبدًا”، فالخداع يمكن تأويله، لكن للخيانة معنى واحد. 

يعود في الفصل العاشر من الكتاب ليقول: “لم يكن لدي مشكلة لو ارتكتبت زوجتي خطيئة طالما لم تخدعني. أن تخونني يعني أن تكذب علي، عدم الإخلاص خطيئة يمكن التسامح معها، لكن الخيانة لا تغتفر أبدًا!” وهنا يبدو أنه يتلاعب بالألفاظ والمصطلحات ليبرر معنى واحدا، أنه طالما يصرح بنزواته لزوجته فهو لا يزال مخلصًا. أرى أن هذا منطق شائك.

أسطورة الحب الأبدي

ظل عمر الشريف يتفاخر بتلك العلاقات في حواراته ومذكراته، ولم يدنه المصريون على هذا يومًا، بل مجّدوه، وربما عرفوا عن نزواته أكثر مما عرفوا عن أفلامه، ليس بمنطق متفتح ومتقبل للحريات الجنسية، وإنما بمنطق الفخر بالفرعون الذي رفع رؤوسهم أمام الأجنبيات، مع علمهم أن هناك إنسانة تتألم بسبب تلك الممارسات.

ولإراحة ضمائرنا، كنا نتشدق بأسطورة رومانسية بأن عمر الشريف ظل وفيًا لفاتن بقلبه، فلم يتزوج بعدها أبدًا، وهذا يكفي!

حتى ذلك لم يكن حقيقيا بالمناسبة، قال عمر الشريف إنه أراد الزواج مرتين بعد فاتن حمامة. إحداهما من الممثلة الفرنسية أنوك أيمي التي شاركته بطولة The Appointment 1969، والتي وقع عمر في غرامها بجنون، لكنها كانت متعلقة برجل آخر فاكتفيا ببعض الليالي العابرة.

تحكي الممثلة سميرة عبد العزيز، أنها بعد عرض “ضمير أبلة حكمت” بشهور قابلت عمر الشريف بالصدفة في فرنسا. كان ذلك في التسعينيات، وأخذ يقص عليها الأسطورة الرومانسية إياها، وعندما عادت سميرة وأخبرت فاتن بما قاله عمر لها، قاطعتها بجملة “ملناش دعوة” وغيّرت الحديث على الفور.

الجمهور كان يحب أن يسمع هذه الحكايات عن الثنائي، ويتنهد ويمصمص شفاهه بروعة ولوعة الحب، لكن فاتن حمامة كانت تنزعج من مجرد ذكر اسمه.

كانت تهرب من اللقاءات الصحفية لأن المحررين يضعون صورها مع عمر الشريف. وكان هذا يعتصر قلبها على جرج مشاعر الرجل الوحيد الذي أحبها حقًا وهو الطبيب محمد عبد الوهاب، الذي تزوجها من 1975 – حتى وفاتها.

أحمد زكي.. كيف استحق اعتذار روبرت دينيرو عن “زوجة رجل مهم”؟ | أمجد جمال

مجرد تابع سيء!

إن كنت لا تزال تصدق الأسطورة الرومانسية، فسأقرأ عليك بعض ما قاله عمر الشريف في الفصل الخامس من مذكراته والذي يبدأه بهذه العبارة الصادمة: “قُبلاتي على الشاشة أحيانًا تكون توابعها سيئة. الأولى أدت بي للزواج، والثانية كادت تسحب مني الجنسية”.

يقصد بالقبلة الثانية فيلم Funny Girl مع النجمة باربرا ستريسند، لأنها يهودية وعرض الفيلم تزامن مع نكسة 67. ما أدى إلى هجوم الصحافة عليه والمطالبة بنزع جنسيته المصرية.

يمكنك اعتبار وصفه الزواج بفاتن كعاقبة سيئة للقبلة كنوع من المزاح. لكنه حين يسترسل في وصف علاقته الجنسية بباربرا ستريسند في تلك الأثناء يجعلك تتأكد أن هذا الرجل لم يأخذ أي من علاقاته النسائية مع الممثلات بجدية أو عاطفة حقيقية. حتى فاتن حمامة الذي أقسم أنها حب عمره!

“السنين مرت وقلت لنفسي فاني برايس أحبت البطل، لكنها لم تحب عمر الشريف. وأنا أحببت البطلة لكنني لم أحب باربرا ستريسند. أحيانًا يحدث ذلك. أليس الخيال أكثر جاذبية من الحقيقة؟ ياله من شيء رائع أن أقع بكل سهولة في غرام الممثلات التي أعمل معهن. في حياتي حظيت بالعديد من تلك الرومانسيات سريعة الزوال، حين أعمل بفيلم أتحول للشخصية التي ألعبها، ما يعني أنه من الصعب أن أوقف مشاعري بمجرد أن يصيح المخرج Cut. من الصعب أن أجسد مشاهد حميمية طول اليوم، وفي الليل أصاب بخمول. زميلتي جميلة وهم يكلفوني بأن أحبها لشهور، ثم أتوقف بمجرد نهاية العمل. لا أستطيع فعلها، أنا أحب لأني متاح ولأني عاطفي ولأني أحب الحب. ولكن هل أحببت بالفعل؟ لا أدري، لأنني لم أعاني يومًا من الحب، يقولون أنني مريض بالخيانة، كل ما هناك أنني أقع في الحب كثيرًا، وسريعًا”.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك