الحديث لا يتوقف في الأعوام الأخيرة عن جرائم الاغتصاب والتحرش العنف والابتزاز والاعتداء الجنسي. وهو حديث مفيد وضروري لكل مجتمع على أي حال؛ لأن إخفاء التراب تحت السجاد لا يفيد أحدًا، بقدر ما يضمن استمرار وانتشار هذه الجرائم.
إنفوجرافيك في دقائق: التحرش الجنسي حول العالم.. إحصائيات مرعبة
غالبا سيتخيل البعض أن السنوات الأخيرة شهدت أهم علامات سينمائية عن هذه القضايا، بعد الضجة الإعلامية التي أحدثتها حركة مي تو #metoo عام 2017. لكن المفاجأة الأولى هنا، أن أهم وأنضج أفلام تعود لعقود وعقود مضت. والمفاجأة الثانية أن بعض هذه الأفلام كانت ستصبح محور رفض وانتقادات من التيارات النسوية لو تم إنتاجها اليوم، كما سنشرح لاحقًا!
الترتيب في القائمة لا يعكس ترتيب جودة هذه الأفلام، أو ترتيب عرضها زمنيًا. بل هو ببساطة ترتيبي للتسلسل المنطقي الواجب للحديث عن القضايا المثارة نفسها، وما يضيفه كل فيلم عنها.
نشاهد البطلة الضحية قبل واقعة الاغتصاب بملابس مثيرة، وبسلوك عابث مع شباب ورجال في حانة خمور، وفي رقصة ساخنة؛ كل المعطيات التي تخلق عادة وحتى اليوم أسئلة واتهامات لضحايا الاغتصاب والتحرش من نوعية:
إيه اللي وداها هناك؟ ما شكل ملابسها وقت الحادثة؟ لماذا وافقت من البداية على صحبة رجال؟
هل ينصف الطب الشرعي ضحايا الاغتصاب والتحرش والاعتداءات الجنسية؟ | بودكاست دقائق
لكن مع حدوث الاغتصاب أمامنا، نتفهم جيدًا أن ما حدث هو جريمة اغتصاب، وأن كل المعطيات السابقة لا تصلح كتبرير، وأنه لا يجوز نهائيًا أن نحول الضحية لـ “متهمة”. كل هذا ضروري قبل أن نشارك البطلة رحلتها الصعبة لإثبات هذه الحقيقة البسيطة للقضاء وللمجتمع.
مشهد الاغتصاب لا يزال حتى اليوم من أصعب المشاهد السينمائية وأكثرها إرهاقًا، وبالتأكيد يستحق المخرج جوناثان كابلان الكثير من الإشادة في هذه الجزئية، لكن تظل جودي فوستر هي جوهرة الفيلم الحقيقية. كتبت شهادة ميلادها فنيًا بفضله ونالت عنه بجدارة أول أوسكار في مشوارها (الثاني سيتحقق بعد 3 أعوام بفضل فيلم صمت الحملان). وكتبت للفيلم أيضًا أهم عناصر خلوده السينمائي.
التحرش وﺍﻟﺼﺤوة ﺍﻹسلامية مناﻓﻊ مشتركة.. “ﻋﺸﺎﻥ تبقي تقولي ﻷ”| عمرو عبدالرزاق
الفيلم كان شهادة استحقاق المخرج الكندي دوني فيلنوف للانتقال إلى هوليوود، ومن حسن حظنا أنه فعل ذلك، وأمتعنا لاحقًا بقائمة أفلام ممتازة تتضمن Prisoners – Sicario – Arrival – Blade Runner 2049.
يمكن من الآن الرهان على فيلمه القادم Dune بالمناسبة.
عظمة وأهمية هذا الفيلم الذي أخرجه أدريان لين، تكمن في مساره العكسي؛ لأن الأحداث عن أب ورجل متزوج (مايكل دوجلاس) يتورط في علاقة جنسية عابرة مع امرأة (جلين كلوز). لكن ما يظن البطل أنه سينتهي سريعًا مثلما بدأ، سيتحول تدريجيًا إلى علاقة تهديدات وابتزاز وعنف مرعبة منها. بصياغة أخرى: نعم يمكن للرجل أن يكون ضحية المرأة في هذه الجرائم.
تايم لاين في دقائق| #MeToo .. صدمة ما بعد السنة الأولى
غالبًا لو صنعت هوليوود هذا الفيلم اليوم، لانتهينا بقائمة اتهامات ومزايدات نسوية مضمونها أن ذكورية هوليوود، تجعلها تصمم على شيطنة المرأة في أفلامها، بدلًا من أن تناقش قضايا العنف والجنس ضدها. لكن من حسن الحظ أن الثمانينيات كانت فترة عظيمة، يمكن فيها تجاهل هذا النوع من السخافات والمزايدات النسوية!
جدير بالذكر أن السينما المصرية اقتبست عام 1996 نسخة من الفيلم بعنوان نزوة من إخراج علي بدرخان، وبطولة أحمد زكي ويسرا وشيرين رضا.
ما تكشف عن كيفن سبيسي لم يكن قضية التحرش بالذكور فقط | س/ج في دقائق
الاعتراف بالتعرض لتحرش أو اغتصاب، يصبح أصعب في حالة الذكر أحيانًا، باعتباره اعترافًا مهينًا ومحطمًا للرجولة. وأهمية هذا الفيلم الذي أخرجه باري ليفنسون، تكمن في كسره هذا الحاجز النفسي، مع قيام نجوم شباب من أيقونات الذكورة وقتها بأدوار هؤلاء الضحايا (براد بيت – جيسون باتريك – بيلي كرودب – رون إلدارد).
Marriage Story.. لماذا نحتاج قصص حب عن الطلاق؟! | ريفيو | حاتم منصور
تأثير الفيلم الغريب يتحقق بفضل كليهما؛ لأنه يترك المتفرج في حالة من التأرجح بين اعتبار النهاية سعيدة ومريحة، وبين اعتبارها نقطة بداية مأساة.
س/ج في دقائق: لماذا لا ينسى ضحايا التحرش ذكرياتهم المؤلمة بالتقادم؟
المقارنات مع Se7en خلقت حالة من الإحباط بين النقاد. لكن رغم هذا يستحق الفيلم الحضور هنا، كعمل مصنوع في فترة بزوغ الإنترنت، ويلامس خطورة أن يمثل هذا السوق الوليد فرصة لازدهار جرائم الاغتصاب والتعذيب وتسجيلها أمام الكاميرات، لتتحول لأفلام يشاهدها ويشتريها مرضى ومهاويس الاغتصاب والعنف الجنسي.
أغلب الأفلام التي تناقش وقائع الاغتصاب، تنتهي بضحاياها في مسار من الآتي:
الشيء الذي يميز فيلم “غرفة” للمخرج ليني أبراهامسون، هو أنه يتركنا في النهاية مع تفهم كامل أن حياة بطلته (بري لارسون) تغيرت للأبد بسبب الاغتصاب الذي تعرضت له، وأن ابنها الذي نتج عن هذا الاغتصاب، لن يعيش في النهاية الحياة الطبيعية التي يعيشها أغلب أقرانه.
أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور
معاناة البطلة هنا لا تنتهي مع انتهاء الاغتصاب، بل تستمر بسبب مجتمع وأسرة ومحيطين غير قادرين على تقبل وتفهم حياتها بعد الحادثة. بفضل هذه الجزئيات وبفضل الأداء الممتاز من بري لارسون وجيكوب ترمبلاي أيضًا لدوري الأم والابن، يكتسب الفيلم أحقيته للوجود هنا.
مهندس الكمبيوتر المتزوج توم (مايكل دوجلاس) يضطر بسبب وظيفته الجديدة للتعامل مع صديقته السابقة ميرديث (ديمي مور). وعندما تغويه جنسيًا ويرفض، تنقلب حياته لجحيم مرير بعد اتهامها الرسمي والقضائي له بالتحرش، على سبيل الانتقام من رفضه!
تكمن أهمية هذا الفيلم الذي أخرجه باري ليفنسون عن رواية كتبها الأديب المعروف مايكل كرايتون، في كونه سبق زمنه وتعرض سنة 1994 للأسئلة التي ظهرت على السطح مع حركة مي تو في الفترة الأخيرة: هل يجب أن نصدق المرأة فعلًا في كل اتهاماتها للرجال بالتحرش، لأنها فقط “المرأة”؟ وإذا فعلنا ذلك: أليس معنى ذلك أن كل امرأة أصبح لديها سلاحًا سهلًا وفوريًا، تستطيع به – ظلمًا – أن تدمر حياة أي رجل؟
كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور
يصعب صناعة فيلم كهذا اليوم. ولو حدث هذا، لواجه صانعوه بالتأكيد اتهامات من حركة مي تو بمعاداة المرأة، ومحاولة عرقلة كفاح النسويات من أجل تحقيق العدالة في قضايا التحرش والاغتصاب، وتشويه قضية نسوية صحيحة وعادلة بصناعة فيلم يطرح النقيض.. إلخ.
لكن من حسن حظنا أن التسعينيات أيضًا كانت فترة عظيمة، يمكن فيها تجاهل هذا النوع من السخافات والمزايدات النسوية! والشكر موصول بالتأكيد للعظيم مايكل دوجلاس، الحاضر هنا بفيلمين مهمين يسبحان ضد التيار الحالي!
كثيرة هي الأفلام التي تدور قصتها عن أم تبحث عن الجناة الذين اغتصبوا وقتلوا ابنتها، بعد إخفاق الشرطة. والطريف أن سبب تفضيلي لهذا الفيلم الأمريكي الذي كتبه وأخرجه الأيرلندي مارتن ماكدونا في هذه اللعبة، هو أنه لا يجعل ما سبق مسار الأحداث الوحيد، بقدر ما يجعله رصاصة البداية التي تتفجر بسببها صراعات درامية متعددة وموازية.
TOP 10 | أهم أفلام المحاكمات في تاريخ السينما | حاتم منصور
يصدمنا هذا الفيلم بحقيقة مريرة، وهي أن الاغتصاب والقتل مجرد أحداث أخرى. أحداث لا يتوقف بسببها العالم، ولا يتغير بسببها كل الناس. يذكرنا أن عبثية هذا العالم قادرة على ابتلاع وسحق أي شيء مهما كان.
سيناريو متقن ازدادت فاعليته بفضل مثلث تمثيلي في أرقى تجلياته (فرانسيس مكدورماند – وودي هارلسون – سام روكويل).
الموجز السابق كفكرة، يكفي جدًا حاليًا لطرد أي سيناريست أو مخرج من مكاتب منتجي هوليوود، وبالتأكيد يستحيل تنفيذه هذه الأيام! لكن بالنسبة للمخرج الهولندي الأصل بول فيرهوفن صاحب أفلام (غريزة أساسية – فتيات الاستعراض) لا توجد أي تابوهات، وبالأخص في الجنس!
متحرش السينما..أسطورة عادل إمام الذي خرب المجتمع | حاتم منصور
طبقا لتصريحاته، فقد حاول أولًا صناعة الفيلم في هوليوود مع نجمات في وزن (نيكول كيدمان – جوليان مور – شارون ستون – ديان لين) لكن لم توافق أي منهن على التورط في عمل كهذا.
في النهاية – ومن حسن حظنا وحظه – وجد بين منتجي فرنسا وألمانيا من يوافق على صناعة فيلمه، وذهب دور البطولة إلى الفرنسية الجريئة إيزابيل أوبر، التي شحنت الفيلم بأداء استحقت عنه عن جدارة ترشيح الأوسكار التي نالته.
من دفاتر صلاح أبو سيف.. الواقعية والرقابة والجنس والنقاد | أمجد جمال