ترامب – هوليوود | يعشق ذهب مع الريح .. فهل تشبه نهايته صانسيت بوليفارد؟ | أمجد جمال 

ترامب – هوليوود | يعشق ذهب مع الريح .. فهل تشبه نهايته صانسيت بوليفارد؟ | أمجد جمال 

10 Jun 2020

أمجد جمال

ناقد فني

الولايات المتحدة سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الاستقطاب بات على أشده مع اشتعال الصراع السياسي في الولايات المتحدة بين ترامب والديمقراط. بين المحافظين واليسار. لكل طرف أسبابه ومنطقه. وخصوم ترامب – بتنوعهم – قد يملكون الحق في كل نقاط الخلاف معه إلا في شأن واحد: ذائقته السينمائية!

بدأ جدل في فبراير الماضي بعد مؤتمر رئاسي لدونالد ترامب في ولاية كولورادو. في إحدى اللحظات التي تعوّد فيها أن يكسر الفاصل بين الخطاب السياسي وكوميديا الستاند أب، تهكم الرئيس الأمريكي على فوز فيلم Parasite بأوسكار أفضل فيلم، في سابقة هي الأولى من نوعها لفوز فيلم غير ناطق بالإنجليزية بالجائزة الأمريكية العريقة.

كم كانت جوائز الأكاديمية بشعة هذا العام؟! (والجائزة تذهب إلى فيلم من كوريا الجنوبية)

يضيف ترامب مقلدًا نبرة توزيع الجوائز باستهزاء:

ما هذا الهراء! لدينا الكثير من مشاكل التجارة مع كوريا الجنوبية بالفعل، هل الفيلم جيد حقًا؟ أنا لا أعلم. لكنني أتطلع نحو نوعية تشبه “ذهب مع الريح”. هل يمكنكم أن تعيدوا لنا هذا الفيلم من فضلكم؟ هو و”صانسيت بوليفارد” والعديد من الأفلام العظيمة. أعيدوا لنا هذه الأفلام مجددًا

كالمتوقع، استغلت الأقلام السينمائية المعارضة هذا التصريح ضد صاحبه كدليل جديد على عنصرية وإقصائية وزينوفوبيا يتمتع بهم رئيس دولة الحرية ووطن المهاجرين. دعمتها تصريحاته اللاحقة ضد الصين على خلفية جائحة فيروس كورونا، والتي اعتبرت دعوة لممارسة العنصرية ضد العرق الآسيوي.

تصريح ترامب السينمائي كان به بعض الإشكالية، باستشهاده بفيلم كـ “ذهب مع الريح” تحيطه شبهات تاريخية بالتبييض وتطبيع العبودية، والبكاء على أطلال الإقطاع الذي سبق الحرب الأهلية في القرن الـ 19.

صدق أو لا تصدق: هذا الفيلم الذي اعتبره معهد السينما الأمريكي رابع أفضل فيلم في تاريخ هذا البلد، ويعتبره شباك التذاكر أنجح فيلم في تاريخ السينما بوجه عام، لم يعد الآن لائقا ثقافيًا في عصر الصحوة. وصار استشهاد ترامب به يُفسر كحنين للعصر الذي تدور فيه أحداث الفيلم، لا حنين لمعادلة الإنتاج السينمائي للقصة (بعدها بحوالي 80 عامًا).

لنجعل هوليوود عظيمة مجددًا

الانتقادات السابقة يمكن تفهمها. لكن التمادي في قراءة مزحة ترامب السينمائية قراءة سياسية ألقى بظلاله على الفيلم الثاني في الاستشهاد “صانسيت بوليفارد” رغم ابتعاده تمامًا عن شبهات التسييس أو التبييض، فإن كان مقصد ترامب هو الترويج لسينما أمريكية مصبوغة اجتماعيًا وسياسيًا، لماذا يستشهد بفيلم كهذا؟

بطل قصة هذا الفيلم هو جوي جيلز. كاتب أفلام فقير ومديون ومطارد، تضطره الظروف للاختباء في قصر نورما ديزموند، نجمة أسطورية من عصر السينما الصامتة، بعدما شاخت، وغابت عنها الأضواء، وأصيبت بجنون العظمة.

جوي يستغلها ماديا ونورما تستغله جنسيًا وفنيا لترجع للشاشة. قصة من هوليوود عن المجد والطمع والأحلام الممزقة.

صحيح، لا يوجد إقطاعيون أو تمثيل إشكالي للسود والهنود لمغازلة ترامب بعنصريته المزعومة!

لكن، يفسر البعض رسالة Sunset Blvd. بأنها مضادة لهوليوود. لذا فقد يكون ذلك سبب ترامب لمدحه والاستشهاد به؛ فهو يكره هوليوود اليسارية التي تكرهه، ربما!

لكن هوليوود الخمسينيات التي أنتجت هذا الفيلم لم تكن وطن اليساري الذي يعادي ترامب وأمثاله كما الحال الآن. وهل الفيلم بالفعل مضاد لهوليوود؟ سنعود لهذا السؤال لاحقًا.

تفسير آخر كتبه “مات هانسون” بموقع أميريكان إنترست، يحاول فيه تمرير فكرة بأن ترامب أساء تفسير الفيلم وتماهى مع شخصية نورما ديزموند باعتبارها بطلة الفيلم وليس الكاتب جوي، وهو تفسير  طريف، خاصة في سرد تقاطعات بين شخصية نورما وشخصية ترامب وما يجمعهما من نرجسية وتعلق بالماضي؛ فشعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، هو المقابل لمقولة نورما الشهيرة وهي تنتقد السينما المعاصرة “أنا لازلت عظيمة، الأفلام هي التي صارت ضئيلة”، وهي مقابل آخر لتصريح ترامب في كولورادو استدعاءً لهوليوود الماضي ضد هوليوود المعاصرة التي هُزمت أمام فيلم من كوريا الجنوبية!

ترامب هوليوود 3

نورما ديزموند vs دونالد ترامب

لم أتوقف طويلًا أمام مقال هانسون حين قرأته في مارس الماضي. لكنني عدت له بشغف مع أحداث هذه الأيام، وهو يسرد بقية التشابهات بين نورما وترامب.

الشخصيتان نالتا الشهرة من الشو بيزنس؛ نورما من السينما وترامب بتلفزيون الواقع، والاثنان يملكان مباني أسطورية يُعزلان بداخلها جسديًا أو ذهنيًًا، قصر نورما في لوس أنجلوس وبرج ترامب في نيويورك.

والاثنان محاطان بشخصيات على علم بعدم كفاءتهما، لكنهم لا يتوقفون عن تغذية النرجسية بهما، وإقناعهما أنهما محبوبان وعلى حق.

في حالة نورما هؤلاء الأشخاص متمثلين في المخرج ماكس فون مايرلينج، الذي يكتب لنورما مئات خطابات المدح المزيفة بادعاء أنها من المعجبين، وترامب وهو يتلقى نفس “الأوهام” عن طريق مساعديه الذين يزينون له واقع حكمه وسياساته، ويقنعونه بتفوق شعبيته بين الأمريكيين. مع تحفظي على هذا الاستنتاج حيث أن شعبية ترامب واقع فرضته الأصوات الانتخابية حتى لو تآكلت هذه الشعبية لاحقًا.

ما جعلني أعود لمقال هانسون هو هيستيريا التغريدات التي يطلقها ترامب هذه الأيام وتصرفاته التي توحي بارتباك واضح حتى وهو يصطنع الثقة والسيطرة، ومنذ بداية الأزمة السياسية بمقتل جورج فلويد على يد شرطي. ترامب الذي حاول الاستنجاد بالبنتاجون لفرض النظام بعد تعثر الشرطة وقوبل طلبه بالرفض والإحراج، تقاطع في ذهني مع استنجاد نورما الخائب بالمخرج سيسيل ب ديميل ليخرج فيلمها الجديد ويعيد نجوميتها على الشاشة.

ترامب الذي يثرثر ويغرد بمعدلات جنونية ويكرر تغريدات بعينها، أرى توتره هذا متشابهًا مع مونولوجات نورما ديزموند الأخيرة وهي تدعي أن كل شيء على ما يرام وفي أعماقها تشعر بأن النهاية اقتربت، هل تكون عبارة Law & Order الذي كررها ترامب أكثر من مرة هي المقابل لمقولة نورما ديزموند المجنونة “سيد ديميل أنا جاهزة للقطة الكلوز أب”؟ يتوقع هانسون أن تتشابه النهايات، لكن لقطة ترامب الأخيرة لن تكون بمعرفة السيد ديميل كما تمنت نورما بل بواسطة مذيع قناة فوكس نيوز “شون هانيتي”!

ترامب هوليوود 2

ترامب الذي يخطئ تفسير الأفلام

افتراض هانسون بأن ترامب تماهى مع الشخصية الخطأ بالفيلم، على سبيل أن كل إناء ينضح بما فيه، مشكلته أن ترامب دلل سابقًا على وعي وذائقة سينمائية لا يستهان بها، فمنذ سنوات (قبل توليه الرئاسة) قدم مراجعة نقدية مصورة عن فيلم “المواطن كاين”، وهو من الأفلام التي يفضلها، ولاحظ أن كل الأفلام التي يفضلها مصنفة في مراكز متقدمة في قوائم الخبراء والنقاد والمؤسسات السينمائية.

في الوهلة الأولى نجد التشابهات أكثر وضوحًا بين شخصية فوستر كاين وترامب، تفوق مثيلاتها بين نورما وترامب، ورغم ذلك يشير ترامب في مراجعته لفوستر كاين بنقاط ضعفه وسلبياته أكثر من التعاطف معه، وإن كانت شخصية كترامب لم تتماهى مع كاين، فمن الصعب الاقتناع بأنه تماهى مع نورما. وهو دليل أن استشهاداته السينمائية لا يقف وراءها سوى الجودة الفنية لتلك الأفلام.

صانسيت بوليفارد الذي ينتصر لهوليوود

نعود للسؤال إذا ما كان صانسيت بوليفارد مضادًا لهوليوود، وهي تظل قراءة بين قراءات عديدة، كمدخل لإعادة قراءة هذه التحفة السينمائية ونحن نحتفل بمرور 70 عامًا على صدورها.

مخرج وكاتب الفيلم بيلي وايلدر، عُرف بنبرته الساخرة، فأفلامه سواء الكوميدي منها أو الدرامي مثل هذا الفيلم تشبه النكات، نكتة ممتدة لساعة ونصف أو ساعتين من الزمن، لا نصل لسطر الطرفة أو ال Punch line إلا مع اللقطات الأخيرة حين تتضح الصورة الكاملة، فنفهم كيف يستهزئ بأبطاله أو بأعدائه أو بالعالم.

شخصيات هذا الفيلم نعرف أحلامها جيدًا: جوي الذي يحلم بالثراء في صورة امتلاك منزل به حمام سباحة، ونورما ديزموند التي تحلم بالعودة لمجدها في هوليوود والوقوف أمام عدسات السينما، وماكس خادمها وزوجها السابق ومخرج أعمالها وكلبها الوفي الذي يحلم بالمكوث بجانبها إلى الأبد، وجميعهم يحصل على ما أراده في النهاية، ولكن بصورة غير التي تمنوها. جوي يلقى نهايته بسقوط جثته داخل حمام السباحة الذي أراده، ونورما تعود للوقوف أمام العدسات، ولكن لأنها صارت مجرمة لا فنانة، وماكس معها يمارس الإخراج حتى اللقطة الأخيرة لكنه إخراج لفيلم مزيف، وهكذا نشهد كيف كان الحلم الهوليوودي مقبرة الساعين إليه.

ما سبق كان ليكفي كرسالة إدانة لهوليوود لولا اللقطة التي نرى بها عربات شركة بارامونت وكاميراتها التي ذهبت لتغطي أحداث جريمة القتل الأخيرة، والحدث يمثل نهاية الأفراد لكنه يؤكد على بقاء النظام، وأن هوليوود ستظل راسخة سواء بتقاليدها أو بتطورها، وعلى الحالمين مواكبة تلك التطورات، وإلا فلا مكان لهم. وهو سبب كونها صناعة السينما الأقوى في العالم عبر السنين. شركة بارامونت مر على تأسيسها أكثر من 100 عام.

ترامب هوليوود نورما ديزموند

لعل ترامب محقًا

هوليوود إذن ليست منحازة للشباب ضد المسنين، والدليل سيسيل ب ديميل الذي ظل يعمل على إخراج أفلامه الملحمية رغم تقدمه في السن، ويظهر في هذا الفيلم بشخصيته الحقيقية وهو يصور فيلمه “شمشون ودليلة”، ويحاول إقناع نورما ديزموند بأن السينما تطورت عن الماضي وتقديم هذا التطور لها داخل استوديو التصوير. فمصير نورما كان مستحقًا لأنها لم تستطع مواكبة التطور، والاكتفاء بمشاهدة أفلامها القديمة داخل قصرها.

كذلك كان مصير جوي، الذي بدا منذ مشاهده الأولى يعاني من حبسة الكاتب، يعيش على نجاح أفلامه السابقة، لكنه عاجز عن الجلوس أمام الآلة الكاتبة والإتيان بفكرة فيلم جديد، وتسويقها لشركات الإنتاج.

في أحد المشاهد الذي يطلب فيها سُلفة مالية من وكيل أعماله ليسدد قسط سيارته، يخبره وكيله بأنه من مصلحته لو خسر سيارته لأنه لن يجد وقتها ما يشتته عن العملية الإبداعية، وهو دليل آخر أن هذا الكاتب كان ضحية نفسه لا هوليوود.

لعل ترامب محق، هوليوود المعاصرة لم تعد بمثل عظمة الماضي للسبب الذي يجعلها مدانة في بعض قراءات صانسيت بوليفارد، حين صارت أكثر تساهلًا في أمور الإبداع، وأكثر صرامة في أمور أخرى.


عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك