Judy.. عن هوليوود التي شيدت مجدها بالانتهاكات | أمجد جمال

Judy.. عن هوليوود التي شيدت مجدها بالانتهاكات | أمجد جمال

2 Dec 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المجد لا يتحقق دون بعض الخسائر والتضحيات. ذلك كان المنهج الذي اتبعته صناعة السينما في هوليوود – خاصة في عصرها الذهبي – مع تغوّل سلطة الاستوديوهات من الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات.

قرأنا وسمعنا عن كثير من قصص الانتهاكات التي تعرض لها فنانون عملوا تحت هذه المنظومة. ليت هذه الانتهاكات توقفت عند مبدأ احتكار النجوم، وتدخل المنتجين في عمل المبدعين وأدق تفاصيل تخص العمل الفني. لكنها تجاوزت ذلك كثيرًا. وبقدر ما استفدنا كمتفرجين من منتجات هذه المنظومة الصارمة، بقدر ما تأذى آخرون.

ما سبق كان أحد الخطوط الرئيسية التي يقدمها لنا “جودي” للمخرج روبرت جولد. الفيلم يتعرض لجانب من حياة النجمة الأيقونة جودي جارلاند، بتأثيرها الفني الكبير على حقبة كاملة من صناعة السينما والموسيقى.

أهمية إضافية تأتي من تداول اسم “جودي” المكثف بمشهد جوائز نهاية العام ونحن على أعتابه؛ إذ يتوقع كثيرون أن تحصد بطلته رينيه زلويجر جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن هذا الدور.

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام

جودي جارلاند بين عالمين

الفيلم يبدأ بالولوج إلى مشهد من الماضي، سنوات طفولة جودي جارلاند وسط ديكورات التصوير العملاقة لمترو جولدن ماير. نسمع مونولوجًا من المنتج الأسطوري لويس ماير مخاطبًا جودي الصغيرة، لإقناعها بالالتزام بعملها الشاق بأفلام الشركة. يحذرها من مصيرها إن تخلت عن موهبة الغناء والتمثيل، لتصبح مجرد فتاة عادية، تتزوج زواجًا تقليديًا، فتصير امرأة تلد وتربي، ثم تموت ولا يتذكرها أحد، مقابل ما هي عليه الآن كمشروع أسطورة فنية، محبوها من كل مكان على الأرض، ومهاويسها بالآلاف. هي لم تخلق من أجل الحياة العادية بل خُلقت للمجد.

المشهد بدا في تركيبه أقرب لخيال، أو واقع تتذكره جودي متأثرة بعوالم سينما الفانتازيا والاستعراض التي عملت بها لسنوات، وكأنه نسخة كابوسية من مشهد في فيلمها الأشهر ساحر أوز 1939.

ننتقل من ذلك المشهد إلى حاضر الأحداث، حيث جودي امرأة ناضجة في الأربعينيات من عمرها، لكنها تبدو أكبر بكثير من هذا العمر، نرى وجهًا شاحبًا، تجاعيد ظهرت قبل أوانها، لكنها احتفظت ببعض العلامات عن عزة تلاشت وثراء باد، تتحدث بعصبية مع أطفالها وهم في الطريق إلى موظف استقبال الفندق الذي تسكن فيه، قبل أن يخبرها أن وجودها لم يعد مرحبًا به؛ لأنها لم تدفع ثمن الإقامة لأسابيع.

حالة التضاد بين المشهدين والعالمين، هي نفسها أسلوب الحكي الذي اتبعه السيناريست توم إيدج في حكي هذه القصة. الحاضر يرد على الماضي، والماضي يشرح بعض الحاضر.

لكن إجمالًا، يمكن اعتبارها قصة عن الشهور الأخيرة في حياة جودي جارلاند.. عن تساقط آخر ما تبقى من عرش نجوميتها، وعن خوضها علاقة الحب الصادقة الوحيدة مع الشاب ميكي دينز الذي عشقها كنجمة وكإنسان، وامتنع عن الارتباط بعد وفاتها، والذي أتى بعد حياة مليئة بالخذلان من عدة رجال وبضع زيجات فاشلة.

فن كتابة السيناريو.. 5 نصائح من كاتب THE SOCIAL NETWORK آرون سوركين | أمجد جمال

ليس بوهيميان رابسودي

هي أيضًا قصة عن حالة الوهن النفسي والبدني لـ جودي جارلاند حين وصلت لذروتها بسبب إدمانها لعقاقير منشطة وأخرى منومة كانت فُرضت عليها منذ سنوات المراهقة حين كانت تعمل في مترو جولدن ماير، وعن كونها ضحية لمنتجي نفس الشركة الذين أخضعوها لحمية غذائية في غاية القسوة لإبقاء نحافتها وضمان استعدادها المتواصل لأداء الحركات الاستعراضية في الأفلام.

الفيلم لم يتطرق بوضوح إلى اعتداءات وابتزاز جنسي كانت تتعرض له جودي من منتجي الشركة حتى أثناء فترات زواجها، لكنه يمرّ باستحياء على موقف حقيقي ذكرته جارلاند في مذكراتها، يوم مدحها لويس ب. ماير قائلًا إن غناءها يخرج من القلب، وأثناء إشارته لقلبها فوجئت بمسكه لثديها. يمكن من خلال ذلك المشهد تصوّر بقية المضايقات التي تعرضت لها. كل ذلك يحضرنا للستار الأخير وهو يسدل على المأساة التي عاشتها هذه النجمة قبل رحيلها عن عمر يناهز الـ 47 عامًا!

قد ينتظر البعض من الفيلم احتفاءً بفن جارلاند، أو أن يغوص مع أعمالها في بحر النوستالجيا ويدغدغ مشاعرنا بالتذكير بأفلامها ونجاحتها كما يحدث في هذه النوعية من الأفلام عادة، لكنه لا يفعل. هو ليس بوهيميان رابسودي النسخة النسائية، بل أقرب ليكون صانصيت بوليفارد النسخة الاستعراضية. ولذلك، ورغم وجود عدد من لحظات العاطفة المؤثرة، ففرصة الفيلم ليست كبيرة في النجاح على المستوى الشعبي.

السيناريو مستوحى من مسرحية نجحت في مسارح برودواي وويست إند كتبها روبرت كيلتر ونالت جوائز طوني المعادلة للأوسكار مسرحيًا، ووقع الاختيار على المخرج روبرت جولد – وهو مخرج مسرحي بالأساس – ليخرجها للسينما في جودي. فعلها بنظام وبروح المسرح، حتى أن نسبة كبيرة من مشاهد الفيلم تدور داخل مسرح بالفعل. كان ناعمًا في اختيار تفاصيل القصة، وتوليف مشاهدها، وتكوين صورتها، بطريقة لم تجمّل المأساة، لكنها وضعتها على مسافة متساوية بين السينما الواقعية والفخامة الأوبرالية.

رامي مالك يعزف منفردًا في BOHEMIAN RHAPSODY

تناغم البطلتين.. الأصلية والممثلة

يتبقى اختيار الممثلة رينيه زيلويجر لأداء الشخصية، وهناك تناغم ما بين جارلاند وزيلويجر، فالأخيرة ودّعت سنوات الشباب والمجد الحقيقي في التسعينيات وأوائل الألفية بأفلامها الرومانسية الكوميدية التي جعلتها تسكن قلوب شباب تلك الفترة، وذروة تألقها كممثلة فات عليها أكثر من 15 عامًا منذ دورها في Cold Mountain في 2003.

هي لم تعد كذلك، والمثير أيضًا أن زلويجر توقفت 6 سنوات عن التمثيل وابتعدت عن الوسط الفني في الفترة بين 2010 و2016، وقالت إن الابتعاد سببه الضغوط وقلة أيام الراحة بين مشروع وآخر، لدرجة أنها سئمت من اعتياد سماع صوتها.

كل ما سبق من تفاصيل يصنع التناسب بين جارلاند وزيلويجر، إن كانت تيمة الفيلم الرئيسية هي الثمن الذي يدفعه الفنان من حياته وصحته واستقراره النفسي والمادي مقابل المجد. النجمتان اختبرتا هذا الصراع بشكل ما.

هل نجحت زيلويجر في أن تكون جودي جارلاند؟ من الصعب الإجابة؛ لأنها تجسد فترة شديدة الخصوصية من حياة جارلاند. فترة لم تكن فيها قريبة كفاية من الأعين لتترك مرجعية تصلح للمقارنة.

لكن الواضح أننا أمام تجسيد سينمائي مشتعل بالطاقة، ليس لجارلاند، لكن لبقايا روحها.. تجسيد احتفظ ببعض السمات التي لا تغيرها الظروف. هي جارلاند بنظرتها وضحكتها الطفولية، وعصبيتها ورقتها، وفي طريقة امتلاكها لخشبة المسرح. أما بقية الأداء فهو تخيّل، تخيّل لكبريائها المهزوم، وتخيّل لوعيها الآخذ في الاضطراب. ولا شك أنه تخيّل مثير وطازج.


مُرشح لجائزتين أوسكار 2020 (ممثلة/رينية زيلويجر – ماكياج).


عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد .. القصة والأسلوب شيء واحد (جزء 2)| أمجد جمال | دقائق.نت

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك