عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت

2 Jul 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أربعة أعوام مرت على وفاة النجم عمر الشريف.. في نعيه حملت المانشيتات والتغريدات نفس معنى “رحيل لورانس العرب” نسبة للفيلم الأشهر الذي شارك فيه، رغم أن “لورانس” في الفيلم كان النجم “بيتر أوتول” بينما جسد عمر الشخصية المساعدة “الشريف علي”. ومن غير المنطقي تلقيب نجم بدور لم يجسده، إلا إذا كان القائل لم يشاهد الفيلم الذي يستعيره!

حسنًا، غالبية الأجيال الجديدة والأقدم نسبيًا ليس لهم طاقة لمشاهدة فيلم يبعد إنتاجه عن الثلاثين عامًا الأخيرة. ليست ظاهرة حديثة أو مفاجأة اكتشفناها الآن، بل عُرف موجود في كل بلدان العالم، وتظل زهوة الحديث أكثر جذبًا للمستهلك.

تبقى المشكلة أن لورانس العرب من جواهر القديم، أو ما كانت تسميه شركات توزيع الاسطوانات بالضروريات (Essentials). في القائمة التي أعلنها معهد الفيلم الأمريكي لأفضل 100 فيلم في التاريخ سنة 1998، جاء لورانس العرب في المركز الخامس مباشرة بعد المواطن كين وكازابلانكا والأب الروحي وذهب مع الريح. وكلها أفلام يفترض أن مشاهديها تجاوزوا هؤلاء المهتمين بالسينما الأمريكية القديمة، لكن هذا الافتراض مشكوك في صحته.

ليس هدف الموضوع لوم من لا يشاهد تلك الأفلام، بل محاولة التذكير بكنوز سينمائية منسية، والتبشير بمتع مدفونة مع هذا العصر السينمائي الذي لم ينل لقب عصر هوليوود الذهبي من فراغ ، وامتد طوال خمسة أو ستة عقود آخرها الستينيات.

مفاهيم مسبقة حول سينما هوليوود الكلاسيكية ربما كانت سببًا في ابتعاد الجمهور في عصرنا بشكل عام، والجمهور العربي بوجه خاص.. سنفندها في السطور التالية:

جودة الصورة سيئة

عكس اعتقاد الكثيرين، فأفلام هوليوود القديمة لا تبتعد بجودتها كثيرًا عن الإنتاجات الحديثة؛ نظرًا لعمليات الترميم والحفظ الموسعة التي تتم على مئات من الأفلام سنويًا، وتشمل تحويل شرائط الخام إلى ديجيتال، إزالة الغبار عنها، لحم القطعات، تنقية الصورة من عوامل التجريف، إحياء الألوان بعد ذبولها، إعادة المشاهد الضائعة أو المحذوفة رقابيًا، واستبدال المقاطع الموسيقية رديئة التسجيل بأخرى أنقى.. إلخ.

العملية بدأتها شركة مترو جولدن ماير منذ السبعينيات، وانضمت لها لاحقًا بقية الشركات ومنها تايم وارنر التي استحوذت فيما بعد على أرشيف مترو جولدن ماير، بالإضافة لامتلاكها أرشيف وارنر براذرز وستوديو RKO Radio. والكيان يملك الآن أكبر مكتبة لأفلام هوليوود القديمة، معظمها مما تم ترميمه. ولا ننسى دور مؤسسات ثقافية مستقلة تقوم بهذا الدور، منها مؤسسة كرايتيرين، ومؤسسة الفيلم الأمريكي التي أسسها المخرج مارتن سكورسيزي، وهي مسؤولة عن ترميم المئات من الروائع القديمة.

جدير بالإشارة أن الحالة النظامية واقتصاد هوليوود الرأسمالي المتمثل في سيطرة الكيانات الإنتاجية الكبرى (الاستوديوهات)، وصمود تلك الكيانات عبر السنين، كان السبب الرئيسي في حفظ معظم الأرشيف الذهبي بتلك الحالة المشرفة؛ نظرا لتوافر النيجاتيف الأصلي أو نسخ متقدمة لمعظم الأعمال. وفي هذا الحقل، تتفوق هوليوود بأشواط مقارنة ببقية سينمات العالم التي فقدت أجزاءً كبرى من أرشيفها، أو وجدت صعوبات في ترميم كلاسيكياتها؛ نظرًا لضآلة حجم الكيانات الإنتاجية والحالة اللانظامية التي أدت لتفككها سريعًا.

عمليات الترميم لا تكتفي بالفائدة الثقافية، لكنها عملية تجارية في المقام الأول. مع عصر منصات البث الإلكتروني، والقنوات الفضائية المتخصصة، واستعارة نسخ الأفلام عبر الأسطوانات أو عبر النسخ الديجيتال، ظهرت الحاجة لسد احتياج السوق بمكتبات متنوعة من آلاف الأفلام، والآن نستطيع بسهولة مشاهدة فيلم من إنتاج الأربعينيات والخمسينيات بالجودة الفائقة 4K.


الميلودرامية

الكلاسيكيات غارقة في الميلودراما. البناء النمطي للقصص. أسلوب السرد الخطي المباشر.

كل ما سبق أفكار مغلوطة وشائعة حول سينما هوليوود القديمة، لدرجة أن مصطلح “كلاسيكي” أصبح يستخدم كثيرًا كمرادف لما هو معتاد ونمطي، بعكس المعنى الأكاديمي للكلمة “العمل الفني القادر على الصمود في وجه الزمن”. والحقيقة أن كل ما هو نمطي الآن كان في يوم ما طليعي وثوري على ما قبله، ثم فرض نفسه ليكون المعيار، ليس هذا الرد الوحيد.

بالطبع، ليست كل الكلاسيكيات تتبع أسلوب السرد الخطي، والدليل أفلام مثل المواطن كاين 1941 لأورسن ويلز، والقتلة 1946 لروبرت سيودماك، وعملية القتل 1956 لستانلي كوبريك. ويمكن التشكيك في إذا ما كان كازابلانكا 1942 نفسه فيلمًا خطيًا! وحتى في حقبة السينما الصامتة، ظهرت علامات لا خطية مثل شيرلوك جونيور 1924 لباستر كيتون.

وفي كل الأحوال، الخطية واللا خطية لا يمثلان معيارًا كافيًا للحكم على أنظمة الحكي في السينما الكلاسيكية. أرى أن المعيار الأهم هو جودة القصص، وتنوع الجونرات الفيلمية بحسبها، فهوليوود القديمة بمثابة سوبر ماركت للجونرات، حيث تواجدت أفلام العصابات، أفلام النوار، أفلام الرعب والفانتازيا، والرومانسيات الأميل للميلودراما. الكوميديا الصامتة بأقطابها، ثم الكوميديا الناطقة بمدارسها، وبعد الدراما الواقعية.لا ننسى الجونرا الأكثر أصالة والتي أبدعتها هوليوود من ثقافتها المحلية، وهي الويسترن أو أفلام رعاة البقر، ناهيك عن الأفلام الموسيقية والاستعراضية، بخلاف المخرجين ممن اخترعوا جونرات خاصة باسمهم مثل فرانك كابرا، وأخيرًا أفلام الحروب المعاصرة، والحروب التاريخية وعُرفت بالملاحم.

كل هذه النوعيات كانت تقدم بنسب متوازنة، لا يطغى نوع على الآخر، وهو ما نعاني منه الآن في سينما هوليوود المعاصرة المحصورة في جونرات الحركة والرعب والأبطال الخارقين والسلاسل.


هناك أسباب عديدة لتلك الفجوة بين العصرين، ومنها النظام الاقتصادي؛ فمع نهايات الستينيات آلت ملكية العديد من الاستوديوهات الكبرى إلى البنوك والمستثمرين، وهو ما يشرح كيف تحولت البوصلة الفنية إلى حالة من اللعب في المضمون، والاكتفاء باستنساخ التجارب الناجحة.

السبب الثاني أن الجيل الجديد من المخرجين تأثروا بموجات الثقافة المضادة في الستينيات، إضافة لتأثرهم بالمدارس السينمائية العالمية الأخرى، وقد اتسمت بهامش أكبر من التحرر والطليعية.

نعود لتهمة النمطية في هوليوود القديمة، الطريف أن بعض المنظرين اعتبروها نقطة قوة لا ضعف. هي ليست نمطية بل نظامية. في الخمسينيات كتب الناقد الفرنسي آندري بازان، وهو الملهم للموجة الفرنسية الجديدة، يقول:

ما يجعل هوليوود أفضل من كل شيء آخر، ليس فقط مستوى مخرجيها، بل الحيوية، ونوعا ما التقاليد في أبهى صورها. إن السينما الأمريكية تقدم فنًا كلاسيكيًا. لكن ماذا يمنعنا من أن نقدر أكثر ما يستحق التقدير فيها، وهو ليس مواهب الأفراد، بل عبقرية المنظومة. ذلك الثراء الكامن في تقاليد خصبة تستطيع استيعاب كل الصيحات الجديدة بداخلها

ما قاله بازان أكده فرنسوا تروفو لاحقًا بعد اهتزاز نظام الاستوديو في أواخر الستينيات، يقول:

السينما الأمريكية كانت تسعدنا رغم عبودية صناعها (يقصد التزامهم بنظامية الاستوديو)، لكن ماذا بعد أن تحرروا؟ منذ حينها أصبحت الأفلام رديئة!

في الجزء القادم من هذا المقال سنناقش مفاهيم أخرى خاطئة، هل جاءت القصص على حساب الأساليب الفنية؟ هل كانت هوليوود سينما محافظة فعلًا؟ وهل كان الأداء التمثيلي مسرحيًا ومبالغًا فيه؟


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك