أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور

أنوثة بري لارسن ونسويتها.. كيف أثرت على كابتن مارفل؟ | حاتم منصور

11 Mar 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من الطريف أن أفضل لحظات فيلم كابتن مارفل وأكثرها إثارة للمشاعر هي اللحظات التي تسبق بدايته، ويظهر فيها شعار شركة مارفل الشهير، مع صور متنوعة لفنان الكومكس ستان لي الذي ساهم في إبداع أغلب شخصيات هذا العالم.

هذه المقدمة الدافئة والضرورية لتأبين الراحل، باعتبار الفيلم أول عمل يُعرض بعد وفاته، لم يعقبها للأسف ما يليق بها، بل ويمكن القول أن كابتن مارفل هو أضعف أفلام عالم مارفل السينمائي، البالغ عددها حتى الآن 21 فيلمًا.

ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية

لماذا وكيف أصبح كذلك؟ الإجابة يمكن تلخيصها في خمسة عوامل رئيسية:

1- القصة:

القناعة السائدة حاليًا في هوليوود بعد عشرات الأفلام المقتبسة من أبطال الكومكس الخارقين، هي استبعاد السرد التفصيلي لقصة نشأة الشخصية، وظروف اكتسابها لقدراتها ومهاراتها. أو الـOrigin Story بالمصطلح الدارج في عالم الكومكس.

السبب الرئيسي هو تشابه هذه القصص وتكرارها، لدرجة تجعلها مملة عادة. وبالطبع تصبح مملة أكثر مع الشخصيات التي شاهدنا هذا بخصوصها عدة مرات سابقًا على شاشة السينما. هذه الملاحظة تفسر مثلًا ظهور باتمان وسبيدرمان منذ المشاهد الأولى في أفلامهما الأخيرة، على يد بن أفليك وتوم هولاند، بشخصياتهما البطولية مباشرة.

هنا مع شخصية تظهر للمرة الأولى على شاشات السينما، وأقل شهرة أيضًا وسط قراء الكومكس، احتاجت مارفل لمنظومة سرد توضح قصة نشأة الشخصية، وتتجنب في نفس الوقت فخ التكرار والروتينية.

القرار كان تقديمها منذ اللحظات الأولى كفتاة مشوشة الذاكرة، لا تعرف ماضيها، وصياغة السرد والصراعات طوال الفيلم، بحيث يتراكم أمامنا وأمام البطلة تدريجيًا ماضيها وقصة نشأتها، على غرار فيلم The Bourne Identity مثلًا.

نظريًا تبدو الفكرة حلًا جيدًا لامساك العصا من المنتصف، لكن التماسك والإحكام غابا عند التنفيذ، خصوصًا في النصف الأول. الأحداث تنتقل من مكان لمكان، ومن زمن لزمن، بشكل مشوش جدًا، والفيلم ينتهي دون خلق ترابط حقيقي بيننا وبين البطلة. هذه المشكلة لم تحدث نهائيًا تقريبًا لأية شخصية رئيسية سابقًا في عالم مارفل.

تجدر الإشارة إلى أن مارفل نجحت سابقًا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بنجاح في أول أفلام Guardians of the Galaxy. المغامرة تبدأ مباشرة والصراعات تتواصل، ومن خلالها نتعرف تدريجيًا على ماضي ودوافع وطباع هذه الشخصيات.

ديدبول ينعي نفسه ويصلح هوليوود في Deadpool 2

الأكثر غرابة في هذه السقطة لكابتن مارفل، أن مخرجا الفيلم (آنا بودن – ريان فليك) وهما زوجين بالمناسبة، اشتهرا بالأساس بتقديم أفلام جيدة غير مكلفة إنتاجيًا، وقوامها الأساسي شخصيات مُصاغة باتقان سينمائيًا مثل Half Nelson – It’s Kind of a Funny Story.

لا يعكس الفيلم استفادة تُذكر من هذه الخبرات، وهو ما يجعلنا نتساءل عن جدوى اختيارهما، خصوصًا أن خبراتهما العملية في المجال الآخر المهم هنا، وهو الأكشن والإبهار البصري شبه معدومة، وهو ما ينقلنا للمشكلة رقم (2).

2- الأكشن والمحتوى البصري:

يستعين الفيلم بالعديد من المبدعين والخبرات في أفلام مارفل السابقة، وعلى رأسهم مدير التصوير بين ديفيز الذي عمل سابقًا في Guardians of the Galaxy – Doctor Strange، ومصممة الديكورات لوري جيفين التي عملت في سلاسل Iron Man – Thor.

رغم هذا تبدو النتائج هنا إجمالًا أضعف مما اعتدناه على كافة المستويات. تصميم ومونتاج المعارك والمطاردات تحديدًا فقير جدًا، وأقرب لمسلسل تليفزيوني منه لفيلم هوليوودي ضخم، مع استسهال متواصل في تكرار تلك اللقطات التي تطلق فيها البطلة أشعة من يدها.

للإنصاف، لم تقدم مارفل طوال تاريخها محتوى بصريا مختلفا وطموحا، إذا استثنينا Guardians of the Galaxy – Doctor Strange لكنها على الأقل قدمت في أغلب أفلامها مشاهد أكشن ومطاردات مسلية ومستوى إتقان بصري غير موجودين هنا.

الأحداث تتحرك في نطاق زمني بين 1989 – 1995 ويقتبس الفيلم بعض معالمه واختياراته بصريًا من سلاسل الخيال العلمي القديمة الشهيرة، مثل مسلسل Star Trek. قد تكون هذه الاختيارات على بساطتها كتنفيذ، أظرف وأذكى لمسات الفيلم بصريًا، كعنصر يلامس النوستالجيا في شريحة متفرجين تشعر بحنين دائم لذكريات هذه الفترات، ومنهم كاتب هذه السطور.

لاحظ هنا الماكياج وأشكال الفضائيين المشابهة لسلسلة “ستار تريك”.

أما على المستوى التقني والتنفيذي، فالنقطة الوحيدة الإيجابية بصريًا هنا هى إعادة صامويل إل جاكسون – أو العميل نيك فيري باسمه في عالم مارفل – لسن أصغر يتناسب مع زمن الأحداث، بفضل الماكياج وتعديلات الجرافيك.

كشخص شاهد أغلب أفلام جاكسون في التسعينيات يمكن القول أن النتيجة هنا أكثر من ممتازة، وعالية المصداقية. هذا الوغد أو الـ Motherfucker نسبة إلى سبابه المفضل، عاد لسن أصغر فعلًا! والأهم أنه يسرق هنا بحضوره وخفة ظله، الأضواء من مشكلة الفيلم المأساوية الأكبر على الإطلاق، وهى بطلته.

3- بري لارسون

امتازت مارفل طوال تاريخها باختياراتها الموفقة جدًا على صعيد الممثلين، ابتداءً من النجم الواثق من نفسه روبرت داوني جونيور المناسب جدًا لدور توني ستارك المغرور، ووصولًا إلى الصعلوك خفيف الظل بول رود، المناسب جدًا لدور اللص التافة سكوت لانج. النتيجة دومًا (الممثل المناسب في الدور المناسب).

لكن لكل جواد كبوة، وكبوة مارفل جاءت هنا في الفيلم رقم 21 مع اختيار بري لارسون كبطلة للفيلم. لارسون ممثلة جيدة جدًا في الدراما، وفازت بالأوسكار سابقًا عن جدارة عن فيلم Room، لكنها لا تتمتع بخفة الظل المطلوبة لعالم مارفل السينمائي، وطبيعته الخفيفة المرحة. وتعاني هنا من سوء فهم للشخصية، يشاركها مسؤوليته فريق الإخراج.

10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020

الشخصية القوية الصلبة لا تعني بالضرورة شخصية متجهمة طوال الوقت. والمزيد من الجدية لا تعني بالضرورة مزيدًا من الحضور السينمائي أو الإقناع. أداؤها الممل المتصلب انطبع على الشخصية، لتصبح أكثر شخصيات مارفل الرئيسية مللًا حتى الآن. وفي كل مرة تتحرك الأحداث، لصياغة تصرف مرح أو نكتة على لسانها، تصبح النتيجة ثقيلة الظل.

معادلة الممثل المناسب للدور المناسب التي لم تتحقق في “كابتن مارفل”.

يُشاع أن الترشيحات للدور شملت سابقًا أسماءً مثل ناتالي دورمر وإيميلي بلانت، ولنا أن نتساءل عن مصير الشخصية والفيلم، مع بلانت تحديدًا، كممثلة صاحبة مهارات وحضور في ساحات المرح والكوميديا الخفيفة.

الأسوأ وأسوأ أن أضرار لارسون لم تنحصر على تمثيلها، لكنها امتدت للأسف لتشمل الحملة التسويقية للفيلم، بعد أن أكدت في عدة مناسبات أن الوسط النقدي والإعلامي المختص بتغطية أخبار ومراجعات الأفلام، يتضمن بالأساس ذكورًا وأصحاب بشرة بيضاء، وأنها غير مهتمة بمعرفة رأي ناقد أبيض البشرة في فيلم بطلته سمراء أو أنثى؛ لأن الفيلم في هذه الحالة لا يخصه.

أسوأ 10 أدوار في أفلام الأبطال الخارقين

لنا أن نتخيل على سبيل المقارنة، رد الفعل الوارد حدوثه إعلاميًا إذا ذكر نجم مثل كريس هيمسورث أنه غير مهتم بمعرفة رأي ناقدة سمراء في أفلام Thor؛ لأن الفيلم بطله ذكر أبيض، ولا يخصها!

هذه التصريحات وغيرها للارسون خلقت حالة من التحفز ضد فيلم كابتن مارفل وسط عديدين، ووصلت الأمور إلى حد إطلاق البعض دعوات لمقاطعته ومقاطعة بطلته باعتبارها كارهة للذكور. تنقلنا هذه الجزئية للمشكلة رقم (4).

تصريحات لارسون التي بدأت هذه الزوبعة.

4- الأجندات النسوية والسياسية المعاصرة في هوليوود.

يطول الحديث عن الإحباطات التي نتجت عن محاولة فرض هذه الأجندات على سلاسل وأفلام عديدة، دون نتائج جيدة. قد تكون أشهر هذه الحالات في السنوات الأخيرة هي محاولة تدشين سلسلة نسائية من طاردو الأشباح Ghostbusters عام 2016، وهي المحاولة التي أجهضتها هوليوود بسرعة، بعد الفشل التجاري للفيلم الأول.

المطب الأول لمارفل بسبب محاولات فرض الأجندة النسوية على أفلامها ظهر العام الماضي في Ant-Man and the Wasp وناقشناه في مراجعة هذا الفيلم، لمن يرغب في قراءة تفاصيله.

في كابتن مارفل تكتمل الأجندات والدروس بنفس الطريقة. كل شيء هنا محسوب بدقة لإرضاء هذه النزعات. الصديقة السمراء – العدو الحقيقي الذي نعرفه قرب النهاية – ضرورة الترحيب بالمختلفين، إلى آخره من دروس الوعظ الإنسانية والأخلاقية المكررة.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية

إجمالًا، لا توجد مشكلة في تطعيم هذه الأفلام برسائل ومضامين اجتماعية، لكن عندما يصبح كل شيء أقرب لواجب مدرسي ينسخه صناع كل فيلم بلا إبداع أو إتقان حقيقي، ويتكرر منهج محفوظ في طريقة اختيار الممثلين وبناء العلاقات بين الشخصيات، تصبح النتيجة النهائية معدومة التأثير وسطحية ومملة.

تنقلنا هذه الجزئية لسؤال أخر: هل يمكن صناعة فيلم جيد لبطلة خارقة، بحيث يلامس قضايا النسوية، دون إثارة هذه الزوابع والاستفزازات إعلاميًا وسينمائيًا؟ الإجابة نعم. حدث هذا بالفعل في:

5- Wonder Woman

إجمالًا، يبدو وندروومان الذي عُرض عام 2017 كعدسة مُكبرة تكشف كل عيوب كابتن مارفل. المقارنة بين الفيلمين ليست فقط منطقية، لكنها شبه إجبارية لعشاق أفلام الكومكس. كلاهما أول فيلم بطلته أنثى، في سلسلة سينمائية مترابطة. كلاهما أيضًا مصنوع في فترة وصلت فيها هذه النوعية لقمة توهجها جماهيريًا.

الفروق عديدة لصالح وندروومان، وتشمل ممثلة أنسب لدور البطولة (جال جادوت)، ومشاهد أكشن أقوى، وطابعًا بصريًا أكثر سحرًا وتميزًا. لكن الفارق الأهم من كل ما سبق، أن وندروومان يلامس الطبيعة الأنثوية لبطلته أكثر، وتتحرك أحداثه ببراعة على خلفية أن هذه البطلة مختلفة سلوكيًا ونفسيًا عن الرجال. حاول استبدال هذه الشخصية بذكر، وستجد أن الدراما والحبكة لم تعد تصلح.

البعض يفضلونها نسوية في The Favourite

حاول أن تفعل نفس الشيء مع كابتن مارفل، وستجد النتيجة مع بطل ذكر لا تختلف نهائيًا؛ لأن الفيلم في مشواره لتدشين بطلته الخارقة الأنثى، نسى تمامًا أنها أنثى!

هل تريد معرفة كابتن مارفل الآخر الخاص بشركة دي سي كومكس؟

كابتن مارفل هو الاسم الأصلي الذي بدأت به إصدارات الشخصية التي نعرفها الآن باسم “شازام” عام 1939، قبل أن تتحول في السبعينات لاسمها الحالي، بسبب نزاعات قانونية بين دي كومكس ومارفل.

النقطة الإيجابية المهمة الأخرى في وندروومان، أن النزعة النسوية للفيلم والشخصية لا تظهر بشكل منفر أو زاعق أو إقصائي للذكور، بل تظهر بشكل أكثر ذكاء مضمونه أن العالم سيصبح مكانًا أفضل للجنسين بالمزيد من المشاركة النسائية. هذا درس مهم لم تتعلمه بري لارسون للأسف من وندروومان، قبل صياغة تصريحاتها الإعلامية!

بري لارسون

على كلٍ، نجحت الخطة التسويقية في إقناع ملايين أن كابتن مارفل عمل ضروري للربط بين أفنجرز 3 الذي شاهدناه العام الماضي، وبين أفنجرز 4 أو Avengers: Endgame المنتظر عرضه في أواخر أبريل/ نيسان. وإن كان هذا الربط سيعاد توضيحه في أفنجرز 4 بالتأكيد. يستحيل أن يغامر صناع السلسلة بترك هذه الجزئية ضبابية للمتفرج الذي سيتجاهل مشاهدة كابتن مارفل.

كل شيء ولا شيء في “أفنجرز انفينيتي وور”

لنأمل فقط أن يكون سبب ضعف فيلم كابتن مارفل، هو تركيز صناع السلسلة على أفلام أفنجرز التي تم تنفيذها في نفس الفترة، وألا يرث Avengers: Endgame أيًا من العيوب القاتلة هنا.

شيء واحد فقط مهم جدًا أتمنى أن يرثه فيلم أفنجرز القادم من كابتن مارفل، وهو القط اللطيف جوس، الذي نجح رغم مشاهده القليلة جدًا في خلق مرح ومتعة لا تنتهي.

أو ربما من الأفضل أن نطلب فيلمًا مستقلًا كاملًا، بعنوان كابتن جوس. هذا القط المرح أثبت أنه أكثر استحقاقًا لهذه الفرصة من بري لارسون!

القط جوس

باختصار:

كابتن مارفل سيدخل التاريخ، باعتباره الفيلم الذي نجح لأول مرة فيما فشلت فيه مارفل على مدار 20 فيلمًا سابقًا. تقديم شخصية رئيسية مملة! لنأمل أن تكون أول وآخر مرة!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك