المخرج جوناثان ليفاين ونجم الكوميديا سيث روجن يجتمعان لثالث مرة في Long Shot ليكشفا من خلاله أعلى مراحل النضج التي وصلاها معًا.
الفيلم من نوعية الرومانسية الكوميدية، لكنه يتجاوز ذلك أحيانًا، ويقدم توظيفًا جيدًا لكثير من ظواهر الشأن العام السياسية والاجتماعية، دون تخصيص أو تفاصيل.
هناك مثلًا رئيس الولايات المتحدة الذي ستنتهي ولايته الأولى في 2020، لكنه ليس دونالد ترامب. ربما يتشارك بعض الصفات العامة مع الأخير، كالاستخفاف بقضية البيئة، وتعلقه بعالم الفن والشو بيزنس (Show Business). وهناك امرأة تترشح للرئاسة، لكنها ليست هيلاري كلينتون، بل نسخة محسنة وأكثر سينمائية من الأخيرة، ولعلها تحقق آمال الديمقراط الخائبة في مرشحتهم السابقة.
أبطال الحكاية هما الثنائي فريد (سيث روجن) وتشارلوت (تشارليز ثيرون)، تعارفا منذ سنوات المراهقة. تشارلوت كانت تعمل كجليسة منزل لفريد وتكبره ببضعة أعوام، لكن هذا لم يمنع انجذابه الجنسي لها. موقف محرج (ومضحك) قطع الأوصال بينهما بعد مرحلة المدرسة الثانوية، لكن الصدفة جمعتهما بعد أعوام عديدة.
هي الآن دبلوماسية على مشارف المجد بالترشح لمنصب الرئاسة الأمريكية، وتنال أعلى التقييمات الرقمية عن مهاراتها، ما عدا خفة الظل والحياة الاجتماعية.
وهو البوهيمي الذكي، والصعلوك المخلص، الذي سيكملها بخفة ظله وكتاباته السياسية الجريئة التي ستستخدمها في خطابات حملتها الانتخابية. وبخلاف التعاون المهني يحدث ما يوقظ العواطف القديمة.
الأول قصة الحب المستحيلة لعدم تكافؤ أطرافها ولتحديها نمطا اجتماعيا معينا يطبق بشكل أكثر صرامة على الشخصيات العامة.
أما المستوى الثاني والأعمق من الصراع فيتعلق بالقيم، حين تتصادم المبادئ الأخلاقية في شخصية الكاتب من جهة، مع المرونة والبراغماتية في شخصية السياسي من الجهة الأخرى، وهو صدام سينعكس آجلًا أو عاجلًا على المستوى الأول: قصة الحب.
على صعيد الرومانسية، بدا من الدقائق الأولى ولاء الفيلم لشكل العلاقات البسيط المنتمي لعقود أقل صخبًا من عقدنا؛ بتركيزه على النوستالجيا في نقاط مفصلية من الأحداث، مثل توظيف الأداء الغنائي لفريق Boyz II Men، وهي الفرقة الرائجة في سنوات مراهقة البطلين، بحيث يكون لقاؤهما الأول في عمر النضج أثناء حفلة لنفس الفرقة.
وبعد مشهد الممارسة الحميمية لأول مرة نسمع أداءً غنائيًا حديثًا للأغنية الرومانسية Moon River التي غنتها النجمة أودري هيبورن في الفيلم الرومانسي الكلاسيكي Breakfast At Tiffany’s.
وفي أحد مشاهد الرقص الرومانسي بين البطلين يختار فريد أغنية It MustHave Been Love لفرقة Roxette، وهي أغنية فيلم التسعينات الرومانسي Pretty Woman. ما سبق وغيره كلها إحالات تفيد نفس المضمون.
معظم الأفلام التي قدمت قصص حب بهذا النوع استقرت في النهاية على استنتاج بأن ذلك الوضع يهدد استقرار العلاقات، وهو على الأكثر أداة للمفارقة والكوميديا يجب دحضها في النهاية في صالح ميزان الرجل أو حتى الندية، عكس Long Shot الذي بدا صناعه أقل اعتذارية وهم يقدمون نموذجا لقصة حب جذابة شكلًا ومضمونًا يكون فيها الرجل هو الطرف الأضعف، دون شعور بالتنازل.
الكيمياء كانت قوية بين سيث روجن وتشارليز ثيرون، وعلى غير المتوقع جاءت على مستوى ثنائيات الروم-كوم في التسعينيات وبداية الألفية (عصر الروم-كوم الذهبي)، مع ملاحظة أن الفيلم لا يصنف تقليديًا ضمن أفلام “كوميديا السطل” التي اشتهر بها روجن. صحيح وجدت بعض اللمحات من أفلامه القديمة، ووظفت المخدرات في خدمة الكوميديا السياسية في بعض مشاهد تعيد للذاكرة فيلم The Interview لكن إجمالًا فقد يكون هذا أقل أفلام روجن الكوميدية من حيث جرعات الضحك، لكنه حتما أكثرهم اتزانًا وحميمية.
عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت
عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد .. القصة والأسلوب شيء واحد (جزء 2)| أمجد جمال | دقائق.نت
عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال
الرسالة السياسية للفيلم ظهرت محيدة. لم نعلم الكثير عن هويات الشخصيات السياسية وعلى رأسهم الرئيس الحالي، حتى وإن كانت الرسالة تميل أغلب الوقت ناحية القبلة اليسارية، الممثلة في قضايا البيئة والمناخ وسيطرة رؤوس الأموال على الأبواق الإعلامية لتوجيهها في الدعاية اليمينية. إضافة لتأكيد على فكرة أن المرأة تصلح كرئيس جمهورية لقوة عظمى كالولايات المتحدة، وكلها أفكار تميل للمعسكر اليساري الديمقراطي.
لكن النبرة السياسية لم تكن زاعقة أو منفرة للمشاهدين من الخصوم السياسيين، بل وظفت بخفة ظل ونقد ذاتي لليسار، وتوازن في كيل التهم.
في أحد المشاهد يبدي فريد اندهاشه حين يعلم بانتماء صديقه للحزب الجمهوري؛ لمجرد أن الصديق من أصول أفريقية، هنا يكتشف أن مغالاته جعلته الطرف العنصري بالمعادلة، وهو واحد من أفضل مشاهد الفيلم، ويساهم في عملية تطور شخصية فريد؛ تطور ينعكس بشكل ما على تشارلوت وعلى الخط الرومانسي من الفيلم بوجه عام.
في المشهد الأول من الفيلم يخترق بطلنا مقرًا سريًا لمجموعة متطرفة من النازيين الجدد ليكتب تقريرًا صحفيًا عنهم. تجبره الجماعة على رسم وشم بعلامة النازية (الصليب المعقوف)، لكنهم يكتشفون حقيقته قبل اكتمال رسم النصف الثاني من الصليب. ومع مرور الأحداث يكمل فريد الوشم بوجه كارتون ضاحك يتخذ شكله النهائي مع الأحداث فيعتم على شكل الصليب الرجعي لصالح معنى آخر أكثر تقدمية.
تلك التفصيلة بجانب أبعادها الكوميدية الممتازة، تمثل البراعة الرمزية في تلخيص مورال الفيلم وموقف القصة من مفهوم التطرف والمغالاة لأي تيار فكري، فحتى من يظن أنه يحارب النازية لصالح قيم نبيلة قد يتحول لنازي مع مرور الوقت إن لم ينتبه ويصحح مساره.
GREEN BOOK.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية | حاتم منصور
10 سنوات على توم وسمر.. من الظالم والمظلوم؟ | أمجد جمال | دقائق.نت
ما سبق جزء من حوار يدور بين فريد وتشارلوت، على خلفية تكليفه بكتابة خطابات حملتها الانتخابية. في محاولة لتقمص عقليتها والتحدث بلسانها يسألها عن اهتماماتها، عما تسمع وتشاهد وتقرأ. وفي نفس المشهد إحالة أخرى مماثلة عن سلسلة أفلام مارفل.
بقصد أو بدون، فالإجابة لم تعبر عن شخصية تشارلوت فحسب، بل شخصت بدقة حال عالم الترفيه والثقافة الجماهيرية في عصرنا، وحددت موقع Long Shot بين غيره.
الإجابة شخصت عصر الأعمال الفنية التي تكتسب معظم شعبيتها من ثقافة التريند والحالة الجماهيرية التي تجبرنا على متابعتها لأن هناك من يثيرون الصخب بحبهم لها، مقابل أعمال أخرى لا تقل انتشارًا، لكنها أقل شهرة. نشاهدها لأننا نحبها؛ هي متعنا المذنبة التي لا تحطم الأرقام القياسية للإيرادات، ولا تحظى عادة بالجوائز أو الإجماع النقدي، وغالبًا ما تكون من فئة الرومانسية الكوميدية مثل Long Shot. الفئة التي ظللنا نشاهدها في السر حتى ظن المنتجون أنها لم تعد مرغوبة، فكادت تتوقف خطوط إنتاجها عن دور العرض. ولولا هجرتها بأعداد كبيرة إلى نتفليكس – باعتبارها الفئة المنزلية من السينما – لانقرضت الجونرا تمامًا.
محاولات فردية كل عام تحاول كسر هذا الحال. في العقد الحالي لم يترك فيلم من هذه النوعية بصمة كبيرة كالعقود السابقة، وربما لن يكون Long Shot استثناءً، لكنه بلا شك يأتي بين أفضل ما قدمته تلك الفئة. وبأي اعتبار هو فيلم يقدم كل ما يَعِد به، وكل ما يريده المتلقي من فيلم رومانسي كوميدي مخصص لصالات السينما لا لنتفليكس.
BIRD BOX.. ظاهرة سينمائية أم مجرد فقاعة؟ | أمجد جمال | دقائق.نت
ROMA.. ذكريات “كوارون” المشوشة تضع نتفليكس في مشهد الجوائز