تأثير ترامب العابر للحدود في Sicario Day of the Soldado

تأثير ترامب العابر للحدود في Sicario Day of the Soldado

10 Jul 2018
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

التوقيت هو كل شيء

أحيانًا تلعب الصدف لعبتها، ويصبح توقيت عرض فيلم ما هو العنصر الرئيسي الذي سيحدد طريقة استقباله إعلاميًا، بناءً على ظروف وعوامل لا تخصه، ولم تخطر أصلًا على بال صُناعه وقت تحضيره وتنفيذه.

فيلم Sicario: Day of the Soldado نموذج جيد لهذه الحالة. بعد أن تزامن عرضه مع موجة هجوم إعلامية جديدة على ترامب وإدارته، بسبب لوائح التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين. خاصة لوائح فصل أطفال المهاجرين عن أهلهم على الحدود الأمريكية المكسيكية، والموجودة بالمناسبة من قبل توليه الرئاسة.

فجأة أصبح من العادي تصنيف الفيلم كعمل عنصري يميني بغيض، يقف لمساندة جبهة ترامب، لأن أحداثه تتعلق أيضًا بالحدود الأمريكية، وبمواجهة أخطار المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك. والطريف هنا أن أغلب صناع الفيلم أصلًا يساريو النزعة والتوجهات بشكل معلن، ومعادون لترامب، في موقف آخر يوضح لنا درجة العبث والهستيريا التي وصلت لها التيارات المعارضة والميديا الأمريكية حاليًا!

عناصر تميز الفيلم السابق

الفيلم الأول Sicario دارت أحداثه عن صراع بين الأجهزة الأمنية الأمريكية وأباطرة تهريب المخدرات المكسيكيين، وأعتبره ضمن أهم أفلام 2015 بفضل أربعة عناصر بالأساس. أولها الاخراج الممتاز للكندي دوني فيلنوف، الذي نجح في شحن الفيلم بشد عصبي طوال ساعتين، وبمشاهد ترقب يصعب نسيانها. أخص بالذكر مشهد التربص وتبادل الرصاص وسط زحام السيارات تحديدًا، كنموذج لما يمكن أن يصنعه مخرج متمكن، بحيث يصبح التمهيد للمعركة لا يقل تشويقًا عن المعركة نفسها.

الدولة العميقة ضد ترامب في الولايات المتحدة.. الأكذوبة الحقيقية | محمد زكي الشيمي

السبب الثاني كان بصمة روجر ديكينز مدير التصوير، والراحل يوهان يوهانسون مؤلف الموسيقى التصويرية. كلاهما أضاف للفيلم الكثير، واستحق عن جدارة ترشيح الأوسكار الذي ناله. شريط الموسيقى بالمناسبة لم يتبع السائد وقتها في هوليوود لهذه النوعية، لكنه أصبح لاحقًا قيد التقليد والاستنساخ في عشرات الأفلام الأخرى.

السبب الثالث هو الخط الدرامي للسيناريو، ومعضلة الشك والأسئلة الأخلاقية التي تتعاقب على البطلة والمتفرج سويًا تدريجيًا. بفضل هذا الخط انتقل الفيلم من خانة فيلم الأكشن والتشويق الهوليوودي المتقن، إلى خانة فيلم الأكشن والتشويق ثقيل الوزن، الذي يطرح أيضًا أسئلة ذكية وفلسفية.

السبب الرابع كان الأداء التمثيلي لـ(إيميلي بلانت – جوش برولين – بينيسيو ديل تورو). الثلاثي الذي أضاف مصداقية وحضورا للشخصيات، وساهم في تجاوز أى ثغرات سرد.

ميراث الفيلم الجديد

للأسف لا يرث الفيلم الثاني أغلب هذة العناصر. مخرج الفيلم الإيطالي ستيفانو سوليما زار عالم الجريمة المنظمة بانتظام سابقًا في مسلسلات Suburra – Gomorrah ويقدم من وقت لآخر مشاهد دراما جيدة. لكنه عاجز هنا عن اللحاق بالحس السينمائي الحاد واللاهث لفيلنوف، عندما تتعلق الأمور بمشاهد الترقب والتسلل والمواجهات.

نفس الشيء يمكن قوله عن الموسيقى، وعن مدير التصوير داريوس ولسكي، الذي حافظ على نفس الطبيعة البصرية واللونية للفيلم السابق، دون أن يقدم بها مشهدًا واحدًا مميزًا يصمد للمقارنة. وجاءت الخسارة الأكبر والأهم بسبب غياب بطلة الفيلم الأول، ومعها معضلة الأسئلة الأخلاقية، والنزعة الرمادية للفيلم ككل، ليحل محلها هنا نزعة أبيض وأسود هوليوودية تقليدية.

في المقابل لا يزال الثنائي (جوش برولين – ديل تورو) في أفضل حالاته. برولين ذو الحضور الذكوري، لا يقدم هنا شخصية تصمد في الذاكرة، بنفس درجة الفيلمين السابقين الأجود له هذا الصيف (أفنجرز 3 – ديدبول 2). لكنه يقدم المطلوب وأكثر على ضوء مساحة وحجم الشخصية في الأحداث.

اقرأ أيضا: كل شيء ولا شيء في “أفنجرز انفينيتي وور”

ديل تورو يلمع أكثر بالمقارنة، لأن أحداث الفيلم تسمح له بمساحة تأثير أعلى وأهم. ومن جديد يظل دومًا كممثل في أقوى حالاته، عندما لا يتحدث ويترك لحضوره المغناطيسي، وانفعالاته المكتومة السيطرة على المشهد. هذا تحديدًا ضمن ثوابت شخصيته هنا.

المنقذ

حتى عندما تتوجه الحبكة بدون تمهيد كافٍ، لتقديم ما يتعارض مع الطباع القاسية والوحشية للشخصية في الفيلم الأول – والتي تضمنت مثلًا لتنشيط الذاكرة قتل أطفال على سبيل الانتقام من ذويهم – يظل ديل تورو العنصر المنقذ للسرد والتغيرات، والعامل الكفيل بتجاوز بعض هذه الثغرات.

رغم هذا يظل الفيلم إجمالا خطوة للخلف في مشوار تايلور شريدان كسيناريست، على ضوء ما قدمه سابقًا سواء في الفيلم الأول، أو في فيلميه الأخيرين Hell or High Water – Wind River.

اقرأ أيضا: سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

في كل هذه الأعمال فرض نفسه على الساحة كسيناريست جديد مهم، ونجح في صياغة شخصيات وقصص، أساسها صراع دموي وغير أخلاقي بين مواطنين ومؤسسات في الدولة. صراع لا يخلو من أسئلة عن حتمية استخدام العنف، أو حتمية مواجهة العنف بعنف مضاد، أو حتمية الحلول غير القانونية. هنا يبدو الأمر كما لو كان يحاول أن يستثمر نجاح الفيلم الأول دون إضافة ملموسة.

هل توجد فعلا نزعة عنصرية؟

السيناريو يستعرض محاولة من السلطات الأمريكية لإشعال حرب بين أباطرة وعصابات تهريب البشر من المكسيك وبعضهم، عملًا بسياسة “فرق تسد”. بسبب هذة الحبكة ترتكز أغلب الشخصيات المكسيكية لطابع إجرامي، ويسهل بالطبع إلقاء التهم على الفيلم، باعتباره يروج للصورة النمطية السلبية عن المكسيكيين.

لكن وسط هذة الحبكة الدرامية المقبولة أصلًا في حد ذاتها لعمل درامي دون تصويب أو تبرير، توجد شخصيات مكسيكية تقدم العكس في الفيلم. شخصيات لن يتعرض لها بالطبع رواد ترويض السينما والفن والنقد، لمواكبة أجنداتهم السياسية للمرحلة.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎ | حاتم منصور

بقي أن أذكر أن شريدان أعلن سابقًا عقب نجاح الفيلم الأول، أن خطته تشمل تقديم ثلاثية سينمائية، تتواصل فيها الأحداث على الحدود الأمريكية المكسيكية. في انتظارنا إذًا مشروع جزء ثالث، خصوصًا أن الجزء الثاني موضوعنا هنا، نجح رغم كل الاعتراضات – أو ربما بفضلها كدعاية مجانية – في تحقيق افتتاحية مبشرة تجاريًا.

الآن مع زيادة الحساسية بخصوص السلسلة وموضوعها، سيكون من المثير مشاهدة ما ينوي تقديمه في الفيلم الثالث حال صناعته فعلًا. الحل السهل الكلاسيكي هو كتابة حبكة درامية، ضحاياها مهاجرون من المكسيك، ومجرموها رجال أمن من أمريكا. وقتها سينال ربما صكوك الغفران من الإعلام اليساري الأمريكي، ومعها شهادة موثقة بعبقريته السينمائية، أيًا كان مستوى الفيلم!

باختصار:
جزء ثانٍ أخر من هوليوود لا يخلو من مزايا سينمائية ملحوظة، على رأسها أداء الذئب بينيسيو ديل تورو. لكن يسقط سريعًا بالقاضية، بسبب المقارنة الحتمية مع الأصل.

 

SaveSave

SaveSave

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (3)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك