يحظى الخلاف بين إثيوبيا ومصر باهتمام أكبر من الصحافة، لكن بناء السدود على النيل الأزرق في ظل غياب أي تنسيق أصبح هو القاعدة وليس الاستثناء لأديس أبابا.
تهدد الإجراءات الإثيوبية أحادية الجانب بشكل منهجي سبل العيش والاستقرار، ليس فقط في مصر والسودان، ولكن أيضًا في الصومال وكينيا.
إثيوبيا رواغت مصر والسودان على مدار سنوات، وتهدد الآن بتدمير بحيرة كينية على قائمة اليونيسكو، وسدودها قد تدخل الصومال في مجاعة وتنشر بها الأمراض.
هذا النهج موجود لدى إثيوبيا منذ عدة سنوات، لكن رئيس الوزراء أبي أحمد ركز عليه ليستغله في تعزيز صورته كزعيم قومي. مستغلا موقعه الاستراتيجي في ظل تحول القرن الإفريقي بالنسبة للولايات المتحدة إلى منطقة محورية بديلة.
فإلى مزيد من التفاصيل عبر:
س/ج في دقائق
كيف تعاملت إثيوبيا بمراوغة في قضية مفاوضات سد النهضة؟
بموجب القانون الدولي العرفي، فإن الدول التي تخطط لإنشاء سدود أو تحويلات على الأنهار التي تعبر الحدود الدولية عليها إخطار تلك الدول التي تتشارك معها النهر بمشاريعها المخططة والتشاور معها بشأن مواصفات التصميم.
ومع ذلك، فإن إثيوبيا استغلت ثورة المصريين في 25 يناير 2011، وشرعت في بناء سد النهضة، ثم وافقت في 2013 تحت ضغط على السماح لفريق خبراء دولي، ثم استمرت في بناء السد، حتى تم عقد اتفاق في 2014 بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريم ديسالين، لكن هذه المبادرة فشلت، لرفض إثيوبيا القبول بأي مستشار دولي.
في مارس 2015، حاولت القاهرة والخرطوم مرة أخرى وحصلتا على اتفاق من أديس أبابا بشأن إعلان مبادئ لتسريع استكمال الدراسات والاتفاق على مبادئ توجيهية تحكم كلا من ملء سد النهضة وتشغيله، لكن الدبلوماسيين الإثيوبيين عطلوا الاجتماعات اللاحقة حتى عام 2020، وعندما بدأت إثيوبيا في ملء السد، فعلت ذلك من جانب واحد.
من الناحية النظرية، قد تحل الدبلوماسية الخلافات حول السد وتضع بروتوكولات لتقاسم المياه، لكن حكومة إثيوبيا تصرفت بأحادية وعرقلت الدبلوماسية من أجل خلق أمر واقع، وهي بذلك تهدد 98% من المصريين، وتدفع في طريق تضييق الخيارات أمام مصر لتقتصر على الحل العسكري.
قامت إثيوبيا بتدشين سدود جلجل جيبي على حوض نهر أومو، دون التشاور مع كينيا.
هذه السدود أثرت على حوض نهر أومو وعلى شلال جيب، وخفضت مستوى المياه في بحيرة توركانا، التي تعد أكبر بحيرة صحراوية في العالم والمدرجة في قائمة اليونسكو، وفاقمت الجوع والصراع في المناطق المحيطة بسبب قلة الأسماك في البحيرة وحوض النهر.
مع اكتمال هذه السدود قد تختفي البحيرة، وتتكرر كارثة بحر آرال في آسيا الوسطى- الذي قارب على الاختفاء بسبب سد روسي- مرة أخرى في شرق إفريقيا.
وماذا فعلت إثيوبيا مع الصومال؟
اتخذت إثيوبيا إجراءات أحادية الجانب بشأن احتجاز مياه نهري جوبا وشبيلي اللذين يعتبران من المصادر الرئيسية للمياه العذبة في جنوب غرب الصومال، حيث تعتمد عليهما في توفير 80% من المياه.
كانت التأثيرات على الصومال مضاعفة، حيث أن منع إثيوبيا تدفق شبيلي قوض التنمية الاقتصادية في المنطقة بتبوير الكثير من الأراضي، وكذلك فإن إلقاء القمامة في قاع النهر الجاف، يهدد بتسميم مناطق المصب عند استئناف المياه.
وفي الوقت نفسه، تهدد مشاريع الطاقة الكهرومائية الإثيوبية على نهر جوبا الأمن المائي والغذائي في الصومال.
ولماذا لا تتشاور إثيوبيا مع جيرانها؟
غالبًا ما يستقطب الخلاف بين إثيوبيا ومصر الصحافة الدولية، لكن الحالات التي تؤثر على كينيا والصومال تظهر أن نمط تحدي إثيوبيا للمعايير الدولية يتعمق أكثر، ويجادل المسؤولون الإثيوبيون بأنهم يستطيعون اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في حالة عدم وجود اتفاقية دولية، لكن هذا يتعارض مع المعايير الدولية، التي تتطلب التشاور المسبق مع الدول المشاطئة.
في حين أن الهيمنة المائية لإثيوبيا بدأت قبل تولي رئيس الوزراء آبي أحمد، فإن الإخفاقات المحلية المتزايدة دفعته إلى مضاعفة التحدي والعناد الإثيوبيين، لأن هذه الطريقة تساعده في تقديم نفسه على أنه قومي، وهو سبب قيامه أيضًا بمهاجمة الولايات المتحدة بشكل متزايد من خلال الادعاء بأن الوساطة الأمريكية أدت إلى قيود غير عادلة، وقيود على السلطة، واستعمار من الباب الخلفي.
بينما يعمل أبي على محاولة إضفاء الطابع المركزي على إثيوبيا وتدمير الفيدرالية، فإنه يسعى أيضًا إلى التصرف كقوة استعمارية باستغلال دول حوض نهر النيل وكينيا والصومال.
تقول ناشيونال إنترست إن سكان إثيوبيا وشرق إفريقيا يرون آبي رجلًا يخاطر بتعزيز الأنا بالتوسع الإثيوبي، وأنه قد حان الوقت لأن تراه الولايات المتحدة والعالم الغربي وجامعة الدول العربية والديمقراطيات الأفريقية بنفس الطريقة وتعامله وفقًا لذلك.