سد النهضة (1) | نقاط قوة إثيوبيا في نزاع النيل ضد مصر | محمد زكي الشيمي

سد النهضة (1) | نقاط قوة إثيوبيا في نزاع النيل ضد مصر | محمد زكي الشيمي

18 Mar 2020
الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في 3 فبراير 2011، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق ميليس زيناوي أمام البرلمان الإثيوبي إن بلاده قررت بناء سد ضخم على النيل الأزرق. تلك اللحظة التي جاءت في خضم الأزمة السياسية في مصر، شكلت بداية التحول في سياسة إثيوبيا بخصوص مياه النيل، من محاولة الهجوم على استحياء إلى الهجوم الصريح لانتزاع ما تعتبره حقًا، والذي استكملته في أبريل من نفس العام بوضع حجر الأساس للمشروع.

اتفاقات تاريخية

إرهاصات النزاع بدأت قبل ذلك بسنوات، وأخذت اتجاهًا تصعيديًا منذ مايو 2009، عندما اتفقت عدة دول بحوض النيل على تفاصيل مشروع الاتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل (اتفاقية عنتيبي لاحقًا) التي تحفظت عليها آنذاك مصر والسودان.

لكن، للنزاع حول مياه النيل جذور تاريخية واتفاقيات مختلفة بين دول حوض النيل وبين القوى الاستعمارية الغربية، أو بين أطراف تنتمي إلى أحد الطرفين فقط. تمتد إلى عام 1891، حين اتفقت بريطانيا وإيطاليا على عدم إجراء تحويلات لمسار نهر عطبرة تؤثر على تدفقه نحو النيل، ثم اتفاق 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا على عدم قيام إثيوبيا بإنشاءات على النيل الأزرق بغير موافقة بريطانيا (كممثل عن السودان)، واتفاق 1906 بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للالتزام بحفظ المصالح المصرية والبريطانية (كممثل عن السودان) في حوض النيل.

ثم اتفاق 1925 بين بريطانيا وإيطاليا، ثم اتفاق 1929 (تبادل رسائل دبلوماسية بين مصر وبريطانيا يحدد حصة لمصر بـ 48 مليار متر مكعب) ثم اتفاق 1959 مع السودان الذي أضاف لحصة مصر من مياه النيل فيما يتعلق بإنشاء السد العالي وتكون بحيرة ناصر لتصل إلى 55.5 مليار متر مكعب، ثم اتفاق 1993 بين مصر وإثيوبيا الذي تضمن عدم الحاق أي ضرر ملحوظ بمصر.

إلا أن المهم في تاريخ 3 فبراير 2011 أنه يعكس الاستراتيجية الإثيوبية في إدارة الصراع بوضوح، وأسباب إصرارها على التعنت، كما يعكس المشاكل التي واجهت وتواجه مصر، ويفسر كثيرًا من السياسات التي اتبعتها في السنوات الماضية.

أوراق قوة إثيوبيا

أوراق القوة الإثيوبية واستراتيجيتها قامت على:

1- تصعيد النغمة الوطنية في الداخل، واعتبار السد مسألة سيادة تتعلق بإثيوبيا.

2- استغلال فرض القوى الاستعمارية للاتفاقات السابقة، أو الاختلاف بين نسختها الإنجليزية والأمهرية، أو أن إثيوبيا لم تكن طرفًا فيها أو لم تصدق عليها برلمانيًا (مع التركيز هنا على وضع المصري مع المستعمر في صف واحد في الرأي العام الأفريقي ولو حتى باستخدام فوارق جينية مثل لون البشرة).

3- استخدام تجاوز اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام الموارد المائية الدولية لغير أغراض الإبحار 1997 لاتفاق هلسنكي 1966 الذي يعترف بالحقوق التاريخية للدول، حيث نصت على استغلال عادل للمياه داخل مناطق سيادة كل دولة بحرية، بشرط عدم الحاق ضرر ملموس ببقية دول الحوض.

4- استغلال حقيقة أن إثيوبيا قد أقامت بالفعل سدودًا قبل ذلك على النيل الأزرق، ولم تستند مصر لوثائق قانونية لمنعها، بما يعني ضمنيًا أن مصر تدرك أن النزاع القانوني في هذا الشأن قد لا يضمن لها حقوقها. إثيوبيا أسست سد فنيشا عام 1973، ثم سد تكزة في 2009، ومشروع تانا بيليس الذي تضمن خمسة سدود عام 2010، وكلها مشروعات لتوليد الطاقة الكهربية. وفي مرة، سواء نجحت المشروعات أو لم تنفذ، كان رد الفعل المصري هو الضغط على الحكومات الأوروبية التي تعمل حكوماتها في هذا المشروع أو البنوك الممولة كبنك التنمية الأفريقي (الذي أعلن بالفعل عام 1990 أنه لن يمول مشروعات من هذا النوع مجددًا) وبالتالي فإن مصر تعتمد على الضغط أو التهديد بأكثر مما تعتمد على أوراق قانونية بها ثغرات قد ينفذ منها الخصوم بسهولة.

5- الحديث عن تقييد مصر لطموحات دول الحوض في التنمية لإقناعهم بالاصطفاف إلى جانب إثيوبيا باعتبار أن السد سيفيد في إمداد هذه الدول بالكهرباء، كما أنه سيفيد على المدي الطويل في خلق وضع قانوني تتحرر فيه هذه الدول من أي التزامات تجاه مصر.

سد النهضة، بإنتاج 6,000 ميجاوات من الكهرباء، يعني أن إثيوبيا لن تستهلك كل هذا الإنتاج، بل ستبيعه لجيرانها لتحقيق فائدة مشتركة. وفي حين أن إنتاج الكهرباء في مصر هو ضعف الإنتاج الإثيوبي رغم تقارب عدد سكان البلدين (سكان إثيوبيا أكثر قليلًا)، وبالتالي يحق لإثيوبيا استغلال الموارد داخل حدودها لإنتاج الكهرباء ومحاربة الفقر.

6- الحديث عن استغلال مصر لأكبر حصة من مياه النيل رغم كونها دولة المصب لتحييد أكبر عدد من دول الحوض في النزاع، فتقارير مبادرة حوض النيل تقول إن مياه النيل 82.2 مليار متر مكعب، وإن مصر تسحب منها 66 مليار متر مكعب سنويًا بما يتجاوز حصتها المقدرة بـ 55 ونصف مليار متر مكعب وبنسبة تتجاوز 80% من مياه النهر ككل، بينما يسحب السودان حوالي 17%، وبالتالي يترك البلدان لبقية دول الحوض أقل من 3%. وبمقارنة ذلك مع سكان الحوض البالغين حوالي 500 مليون نسمة، فإن نسبة المصريين حوالي 20% فقط من سكان الحوض، بينما لا تزيد نسبة مصر من مساحة الحوض عن 10%.

7- استغلال ثقل إثيوبيا في أفريقيا باعتبارها مقر منظمة الوحدة الإفريقية وأحد أكبر الكتل السكانية في القارة في خلق شعور عام لدى الأفارقة بالتعاطف.

وأخيرًا: اتباع سياسة التسويف والتأجيل والدراسات، وكلما كانت النتائج تستدعي الوصول لاتفاق، كانت تؤجل الموضوع، مع الالتزام بالكلام المعسول باستمرار، حيث تؤكد دائمًا أنها لا تنوي الإضرار بالمصالح المصرية دون أن تلتزم أو توقع على التزام بحصص معينة أو مدد معينة لملء السد.

تمتلك الاستراتيجية الإثيوبية إذن نقاط قوة بالفعل وبالتالي فإن الاستراتيجية المصرية كان ينبغي أن تمر بين حقول الألغام التي ستنتج عن نزاع من هذا النوع، في المقال القادم سنمر أولًا بمجموعة وقائع تاريخية، ثم نعرض الاستراتيجية المصرية.


خطايا حسني مبارك السبع.. دروس للمستقبل من الماضي القريب | هاني عمارة

إثيوبيا | جوهر محمد وآبي أحمد – الصداقة التنافس الخصومة تراجيديا إثيوبية | س/ ج في دقائق

س/ج في دقائق: سد النهضة لن يرى النور قريبًا.. هل حمل الإعلام التصريح أكثر من معناه؟

من حلايب إلى سد النهضة: الغموض يهزم الوضوح في علاقة مصر والسودان

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك