سهران (2) | تحليل شامل لأغنيات ألبوم عمرو دياب الجديد.. هل يكرر نفسه؟| أمجد جمال

سهران (2) | تحليل شامل لأغنيات ألبوم عمرو دياب الجديد.. هل يكرر نفسه؟| أمجد جمال

2 Mar 2020

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المهمة دائما كانت أصعب على عمرو دياب لأنه مطرب “بوب”. موسيقى مفترض أن يسمعها كل الناس، باختلاف الأعمار والمستوى التعليمي والطبقي؛ أي أنه بالتعريف عليه التنازل لتقديم ما يرضي الجميع، وفي الوقت نفسه عليه ألا يتنازل عن ذوقه وأسلوبه واهتماماته، لأنها تمثل الشيء الحقيقي في مشروعه.

نعم، مشروع عمرو دياب مشروع فني موسيقي حقيقي والسبب أن عمرو لم يكن وافدًا على النوع الذي يغنيه، أو قلّد فيه من سبقوه أو ساير الموجة، بل هو من خلق الموجة، فهو مشارك في تأسيس موسيقى البوب المصرية المعاصرة، ومسؤول رئيسي عن النقلة الثانية تحديدا بهذه النوعية، لو اعتبرنا أن  النقلة الأولى كانت موسيقى “الجيل” أو المقسوم لحميد الشاعري التي بدأت في الثمانينيات وكان عمرو جزءًا من تيارها، فالمؤكد أن النقلة الثانية جاءت بألبومات عمرو دياب في أواخر التسعينيات ومطلع الألفية. لتصير بعدها الموسيقى – بفضل عمرو دياب والموزع طارق مدكور – أكثر تقاربًا مع موسيقى السواحل ومنطقة غرب المتوسط وجنوب أوروبا، أكثر انفتاحًا على التقنيات الإلكترونية، دون انسلاخ عن ملامح الموسيقى العثمانية (التخت).

لذلك، فمن غير الدقيق وصف ما يقدمه دياب بالتكرار، لأنه لا يقدم شيئًا واحدًا، بل يقدم كل التنويعات التي سبقت، القماشة التي صنعها بنفسه أوسع بكثير من أن تختزل في إيقاع واحد أو شكل أو آلة أو مقام موسيقي. التطور الذي يقدمه عمرو دياب لا يتوقف، لكنه تطور في نطاق عمرو نفسه.

عمرو دياب.. الحُب وَحدهُ يَكفي جدًا

مهرجان

وكما عودنا في ألبوماته السابقة هناك مرجع لكل أغنية يغنيها، أحيانًا يصرح عمرو في لقاءاته بهذا المرجع، فيقول أن حبيبي يا نور العين كانت التطور الموسيقي لـ “ويلوموني”. وهناك “أديني رجعتلك” التي يعتبرها تكملة لـ “وهي عاملة إيه دلوقت”. ولدينا “كلهم بيقولوا كدا في الأول” التي يعتبرها عمرو التطور لـ “كان طيب كان حنين”، والاثنان كانا مرجعين لأغنيات في ألبوماته التالية، وفي ألبومه الأحدث هذا التطور كان عنوانه “مهرجان” .. خلطة لم تفشل أبدًا،  أغنية مقسوم شرقي مع لحن بسيط وكلمات ساخرة لاذعة تهجو حبيبا سابقا يكتبها الشاعر أيمن بهجت قمر، ذلك ليس تكرارا بل خطا إنتاجيا لا تتجاوز مساحته أغنية واحدة في كل ألبوم.

بالمناسبة لا أتفق بأن كلمة “مهرجان” في الأغنية مقصود بها الإحالة للنوعية الموسيقية الشعبية، وإن استفادت الأغنية قطعًا بهذا الربط في انتشارها بين الجمهور باعتباره إيفيه متناغما مع تريند هذه الأيام.

ظني أن أيمن بهجت لم يقصد بمهرجان أكثر من إقامة احتفال كبير على شرف نهاية علاقة كانت عبئًا على طرفيها. وتميزت الأغنية بعبارات أجرأ من قاموس عمرو دياب المتحفظ، تحديدًا “ما تشيلش همّي موجود مرمّي”، وهي عبارة لا يصيغها بتلك الرشاقة سوى أيمن بهجت قمر، فبرغم سوقيتها المفرطة تناغمت مع ما حولها واختزلت أعمق مراحل اللا اكتراث.

بنت الجيران.. أغاني المهرجانات تكسب شوطًا فنيًا جديدًا | أمجد جمال

عم الطيب

“عم الطبيب” سيحيلها المستمع تلقائيًا لأغنية “رصيف نمرة 5″، فالأغنيتان من ألحان عمرو دياب، يحكيان قصصا قابلة للتأويل من قلب الشارع والحارة المصرية، “عم الطبيب” من كلمات صابر كمال (مؤلف ملطشة القلوب) وتوزيع رامي سمير (موزع 3 دقات). ورغم أن للأغنية مرجعت مألوفا كما ذكرنا بدت هي الأكثر طزاجة في ألبوم “سهران”؛ تأكيدا على أن المرجع لا يعني بالضرورة التكرار بمعناه السلبي.

تخلى عمرو دياب في هذه الأغنية عن عادة تميز بها عن غيره من المطربين في ألبوماته وهي أداء مقاطع الكورال بصوته دون الاستعانة بأصوات خارجية، لا أذكر كورالًا خارجيًا لأغانيه في الألفية سوى أغنيتين “القدس دي أرضنا”، و”الفرحة الليلة”، والأغنيتان تدخلان ضمن تصنيف أغاني “المناسبات”، وكأن استعانة عمرو بصوت كورال خارجي أصبح إشارة على عمومية موضوع الأغنية، وهو الأمر المتحقق في “عم الطبيب”، التي تتبع رحلة رجل يبحث عن السعادة ولا يدركها.

صابر كمال برع في سرد مشاهد القصة الثلاثة بحنكة وتمكن لغوي، أسلوب سهل على كثرة مجازاته واستعاراته، التوريات أيضا كانت مثيرة أبرزها عبارة “عرّى وكشف”، مفردات طريفة وغريبة عن لغة الأغاني عموما ناهيك عن لغة عمرو دياب الخاصة (“شكة”، “تحبيشة”، “بلوتي”، “دايخ مدوخ”، “متعوس”، “سر باتع”) ويبدو أن الكتابة هنا سبقت اللحن، وهو أمر لم يعد شائعًا في صناعة الموسيقى.

استطاع عمرو دياب ترويض هذه القصيدة الوعرة بألحانه والتدليل من جديد على موهبته غير المقدرة كملحن. يبقى ذكر أن عمرو دياب هو الأكثر تلحينًا لعمرو دياب، حيث لحن لنفسه ما يفوق الـ 90 أغنية، “عم الطبيب” آخرها وأحد أقوى الألحان التي قدمها في مسيرته، أدهشني تحديدًا في الطريقة التي يخرج  بها عبارة “شكّة” دون مدّ أو تعريب .. فقط “شكّة” سريعة مقتضبة يقولها كما يشعر بها الشاكي.

حلوة البدايات

“حلوة البدايات”، لحن مبهج من عمرو مصطفى، والأغنية تتمتع بكل العناصر المناسبة للأغنية “الهيد”، كلمات بسيطة من “خالد تاج الدين” تصف رومانسية مرحلة البدايات في كل علاقة دون فلسفة، توزيع غني بالتفاصيل من نادر حمدي وهو يتنقل بسلاسة من قالب موسيقى الهاوس إلى إيقاع شرقي راقص مختلف لدرجة عن المقسوم. ويسهل توقع دخول “حلوة البدايات” على رأس قائمة أغاني الأعراس هذه الأيام، مع أغنية “جميلة” التي غناها عمرو دياب في هذا الألبوم بصحبة ابنته “جانا”، وكانت بالفعل لفتة جميلة منه.

زي مانتي

نادر حمدي يواصل قذائفه بتوزيع “زي مانتي”، رغم أن قالب الموسيقى الأندلسي بات مستهلكًا في عدد من الأغاني المصرية هذه الأيام، إلا أنه ظهر جديدًا برؤية نادر الذي تخلى عن آلته المفضلة البيانو واستعان ببطل آخر هو الجيتار، هارموني غني رغم قلة الآلات المستخدمة، جيتاران نايلون أحدهما للصولو والآخر للكوردات وكمانجة تظهر من حين لآخر ليخلقوا السحر المتجانس مع صوت عمرو دياب الذي لا أتذكر سماعه حالمًا لهذه الدرجة في أغنيات سابقة خاصة في مقطع “الغلاوة هي هي” وهو يخرج من أعمق أجوافه. ليس نادر وحده من تمرد على ثوابته الفنية في تلك الأغنية، ملحن وكاتب الأغنية عزيز الشافعي فعلها أيضًا وقدم لعمرو دياب هديته الثانية بعد “يوم تلات”. صدق أو لا تصدق لكن الأغنيتين لنفس الشخص!

سالمونيلا.. هل أصبحت الأغاني أذكى من الجمهور؟ | أمجد جمال

سهران

المشكلة كانت في “سهران” لحن عزيز الشافعي وكلمات تامر حسين، والتي بدت محاولة استنساخ ل”يوم تلات” بنفس الشاعر والملحن، مغامرة جديدة لعمرو دياب للفوز بحب فتاة فاتنة قابلها في مكان عام، هنا قصة تُحكى دون مفارقة أو تفاصيل لافتة أو مجازات مثيرة كما الحال في “عم الطبيب” مثلًا، لكن اتسمت كلماتها برشاقة وجرأة، وعلى كل حال لم تكن الأغنية الأحق بتصدر اسم الألبوم.

استثمار نجاح “يوم تلات” امتد لأغنية أخرى وهي “بالضحكة دي”، هذه المرة عزيز الشافعي ملحنًا وكاتبًا وأسامة الهندي موزعًا، اللحن بمرجعية “يوم تلات”، والكلمات بمرجعية “يتعلموا”: “بالمشية دي كله يتعلم أهي دي اللي ع الكل هتعلم”، هنا نفس الحبيب الذي يتباهى بمواصفات حبيبته بمفردات شعبية خفيفة الظل يؤديها عمرو بسلطنة مصدقا نبرة التحدي الذي صاغها الشافعي: “والنظرة دي ليا بتأثر ودا حلم عمري بيتفسر لو أقول دي أحلى ما في الدنيا مين داللي يعارضني هنهزر؟”

هيعيش يفتكرني

نادر حمدي يعود لنمطه الموسيقي المفضل في “هيعيش يفتكرني”، من ألحان عمرو مصطفى وكلمات تامر حسين، موسيقى نادر تروي الحكاية قبل أن تحكيها الكلمات، يبدأها بعزف منفرد على البيانو الكلاسيكي بجملة درامية حزينة، ويتبعه بصوت بيانو الأورجان الكنائسي بنغمات عجمية أكثر قوة متناسقة مع حالة الكرامة وعزة النفس التي تقودنا إليها الكلمات، فيصير صوت الأورجان خلفية لصوت عمرو وداعما له في مرحلة تجاوز العلاقة العاطفية. نفس فريق الأغنية يناقض نفسه بأغنية “جامدة بس”، التي جاءت مختلفة بطابع لاتيني راقص وكلمات رومانسية سهلة ولزمة تعلق في الأذن، واللحن كانت مرجعيته “ويلوموني”.

روح

“روح” كلمات وألحان أحمد زغلول، ومن توزيع أسامة الهندي، وهي خليط نوستالجي تفوح منه روائح وردة وبليغ حمدي وجورج وسوف، رغم كونها مفاجأة لكنها لا تبدو واحدة من الأغنيات التي سنتذكرها بعد سنوات من الألبوم، والسبب الأول أن عمرو لم يكرر فيها نفسه! ربما كانت تلحقها أغنية “يا روقانك” لولا اللحن الخاطف لمحمد يحيى الذي أنقذ الأغنية رغم أن الكلمات والتوزيع لم يساعداه كثيرًا.

مكانك في قلبي

وأخيرًا “مكانك في قلبي”، وهي الأغنية الأكثر استحقاقًا للعلامة الكاملة في الألبوم. دون أن تحتوي هذه الأغنية على عنصر واحد طاغ في تفوقه، لكنها تفوقت بالتجانس الاستثنائي بين كل عناصرها، ملحن الأغنية شريف بدر، وهو نفسه من لحّن منذ عشر سنوات أغنية “دي اللي خدتني مني” للمطرب محمد عدوية، واللحنان يربطهما عنصر مميز بجانب الإحساس المفرط، هناك تدفق، يصعب توقع لحظة الذروة بهما، فالقوام كله حالة من الذروة، لدرجة أنه يأبى إنهاء المذهب دون مدّ الكلمة الأخيرة “كان نفسي أعيش عمري معاك علطول”، وما أصعب وأطرب المدّ بالواو وإلقاء العُرب بجملة كتلك بطريقة عمرو، الذي يسحق للمرة المليون مزاعم أنه مجرد “مغني” لا “مطرب”، لا ننسى أن دراويش الموسيقى العثمانية قاموا بالسطوعلى كلمة “الطرب” لعقود طويلة وحصروها في شكل معين من الغناء، رغم أنها لا تعني في المعجم وفي الطبيعة أكثر من نشوة السامع، ومتى تحققت هذه النشوة بأي شكل متى طُربنا.

موزع “مكانك في قلبي” طارق مدكور استوعب نقطة تدفق اللحن جيدا فلم يطل المقدمة الموسيقية أكثر من 12 ثانية ودخل في المفيد، واستغنى تماما عن الفاصل الموسيقي بين المذهب والكوبليه الثاني، مكتفيا بإسكات الإيقاع مع دخول عمرو للكوبليه الثاني ” محدش هيعرف يملا أي مكان تسيبه” فترك الغناء متواصلا دون انقطاع لمدة تقترب من ثلاث دقائق قبل دخول فاصل ما قبل النهاية، وهي مدة غناء تعتبر كبيرة نسبة لزمن الأغنية. كلمات فراق شديدة العذوبة والبساطة من “تامر حسين”، صنع لها مدكور هارموني كلاسيكيا فخما، آلات إيقاع ورعشات جيتار تشبه التي استخدمها مدكور في أغنيات رومانسية قديمة لعمرو مثل “صدقني خلاص”، كلها تسبح مع أداء عمرو المرهف محاصرين بشلال من الوتريات الحزينة.

ختاما .. إن كان ما قدمه عمرو في هذا الألبوم مكررًا، فأهلا بمزيد من التكرار.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك