في 13 أغسطس، أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي، أنه يخطط لعرض مشروع قانون على البرلمان يساوي في الميراث بين الرجل والمرأة، ضمن إصلاحات اجتماعية اقترحتها لجنة شكلها قبل عام.
واقترح، في خطاب بمناسبة عيد المرأة في تونس، تحويل المساواة في الإرث إلى قانون، مؤكدًا عرضه على البرلمان بعد انتهاء العطلة البرلمانية في أكتوبر.
وقال الرئيس التونسى: “ليس لنا علاقة بالدين أو القرآن أو الأيات القرآنية، ولكننا نتعامل مع دستور الدولة، ونحن فى دولة مدنية، والقول بأن مرجعية الدولة التونسية مرجعية دينية خطأ فاحش”.
س/ج في #دقائق توجز لكم مختلف جوانب الموضوع:
ماذا يقول الدستور التونسي الذي شارك الإسلاميون في صياغته؟
حجة السبسي؟
سقف التغييرات التشريعية.. إلى أين يصل؟
هل تشريعات السبسي غريبة على تونس؟
كيف ساعد الإسلاميون الرئيس دون قصد؟
يستند السبسي في مشروع قانونه على مواد الدستور الصادر في 2014، والذي وضعه المجلس الوطني التأسيسي، المنتخب في 2011، وحصدت حركة النهضة، الجناح التونسي لتنظيم الإخوان، النصيب الأوفر من مقاعده بحصولها على 89 من أصل 217 مقعدًا، ليمتلكوا الأغلبية بتشكيل “الترويكا” الحاكمة مع المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والتي انحلت لاحقًا في نوفمبر 2014.
وينص الدستور التونسي صراحة في الفصل الثاني من الباب الأول على أن “تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون. ولا يجوز التعديل في هذا الفصل”.
وفي الفصل 21 من الباب الثاني، يؤكد الدستور “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. وتضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم”.
ويحدد الباب الرابع سلطات الرئيس، فهو رأس الدولة وممثلها، وممارس السلطة التنفيذية، بجانب الحكومة، والضابط للسياسات العامة.
ويتمسك السبسي في الجدل الحالي بالنص الحرفي للدستور، الذي أسقط اعتبار الشريعة الإسلامية بين مصادر التشريع، ونص على المساواة الكاملة بين الجنسين دون استثناءات، كما يؤكد أن سلطاته كرأس للدولة توجب عليه تطبيق مواد الدستور دون تأجيل.
لمطالعة نص الدستور التونسي.. بإمكانك الضغط هنا.
ماذا حقق السبسي حتى الآن؟
بدأ السبسي سلسلة تغييراته في مجالات المساواة بين الجنسين، التي تعارضها تيارات الإسلام السياسي باعتبارها مخالفة للشريعة، في نفس المناسبة من العام الماضي.
في خطابه حينها، أشاد السبسي بإصدار القانون الأساسي 60/2016 في يوليو السابق، والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، كحلقة ضمن مشروع تحقيق المساواة بين الجنسين، متعهدًا بمواصلة مشوار المساواة ومواكبة التغيرات.
ودعا الرئيس لتطوير مجلة الأحوال الشخصية (النص التشريعي الحاكم لهذا المجال في تونس) لتكريس المساواة، باعتبار الإيمان ثابتا والواقع الاجتماعي متحولا، بما يجعل القراءة المتحجرة للنص القرآني خروجًا عن الروح الحقيقية للدين.
واعتبر السبسي أن قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” ذات مقاصد وتاريخية نزول، ترمي لتحديد سقف لا يمكن النزول عنه في واقع قبلي يقصي النساء من الميراث، وأن نفس التوجه الاجتهادي يدفع نحو القبول بالمساواة على اعتبـار أن تحديد السقف الأدنى لا يمنع من المضي إلى الحد الذي يليه، أخذًا بتطوّر سنن الحياة وشروطها.
السبسي مضى ليقول إن أحكام الميراث أصبحت تمثل الجزء الشاذ في مجلة الأحوال الشخصية؛ لأنها خارجة عن الفلسفة التحررية العامة، والمبنية أساسًا على السعي نحو الحد من التمييز بين الجنسين.
في نفس السياق، طالب السبسي بإلغاء منشور 73، ما يعني السماح للتونسيات بالزواج ممن لا يدينون بنفس الدين؛ لتسوية الوضعية القانونية للتونسيات المتزوجات من أجانب غير مسلمين، والتي كانت الدولة التونسية ترفض تسجيل عقود زواجهن وما ينتج عنها من أبناء.
هنا، استند الرئيس أيضًا على الفصل السادس من الدستور، الذي أقر بحرية المعتقد والضمير، وحمل الدولة مسؤولية حمايتهما.
بعد شهر واحد، أقرت تونس المقترح رسميًا، بإلغاء منشور 1973 وكل النصوص المشابهة له، والذي كان يوجب تقديم شهادة تثبت اعتناق الزوج للإسلام للاعتراف بزواج التونسية المسلمة.
اقرأ أيضًا: عن الديموغرافيا القاتلة في الشرق الأوسط!
إلى أين وصل اقتراح السبسي؟
في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، صادق مجلس الوزراء التونسي، بإشراف السبسي، على مشروع قانون الأحوال الشخصية، متضمنًا أحكام المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
وقالت وكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن الحكومة ستعرضه خلال الأشهر المقبلة على البرلمان من أجل المصادقة عليه، حتى يصبح ساري المفعول.
وذكرت الناطقة باسم الرئاسة، سعيدة قراش، أن هذه المبادرة “تكرس نضالات أجيال وحقوقيات يدافعن على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة التونسية، وعلى ترسيخ عقلية المساواة التامة بين الجنسين”.
وأضافت: “تمت المحافظة على نفس المبدأ وهو ملاءمة المقترحات مع الدستور بإقرار المساواة في الإرث قانونا، مع ترك حرية الاختيار للمورث إن أراد في قائم حياته التنصيص على قسمة التركة وفق المنظومة الحالية”.
سقف التغييرات التشريعية.. إلى أين يصل؟
لا يبدو السبسي عازمًا على إيقاف سلسلة التغييرات التشريعية رغم الصدام الصامت أحيانًا والصاخب في أحيان أخرى؛ فمشروع القانون الجديد خطوة أولى لتطبيق تقرير لجنة الحريات الشخصية والمساوة، التي شكلها قبل عام واحد، وكلفها بإعداد تقرير (طالع نصه) يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة تنسجم مع دستور 2014.
وتضمن التقرير، الوارد في 233 صفحة موزعة على جزئين:
-
إلغاء عقوبة الإعدام أو تحديد حالاتها القصوى، مع التضييق فيها قدر المستطاع.
-
إلغاء تجريم المثلية الجنسية.
-
إلغاء التمييز في قانون الجنسية.
-
إلغاء أو إعادة تحديد المهر وعدة الوفاة والنفقة، إلى جانب إلغاء التمييز في الواجبات الزوجية وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة.
-
إلغاء التمييز في المواريث أو ترك الحرية للمورث في اتباع الطريقة، وقصره على أقارب الدرجة الأولى.
-
إلغاء الرقابة على الأعمال الفنية.
-
إلغاء التمييز بين الأطفال حتى الذين ولدوا في حالة غير زواج الأم والأب.
-
إلغاء المصطلحات الدينية من القانون التونسي، وبينها الشرع، والموانع الشرعية، والمحرمات، والفحش.
هل تشريعات السبسي غريبة على تونس؟
لا تخرج التشريعات الجديدة التي اقترحها السبسي، ولا حتى حالة الجدل التي خلفتها، عن سياق سابق في تونس. مجلة الأحوال الشخصية السارية حاليًا (طالع نصها هنا)، والصادرة فى 13 أغسطس 1956، والذي يحتفل به سنويًا كيوم للمرأة التونسية، تقع في دائرة الاتهامات بالخروج عن النصوص الشرعية، وانتهاك الشريعة، والخروج عن القرآن والسنة والإجماع.
وتمنع المجلة إكراه ولي الفتاة لها في حالات الزواج، وتضع حدًا أدنى لزواج الفتاة والصبي، وتقر المساواة الكاملة بين الزوجين فى أسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره، وتحظر تعدد الزوجات.