شريك لا كفيل: كيف صدم بوريس جونسون العالم في ملف كورونا الجديد؟ | مينا منير

شريك لا كفيل: كيف صدم بوريس جونسون العالم في ملف كورونا الجديد؟ | مينا منير

24 Apr 2020
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قد يكون الحديث عن قضية إدارة ملف أزمة فيروس كورونا مبكرًا. لا أختلف مع من يرون ذلك.

إلا أن في الفلسفة الأيديولوجية التي يخوض بها بعض القادة تلك المعركة التي حددوا ملامحها بل واتخذوا خطواتٍ عريضة على ضوئها، ما يستحق الوقوف عنده.

لا أبالغ القول في أن السياقين السياسي والاقتصادي لمعركة كورونا لا يقلان خطورةً وتأثيرًا في تشكيل ملامح الواقع عن البُعد الصحي المباشر في مواجهة الوباء.

الوضع في بريطانيا يطرح البعد الصحي في سياقيه السياسي والاقتصادي بشكل واضح وقوي منذ الوهلة الأولى، الأمر الذي تسبب في أن يظهر فريدًا في سياساته المتبعة عن باقي سيناريوهات دول أوروبا.

مناعة القطيع + تسطيح المنحنى.. تبسيط استراتيجية بريطانيا في مواجهة كوفيد-19 | س/ج في دقائق

كورونا في ظلال البريكزيت

ملف كورونا يأتي في سياق أكبر، هو وجود حكومة تكتسب سبب وجودها raison d’ être  من معركة تحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

مبدأ الخروج، الذي تحقق بالفعل في يناير المنصرم، لم يغير من واقع وجود نفس أطراف المعادلة السياسية على الساحة.

لكن المفاجئ، على الأقل بالنسبة لي، أن الأطراف (وليس طرف واحد) المنهزمة في معركة البريكزيت يبدو أنها لم تفقد الأمل في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من بوابة أزمة أخرى، هي كورونا.

نجاح أو فشل “حكومة البريكزيت” القائمة هو حكم على البريكزيت نفسه، وبالتالي قد يمهد لإسقاط حكومته، والقبض على دفة الوضع لتحويل مفاوضات اتفاق الاتحاد الأوروبي من مفاوضات تجارية إلى مفاوضات عودة.

قد لا تجد الكثير من التصريحات التي تفيد ذلك بشكل صريح لسببين: أولهما أن الهزيمة التي حاقت بمخالفي البريكزيت كانت كاسحة، وبالتالي فمجرد فتح هذا الملف مبكرًا أمام الجماهير يعد انتحارًا.

الثاني في اعتقادي هو الدونية الأخلاقية التي قد ترتبط بتلك المقاربة إذا ما اقترنت باستغلال مأساة إنسانية كوباء كورونا.

المقاربة الرسمية لأطراف المعارضة الرئيسية (العمال ممثل اليسار، ما تبقى من الليبراليين الديمقراطيين LibDems، وحزب اسكتلندا القومي (SNP) مرتبطة بمنطلق واحد وهو التركيز على فشل خطط بوريس جونسون لأنها لا تتبع الاستنفار الحادث في دول الاتحاد الأوروبي، في هجوم تكتيكي على مبدأ البريكزيت نفسه الذي يمكن أن يصير “سببًا” في ذلك التفاوت.

الجانب الآخر، والمفضل لدى اليسار الجريح، هو التأكيد على فشل حكومة البريكزيت في إدارة الأزمة من الناحية الاقتصادية، من خلال فشل طرح دعم مادي يكفل موظفي القطاع الخاص كما فعلت بعض دول أوروبا.

على إثر ذلك يجد بوريس جونسون نفسه محاطًا بهجوم سياسي يحاول وصفه كممثل لـ “القومية البغيضة” التي عزلت بريطانيا عن سياقها الأوروبي، و”الرأسمالية المتوحشة” التي ما إن تُثبت عليه، سيُفتح الباب لحزب العمال لانتزاع ما خسروه في الانتخابات السابقة، خاصةً في الشمال.

ما إن بدأت أزمة كورونا الجديد، ركزت مواجهات المعارضين مع بوريس جونسون تحت قبة البرلمان على هذه المقاربة، إلا أن جونسون قلب الطاولة سريعًا بحركاتٍ في رأيي سيقف عندها تاريخ المناورات السياسية كثيرًا.

البريكزيت.. خفة لا تُحتمل لأمة | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

تنحية استقلال إسكتلندا

لم يأتِ خطاب بوريس جونسون الذي أعلن فيه خطة التعامل مع كورونا حاملًا نوايا حسنة تجاه المعارضة.

فبعد أسبوعين من الهجوم العنيف للمعارضة في خطوطها العريضة التي ذكرناها سابقًا، أعلن جونسون في خطابه أنه سيوجه وعوده الانتخابية في تخصيص ميزانية الصحة الكبيرة تجاه إعداد مستشفيات بريطانيا للتعامل مع الوباء، إلا أنه ألقى بقنبلة لم يلاحظها الكثير: ذكر أنه يواجه عقبة وهي أن منظومة الصحة في إستكلندا، والتي تخضع ميزانيتها للحزب القومي الإسكتلندي، في وضع سيء، وأنه في حاجة للنظر في كيفية تخصيص الأموال لها.

الرسالة جعلت الشارع الإسكتلندي في وضع غاضب؛ فللمرة الأولى لا يجرؤ الحزب الإسكتلندي على تشتيت انتباههم عن ذلك الفشل ببديل المناداة بالاستقلال: فإما أن يتعاون ذلك الحزب الشرس مع بوريس جونسون بشروط الأخير، أو أن يواجه الحزب موقف تبرير حالة المنظومة الصحية وعدم ضخ أموال الحكومة المركزية في لندن للشعب. ذلك الالتفاف أسكت الحزب تمامًا كما سنرى.

قصيدة بوريس جونسون البذيئة عن إردوغان .. ماذا تخبرنا عن شخصيته | مينا منير

الالتفاف على اليسار

 خطة اليسار في تقديم المحافظين كـ “رأسماليين متوحشين” لانتزاع أصوات العمال مرة أخرى اصطدمت بحركة مفاجئة من جونسون، الذي قدم نموذجًا يكشف أن اقتصاد السوق الحر هو المخرج من أزمة كورونا لاالعكس.

حينما أعلن جونسون عن حزمة قروض لأصحاب الأعمال، خرج جيرمي كوربين يهاجم الرجل على اعتبار أن الدولة لا يجب أن تقدم دعمًا لأصحاب رؤوس المال وتترك العمال.

كان الافتراض المسبق أن بوريس جونسون سيتخلى عن الموظفين، لكن أركان الخطة اكتملت بإعلان 20 مارس الذي نص على حزمة مساعدات تقدمها الحكومة بشكل لا يوازيه شيء في أوروبا.

قررت الدولة دفع 80% من راتب كل موظف في القطاع الخاص، تأخير ميعاد تقديم الضرائب سنة، بالإضافة إلى القروض المذكورة، والتي ستساعد صاحب العمل على استيفاء مصاريفه للاستمرار.

هنا يتساءل البعض، هل انقلب بوريس جونسون أيديولوجيًا نحو اليسار بتوفير أموال كما تسميها مارجاريت ثاتشر: من شجرة اليسار السحرية التي تُسقط مالًا؟ الخطة أربكت المتابعين، لكن مكمنها في فهم علاقة القطاع الخاص بالدولة:

يرى بوريس جونسون علاقة القطاع الخاص بالدولة كعلاقة شراكة لا كفالة. مفهوم أن الدولة “ستتكفل” بتعويض الخسائر، المتبع في فرنسا على سبيل المثال، يقتضي خلق أموال من العدم، وكأن الدولة مسؤولة عن القطاع الخاص.

لكن الواقع هو وضع خطة شراكة تعكس اقتصاد السوق الحر: سيكون للشركة القدرة على الاستمرار حال الاحتفاظ بموظفيها، الذين هم دافعو الضرائب التي تُقدم على هيئة 80% من المرتب.

بالمقابل، ستستمر عجلة الإنتاج التي ستساعد الدولة على توجيه إنفاقها في اتجاه بدائل غير إعانات البطالة؛ خلق فرص عمل، أو تعويض الناقص في الإنتاج، وأخيرًا، ستستطيع جمع ضرائب أكبر مع استرداد قروضها.

بريطانيا تنتصر لذاتها – وللعالم – بسحق اليسار | مينا منير

النتيجة

النتيجة تظهر في خلق شراكات جديدة ستساعد بريطانيا على مواجهة كورونا. فالقطاع الخاص أعلن الدخول في شراكة مع منظومة التأمين الصحي بتوفير خدمات ستساعد على مضاعفة قدرتها الإستيعابية، ووجهت شركات أخرى إنتاجها من الأدوات الصحية كالتهوية والفلترة، التي كانت بريطانيا تستوردها من سويسرا، في شراكة ممتازة لمواجهة نواقص المستشفيات العامة.

النتيجة نجدها في تحطيم أساسات المعارضة بالتفافات رشيقة وسط هذه الأزمة. في أزمة اقتصادية كهذه، سيجد صاحب قطاع الأعمال أن له شريكا جيدا قادرا على إعادة تدوير الأصول معه دون أن يخضع أحدهما للآخر.

كانت الخطة صادمة بدرجة أجبرت حزب العمال على الصمت، ورفعت من أسهم “الرأسمالية المتوحشة” في عقر دار اليسار.

اتحادات اليسار Trade Unions أعلنت لأول مرة في التاريخ دعمها وترحيبها بخطط جونسون في ضربة قاسمة لحزب العمال، أو تحديدًا ما تبقى منه، وباتت الرأسمالية في ديناميكيتها وشراكتها بين الدولة والقطاع الخاص قادرة على تدوير ميزانية الدولة بشكل صحي أكثر من منظومة “الأشجار السحرية Magic Money Trees”.

لم يجد منظر اليسار جون مكدونل، مستشار كوربين، إلا أن يعبر عن دعمه لخطة الدولة وإن اختلف معها لأنها “لا تجبر” أصحاب الأعمال على ضمان حقوق الموظفين، إلا أنه لا يفهم أن الشراكة في ديناميكيتها لا تحتاج للإجبار، الذي يأتي فقط من قاموس اليسار.

أما حزب الـ SNP الذي وجد أنه لن يستطيع الوقوف أمام قطار بوريس جونسون إذا أراد أن يحصل على المساعدة المالية لمواجهة مشاكل مستشفيات إسكتلندا. فكانت النتيجة هي خروج ممثل الحزب في البرلمان Ian Blackford ليعلن لأول مرة تخلي الحزب “مؤقتًا” عن برنامج المناداة باستقلال إسكتلندا بعدما اكتشف أنه مرفوض شعبيًا الآن، بل وأعلن بشكل مفاجئ دعم بوريس جونسون!

اليوم شمبانيا ونساء وغدا.. لماذا حزب المحافظين البريطاني أنجح أحزاب العالم؟| س/ج في دقائق
هل يمكن إتاحة لقاحات كورونا مجانًا؟ لا.. لهذه الأسباب | س/ج في دقائق

ملف فيروس كورونا في دقائق

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك