بمرور الزمن على المقاطعة التي قادتها رباعية مكافحة الإرهاب ضد قطر. ظهرت ملامح الضغط من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر على النظام القطري، بعد أن كانت محل شك من أطراف مختلفة في بداية الأزمة، وأصبحت الآن واقعاً يفرض نفسه، تلك الملامح يمكن تلخيصها في الآتي:
أحد أهم التخوفات التي كانت لدى بعض أطراف المقاطعة وتحديداً مصر، أن يكون اتفاق مقاطعة قطر صفقة مؤقتة وبعدها تعود الأمور إلى مجاريها بين دول الخليج، وتبقى حالة التنمر القطرية متركزة حول مصر،
فإذا كان هذا هو موقف إحدى دول المقاطعة وهي مصر، فإنه يمكننا بالتبعية فهم مواقف دول أخرى آثرت أن تنأى بنفسها عن الخلاف لنفس السبب.
وبالتالي فإن فائدة استمرار المقاطعة هي تأكيدها للأطراف المختلفة داخل مجموعة المقاطعة وخارجها أن الأمر سيستمر لمدة طويلة،
فصار الجميع يحسب حساباته على هذا الأساس سواءً كحكومات أو كشركات، ولم يعد مهما إذن أن تعلن حكومة مقاطعتها لقطر بالضرورة، إذ إن توقع علاقات فاترة من أطراف المقاطعة إذا كانت علاقتها مع قطر وثيقة هو في حد ذاته نتيجة جيدة.
شاهد أيضا: الرهائن قطريون، المساوم إيراني، والثمن سوري
كانت قطر تعتمد على وسائلها الإعلامية التابعة لها بشكل مباشر أو غير مباشر مع التنظيمات المتحالفة معها كالإخوان المسلمين بغرض الترويج لها سياسيا وإعلاميا داخل دول المنطقة عموماً، وحتى داخل الدول الأربع ذاتها.
وقد تراجع التأثير الإعلامي لقطر داخل هذه الدول الأربع بشكل هائل في الشهور الأخيرة. كما أن التأثير الإعلامي لقطر في المنطقة عموماً وفي العالم تراجع أيضاً بشكل محسوس.
وأسباب ذلك مختلفة لكنها مرتبطة من جهة بحجب وحظر المواقع القطرية على نطاق واسع، وتراجُع الاهتمام بـ وسائل الإعلام القطرية من مواطني السعودية والإمارات والبحرين بعد أن كان تراجع بالنسبة للمصريين منذ عام 2013،
ومن جهة أخرى ببدء العمل على إيجاد منصات إعلامية مؤثرة كبديل للمنصات القطرية، وهو أمر حقق نجاحاً واضحاً وإن كان بدرجات متفاوتة. ويرتبط الأمر من جهة ثالثة بسوء سمعة الشراكة الإعلامية مع قطر مع مواقع عالمية بسبب السياسات الإعلامية القطرية ويكفي في ذلك الإشارة مثلا لموقع هافنجتون بوست عربي.
تأكد عدم انحياز الولايات المتحدة لقطر مستقبلاً في المدى المتوسط . فمنذ اللحظة الأولى كان الموقف الأمريكي مهماً للغاية باعتبارها حليفاً لطرفي الأزمة.
وكان واضحا من أداء الولايات المتحدة عموماً، وبروتوكول التعاون لمواجهة الإرهاب الذي وقعته مع قطر، وتصريحات وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون تحديدا، أن الولايات المتحدة تميل لسياسة البقاء في منطقة وسط أو بمعنى آخر اللعب على الحبلين.
ولكن بعد شهور من الأزمة جاءت الإطاحة بتيرلسون بشكل دراماتيكي من منصبه لتؤكد أن البيت الأبيض أكثر انحيازاً لدول المقاطعة حتى وإن كانت لديه تحفظات وخطوط حمراء.
وبالطبع فإن هذا يعني على الأقل قدرة دول المقاطعة على المضي قدماً بنفس الوتيرة الحالية دون أن تقلق من الجانب الأمريكي.
وبغض النظر عما إذا كانت الإطاحة بتيلرسون تمت كما أشيع بضغط خليجي من دول المقاطعة أم لا، فالمؤكد أنها استقبلت القرار براحة كبيرة كمؤشر على كون علاقتها مع الولايات المتحدة غير قابلة للألوان الرمادية.
المحور – وهو عبارة عن تحالف المحورين الشيعي الموالي لطهران والإخواني الموالي للدوحة وأنقرة – ظهر بوضوح استعادته وضعه السابق من الاصطفاف الكامل قبل 2011 في مناطق مختلفة في العام الماضي.
ظهر هذا في إعادة حماس علاقتها العلنية مع طهران، وتخفيف الهجوم على الإخوان خارج سوريا في الإعلام الداعم للأسد أو الممول من طهران. لكن هذا لم يغير الضربات التي تلقاها هذا المحور. إذ تلقى ضربة موجعة
ورغم تحقيق هذا المحور نجاحات في الانتخابات اللبنانية، ورغم تعزيز الأسد لنفوذه إلا أن توافق الأطراف بشأن الداخل السوري يبدو مستحيلاً .وهذا يصعب مهمة قطر في اللعب على الحبلين.
اقرأ أيضا: هل نجحت الانتخابات التشريعية العراقية 2018؟
بغض النظر عن مدى قوة الانشقاقات داخل الأسرة الحاكمة القطرية، أو مدى قوة وتأثير ووزن المعارضة القطرية، فإن مجرد وجود أسماء قطرية تعلن معارضتها لأمير قطر مؤشر على أن استقرار الوضع الداخلي في قطر سيظل هشاً ما بقي الوضع على حاله.
بعد شهور من الضغط السياسي والإعلامي أصبحت قطر في مربع الدفاع بشكل واضح، ومن يتابع التصريحات القطرية يلاحظ أن نفي الإرهاب أمر مكرر فيها بما يعني ببساطة أن قطر وإن لم يتم إمساكها أمام العالم بالجرم المشهود، فإن التهم المختلفة الموجهة لها نجحت في جعلها محل شك من الجميع ومطالبة دائماً بالتبرؤ من الإرهابيين.
ومن هذا كله وغيره فإنه يمكننا استنتاج أن عملية تحجيم السياسات القطرية في المنطقة، نجحت في العام الماضي والأهم أنه من المتوقع أن تشهد مستويات مختلفة من النتائج في العام القادم بالنظر لشكل المتغيرات الإقليمية.