في 2016، بدأ عميل استخباري ألماني متقاعد يعمل كمتعاقد أمني خاص مهمة جديدة في الدوحة.. الهدف كان جمع معلومات موثقة عن تورط قطر في تمويل تنظيمات إرهابية.
العميل الذي عرفته التقارير الصحفية الغربية باسم مستعار "جايسون جي" لم يستغرق سوى عدة أشهر نجح خلالها في تجنيد مسؤول أمني قطر رفيع المستوى، سلمه ملفًا يحوي وثائق عن مخطط مترامي الأطراف أدارتها شركة قطرية لتوريد السلاح من أنحاء أوروبا الشرقية لحساب حزب الله اللبناني تحت ستار إمدادات الغذاء والدواء، عبر تمويل جمعته مؤسستا الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، والتعليم فوق الجميع الخيرية القطريتان، من تبرعات الأثرياء القطريين واللبنانيين التي كان يفترض أن توجه للعمل الخيري.
الوثائق أكدت كذلك أن أحد أعضاء العائلة الحاكمة في قطر منح الإذن بنفسه بالمضي قدمًا في الصفقة.
بعد جمع الملف، عاد "جايسون جي" إلى ألمانيا في منتصف 2017، وبدأ محاولة تسعير الوثائق التي بحوزته، حتى وصل إلى مايكل إيناكير، رئيس شركة WMP Eurocom للعلاقات العامة، والذي قيم المعلومات بـ 10 ملايين يورو، لتبدأ رحلة البحث عن مهتمين بشراء الملف.
فتح إيناكير خط اتصال مع الاستخبارات الألمانية، والتي خلصت إلى أن "الملف مثير للاهتمام، يحوي معلومات صحيحة، وذات صلة بتمويل الإرهاب"، لكن الخط الآخر كان مع الدوحة نفسها.. قدم صورة من الملف إلى سفير قطر في بلجيكا عبد الرحمن الخليفي.
أوائل 2019، رتب إيناكير غداء عمل بين جايسون والخليفي في بروكسل.
كشف جايسون للخليفي المعلومات التي بحوزته، وقال إنه يقدمها لقطر كي تتمكن من تطهير العناصر المعادية للسامية داخل النظام الحاكم، فرد الدبلوماسي القطري بأن الدوحة لا تمانع في دعم جايسون ماليًا نظير مساعدتها في "تنظيف النظام من العناصر المشبوهة المتورطة في تمويل الإرهاب".
تكررت لقاءات جايسون والخليفي شهريًا، قالت تقارير صحفية إنها وصلت إلى ٦ لقاءات. وفي كل اجتماع، كان العميل الألماني يحصل على 10 آلاف يورو، كجزء من مذكرة تعاون نصت على عمله كمستشار للدوحة لمدة عام، قبل أن يحصل على 100,00 ألف يورو لاحقًا.
الاتفاق تضمن تعهدًا متبادلًا: ألا تلاحق قطر جايسون قضائيًا بتهمة التجسس، وألا يشارك الملف مع أية دولة أخرى.
رغم المذكرة، استشعر الخليفي الخطر لأن جايسون ظل محتفظَا بأصل الملف، فحاول إقناع العميل الألماني بتوقيع اتفاقية عدم إفصاح.
الاتقافية المقترحة تضمنت حصول جايسون على 750 ألف يورو مقابل الصمت، بخلاف حصول الوسيط على 300 ألف يورو حال إقناع العميل الألماني بالتوقيع.
جايسون – الذي كان يتوقع أن يصل المبلغ إلى 10 ملايين يورو - وقع عقدًا مع شركة محاماة في 18 مايو 2020 لتمثيله قانونيًا في مفاوضات صياغة البنود، لكنه أبلغ الشركة في 13 يوليو بتراجعه عن الاتفاق، زاعمًا في تصريحات صحفية لاحقة أن قطر لم تف بوعدها بالتخلص من ممولي حزب الله في الدوحة.
التقارير عن تورط الأنظمة المالية والخيرية في قطر في مخططات تمويل الإرهاب المزعومة ليس جديدًا، آخرها كان في يونيو، حين نقلت صحيفة واشنطن فري بيكون، تفاصيل عن دعوى قضائية مرفوعة في نيويورك أكدت أن المؤسسات القطرية، بما في ذلك قطر الخيرية "المعروفة سابقًا باسم الجمعية الخيرية القطرية" وبنك قطر الوطني، تمول منظمات إرهابية فلسطينية.
كان من بين المدعين في القضية عائلة تيلور فورس، وهو جندي أمريكي مخضرم قتل على يد حماس في 2016.
وجاء في الدعوى أن "قطر اختارت العديد من المؤسسات التي تسيطر عليها لتحويل الدولارات الأمريكية إلى حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين تحت ستار زائف من التبرعات الخيرية".
وفي 2014، اتهم وزير التنمية الألماني غيرد مولر قطر بتمويل إرهابيي داعش. وقال لقناة ZDF الألمانية العامة، إن قطر تمثل العنوان الرئيس في تسليح وتمويل إرهابيي داعش.
في مقابلات مع قناة فوكس نيوز، دعا سياسيون أوروبيون بارزون إلى حملة سريعة على دعم قطر المدعى لتمويل الإرهاب وحزب الله.
ناتالي جولت، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي التي قادت لجنة للتحقيق في نشاطات الشبكات الجهادية في أوروبا، وأعدت تقريرًا لحلف الناتو حول تمويل الإرهاب، طالبت بسياسة أوروبية جديدة أكثر حذرًا في التعامل مع قطر وتركيا فيما يتعلق بتمويل الإرهاب.
وطالبت جولت الاتحاد الأوروبي بإجراء تحقيق فوري، وتجميد جميع الحسابات المصرفية القطرية حتى تكشف الحقائق.
إيان بيزلي جونيور، عضو البرلمان البريطاني الذي يتتبع تمويل الإرهاب، وصف سلوك النظام القطري بالمشين، مطالبًا حكومتي بريطانيا وبلجيكا للتصرف بشكل حاسم بخصوص تلك المزاعم "الخطيرة للغاية" لا سيما بالنظر إلى أن الدبلوماسي الذي قاد جهود التستر كان سفير قطر لدى الناتو.
المعلومات الجديدة حول تمويل قطر المزعوم لواحدة من أكثر الحركات الإرهابية دموية في جميع أنحاء العالم تلقي بظلال جديدة من الشك على شراكة الدوحة مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما - والحديث لفوكس نيوز - في ظل توفير قطر للرعاية والحماية والملاذ الآمن والحصانة من الملاحقة القضائية لشخص مثل عضو الكنيست الإسرائيلي السابق عزمي بشارة.
وفي 2017 ، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن قطر "كانت ممولًا للإرهاب على مستوى عالٍ جدًا". قبل أن يقول بعدها بعام واحد، في اجتماع مع أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني، إن قطر "تحارب المتطرفين".
نيويورك تايمز نسبت حينها نجاح الدوحة في عكس السياسة الأمريكية إلى "جهد مكثف ومكلف" من جماعات الضغط مدفوعة الأجر لحساب الإمارة الخليجية.
لم يرد الناتو وحكومة بلجيكا على طلبات التعليق على التورط المزعوم لسفير قطر. كما تجاهلت الحكومة القطرية وسفاراتها في برلين وواشنطن طلبات مماثلة.
لكن مسؤولًا في سفارة الدوحة في برلين رد على ادعاءات جايسون في تصريح لصحيفة ألمانية، قائلًا إن قطر تلعب دورًا مركزيًا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط.
وأضاف المسؤول القطري: "لدينا قوانين صارمة لمنع ومراقبة تمويل الإرهاب وأي شخص يتبين تورطه في نشاط غير قانوني يعاقب إلى أقصى حد يسمح به القانون".
وزارة الخارجية الأمريكية وصفت قطر، في بيان لقناة فوكس نيوز، بأحد أقرب الحلفاء العسكريين للولايات المتحدة في المنطقة، معتبرة أن التعاون العسكري والأمني بين واشنطن والدوحة يجعل المنطقة أكثر أمنًا واستقرارًا؛ باعتبار أن ما يقارب 80% من الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تنطلق من قاعدة العديد الجوية".