٢٠ عامًا على فيلم الناظر.. ليس مجرد فيلم في هوجة المضحكين الجدد | أمجد جمال

٢٠ عامًا على فيلم الناظر.. ليس مجرد فيلم في هوجة المضحكين الجدد | أمجد جمال

6 Jul 2020

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بقدر الملايين الطائلة التي حققوها، عانى تيار سينما الألفية أو “المضحكين الجدد” من هجوم حاد وسوء فهم، معظمه بدافع طاقة الحقد المعتادة ضد أي مجدد، أو كتجلٍ لصراع الأجيال الفني، مع الاعتراف بأن بعض الاتهامات اتسمت بحد من المعقولية، مثل ادعاء أن تلك الكوميديا مجرد “إيفيهات” لا كوميديا موقف.

في لقاء تلفزيوني، تسأل المذيعة محمد هنيدي، فيجيب: “ما هو لازم الموقف يحصل الأول عشان  أقول الإيفيه”.

إجابة هنيدي بدت ذكية، لكنها حوت خلطًا. هو يقصد معاناة البطل التي يخرج منها الإيفيه، مثل أن تهجره حبيبته فينتقم بإيفيه “كنت بحب صندل في مصر”. لكن المذيعة كانت تعني أن تكون الورطة نفسها مضحكة قبل الحاجة لخفة ظل الممثل وردود أفعاله.

فيلم الناظر كان يمثل كوميديا الموقف التي قصدتها المذيعة. هذا يسهل ملاحظته في مشهد فرح اللمبي حين يزيح عريس عروسته من الكوشة ليلة فرحها. الموقف مضحك في ذاته، ومضحك أكثر حين يدعم بإيفيه: “يا راجل متقولش كدا دانت أنضف واحد جالي الفرح”.

الناظر..فرع مختلف من سينما المضحكين الجدد

الناظر بالورقة والقلم محسوب على موجة السينما الشبابية. لكن تفوقه يفضحها. مرّ على صدوره 20 عامًا، لكنه محتفظ بموقعه المؤثر في الثقافة الجماهيرية.

سماته الفنية والفكرية تكشف أن الموجة نفسها لم تكن خطًا متجانسًا، بل مقسمة لفروع. بالمناسبة، هذا ينطبق على كافة تيارات السينما.

كانت الموجة الشبابية مقسمة لخطين أساسيين:

الأول: يضم الثلاثي سعيد حامد (مخرج) – مدحت العدل (مؤلف) – محمد هنيدي (نجم)،

والثاني: يضم بالتوازي شريف عرفة – أحمد عبد الله – علاء ولي الدين.

الفارق بين خطي الإنتاج هو نفسه الفارق بين سمات أفلامهم بتفاوت مستوياتها؛ أي الفارق بين صعيدي في الجامعة الأمريكية وهمام في أمستردام من جهة، وبين عبود على الحدود والناظر من جهة أخرى.

الخط الأول حمل معظم جيناته السينمائية من بذرة الموجة الأولى فيلم “إسماعيلية رايح جاي”.

هذه الجينات تمثلت في الطابع الدرامي والواقع الكفاحي، ولمحة التنمية البشرية التي تشكل شخصيات هذا الخط: هيما ذو الطموح الفني وخلف ذو الطموح الأكاديمي، وهمام ذو الطموح الاستثماري.

تمثلت أيضًا في إقحام خط سياسي مراهق لاصطناع جدية ما، وكأن صناع هذا الخط يشعرون بأن على رأسهم بطحة ثقافية، فكانوا مهتمين جدًا بحرق أعلام إسرائيل والتشكيك في الهولوكوست، وإيقاف سكيشتات الفيلم المضحكة من أجل فواصل بكائية على استشهاد أحد جنود العائلة، وأحيانًا إبراز أن البطل ابن شهيد عسكري كتفصيلة تجعله محبوبًا أكثر في نظرنا، حتى لو كان ذلك بعيدًا عن فكرة العمل الرئيسية.

بينما الخط الثاني حمل معظم جينات تجارب شريف عرفة السابقة مع السيناريست ماهر عواد مثل “سمع هس” و”يا مهلبية”، وتحديدًا في نبرتها الساخرة، وفي شخصياتها الكاريكاتورية، وبمرورها على القضايا الكبرى دون أن تأخذها بالجدية الكافية، بل بدرجة من العدمية مناقضة نوعًا ما لحالة كفاح وطموح الشخصيات بأفلام الخط الأول، مقارنة بسذاجة وبوهيمية ومحدودية طموح وقدرات الشخصيات في هذا الخط الثاني: عبود وصلاح عاشور وعاطف واللمبي ومنصور وسعيد، الذين يتعلمون بالتجربة والخطأ، وهم مسيرون، يدركون أهدافهم ويحققونها بالصدفة والنوايا الطيبة.

استهداف القداسة الماضوية غير المبررة

العنوان الأصلي كان “الناظر صلاح الدين”. لكنه الرقابة اعتبرته سخرية من رمز تاريخي، وهي قرينة أخرى على نبرة الكوميديا العدمية الممتدة في خط تلك الموجة الكوميدية. السخرية هنا لا تستهدف القائد التاريخي بعينه بقدر ما تستهدف حالة القداسة الماضوية غير المبررة، والتي تظهر في الفيلم بأشكال متعددة مثل تيمة صراع الأجيال التي تسيطر بوضوح على قصة الفيلم، ونجدها في ملامح أخرى من بينها اسكيتش نعي الناظر عاشور صلاح الدين والذي لم يكن إلا محاكاة ساخرة لخطاب الرئيس السادات في نعي عبد الناصر.

الطريف أن فكرة الأزمة بين الابن والمجاز الأبوي موجودة في معظم أفلام الكاتب أحمد عبد الله.

نجدها في الناظر وعبود واللمبي وابن عز وفول الصين العظيم وميدو مشاكل وعسكر في المعسكر.

لكن استثمارها الأبرع ظهر في الناظر، لأن الأزمة عملت على مستوى شخصي، ومستوى ثقافي. نلمسها في رغبة البطل في الانعتاق من الوصاية الأبوية وميراث الفشل الثقيل من الأجداد، سواء بالمعنى الأسري المباشر، أو بالمعنى الفلسفي والاجتماعي.

الناظر يستهل أحداثه بتجميع كل مشاهد النكسات الوطنية عبر التاريخ في صورة اسكيتشات ضاحكة لا بكائيات، ويأتي الرد عليها بشعار بهزلية “يعيش الوطن واحنا مش مهم” ثم بالتجويد بأغنية شعبية للمطرب حكيم،

وهو ما يعد امتداد واضح لنبرة شريف عرفة الساخرة من الحنجورية الوطنية كما فعلها سابقًا في “سمع هس” حين غيّر غندور كلمات أغنية حمص وحلاوة إلى “أنا وطني بنشد وبطنطن”، وهي وسيلة تأكيد من عرفة على أن ذاتية شخوصه أسمى من السرديات الكبرى.

كما أن الناظر تضمن بعض لمحات السرد الما ورائي، وهي سمة ما بعد حداثية، يسهل الشعور بها من تترات التتابع الافتتاحي بمزجه للعربية الفصحى والعامية واستخدام الصوت الجاد للتعليق على مواقف غير جادة:”ومضت سنين كتير أوي”، ثم تعاد كتابة العبارة بعد الشطب على كلمة “أوي”، وكأن الفيلم يعلق على نفسه.

هذا السمة ورّثها الناظر للموجة الكوميدية الثانية بنهاية العقد الأول من الألفية، حيث تجد تطورها في فيلم “طير انت” مع تتر البداية الذي يقول: “هذا الفيلم مقتبس من فيلم Bedazzled وأي تشابه بين الفيلمين .. مصلحة.”

ويفعلها فيلم الحرب العالمية الثالثة بتتر افتتاحي يقول: “هذا الفيلم ليس مقتبس من فيلم Night At the Museum لكن شبهه أوي أوي.” وكان مستحيلا أن تجد لمحات مماثلة بأفلام محمد هنيدي، ما يوضح كيف كان الناظر رائدا وسابقا لزمنه.

الخلاصة، يمكن القول بأن الخط الأول من موجة المضحكين الجدد كان يميل لتصنيف الدراما خفيفة الظل، بينما الخط الثاني الذي قاده شريف عرفة وعلاء ولي الدين فهو كوميديا هزلية متطورة وعصرية.

كيف استقبله النقاد؟

هذا الفصل لم يميزه كثير من النقاد الذين عاصروا تلك الموجة بطبيعة الحال؛ لأن التجربة لم تكن اختمرت بعد. قليل منهم لاحظ التوجه العدمي للناظر، مثل سمير فريد الذي هاجم الفيلم بقسوة، فاعتبره يستهتر بالرموز والقيم.

كان غريبًا أن يعترض الناقد الذي اشتهر بثقافته وبتفتحه على ملمح كإظهار الفيلم للشعب الروسي بشكل غير لائق على حد قوله (عاهرة وقواد)، والذي اعتبره فريد نكران لجميل الاتحاد السوفيتي بمساعدة مصر في حروبها التاريخية، وهو نقد بعيد عن المعايير الفنية.

بالمناسبة، حين تحدث شريف عرفة عن هذا المشهد، قال إنه من اقترح على الكاتب ألا تكون العاهرة مصرية من الطبقات الفقيرة لأنها مكررة على مدار تاريخ السينما المصرية، لذا فضّل أن يجعلها أجنبية كي تنبع الكوميديا من مفارقة صعوبة التواصل بينها وبين البطل.

فريد اعترض كذلك على شبهة السخرية من صلاح الدين. تساءل: هل يمكن أن يظهر في بريطانيا فيلم كوميدي بعنوان ريتشارد قلب القطة؟

والحقيقة أن مدرسة بريطانيا الكوميدية تحديدًا قد تكون الأكثر جرأة في سخريتها عالميًا، هل نسي فرقة “مونتي بايثن” البريطانية باسكيتشاتها وأفلامها التي سخرت من كافة الرموز، حتى ممن يفوقون ريتشارد قداسة؟

فريد كشف تحامله حين اتهم عرفة بسرقة الفكرة من فيلم The Nutty Professor، وهو اتهام يدرك بطلانه من شاهد الفيلمين، فلا يجمعهما سوى أن الأحداث تدور في مدرسة، وفيلم ميرفي لم يكن أول فيلم يدور في مدرسة.

طارق الشناوي افترض أن قصة الناظر غرضها الإسقاط السياسي على مفهوم توريث الحكم الذي كان يظهر في بعض دول المنطقة في تلك الفترة، مع حذر من حدوثه في مصر.

أشاد بحرفية شريف عرفة الإخراجية وأداء علاء، لكن السيناريو لم يرض طموحه الفكري والسياسي، أما الناقد كمال رمزي فهاجم الفيلم لأنه كان ينتظر منه تعليقا يربط بين المدرسة والمجتمع على طريقة أفلام “شمشون ولبلب” و”بيت القاصرات”، حيث توجد دلالة للمكان أعمق وأوسع من حيزهما.

أما رفيق الصبان فأشاد بالفيلم بحرارة، معتبرًا أن شريف عرفة نجح في الناظر مجددًا بالتأكيد على أن المخرج المتمكن وراء أي نجاح حقيقي، عبر حسه الفني والجمالي، وقدرته المذهلة على إخراج علاء ولي الدين من نمطيته ، وإسباغ لون جديد ودافيء ومثير على أداءه.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك