احتجاجات شعبية في عدة مناطق في لبنان.. اندلعت رفضًا لزيادة الضرائب وفرض رسوم على المكالمات عبر التطبيقات المجانية، ووصلت لـ “إسقاط النظام”.. كل الأطراف تتبادل التهم، لكن من المتهم الحقيقي في الأزمة؟
س/ج في دقائق
ما هو “العهد الجديد” في لبنان وكيف بدأ؟
منذ 23 أبريل/ نيسان 2014، فشل مجلس النواب في لبنان في انتخاب رئيس جديد للبلاد لخلافة ميشيل سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو/ أيار 2014، ليبدأ شغور رئاسي.
استمر الشغور الرئاسي حتى انتخاب الرئيس الحالي ميشيل عون في الجولة الـ 46 من التصويت البرلماني في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
انتخاب عون استند على مجموعة من التفاهمات، أولها الدعم المباشر من حزب الله، الذي عطل – بمعاونة التيار الوطني الحر- انتخاب الرئيس لـ 45 جولة رغم الأغلبية الطفيفة التي كان يملكها تيار 14 آذار الرافض لانتخاب عون، بعدما توقفا وحلفاؤهما عن حضور الجلسات النبابية لانتخاب الرئيس، ما أسقط النصاب القانوني.
وللخروج من الأزمة، وقع حزب القوات الذي يقوده أبرز المرشحين سمير جعجع ورقة نوايا مع عون، تضمنت بين بنودها الالتزام بسياسة خارجية مستقلة تضمن مصلحة لبنان وتحترم القانون الدولي، بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول – ولا سيما العربية منها – بما يحصن الوضع الداخلي اللبناني سياسيًا وأمنيًا ويساعد على استقرار الأوضاع، والحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية بالاتجاهين، وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان، أو باستعمال لبنان مقرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين.
بعد توقيع الورقة، أيد حزب القوات ترشيح عون، لتبقى عقبة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يقود تيار المستقبل وأكبر كتلة نيابية (33 نائبًا).
ومع استمرار الشغور الرئاسي وما رافقه من شلل مؤسسات الدولة والمخاطر الاقتصادية، توصل عون والحريري إلى اتفاق غير مكتوب قالت التسريبات إنه تضمن عدم التطرق للخلاف حول سلاح حزب الله ليحال إلى طاولة الحوار ويحل ضمن بند الاستراتيجية الدفاعية.
“العهد الجديد”: كيف تحول عون في نظر حزب الله من خائن إلى حليف؟
مع توقيع اتفاق الطائف، ١٩٨٩، كان الجنرال ميشيل عون يقود إحدى حكومتين في لبنان. رفض الاتفاق وتمسك بـ “شرعيته”، لكنه اضطر تحت ضربات الجيش السوري للجوء إلى سفارة فرنسا في بيروت، ومنها إلى منفاه في باريس، ومن هناك قاد حملات دولية ضد سوريا وحزب الله.
في تسجيل صوتي قديم، يصف عون سوريا بـ “دولة إرهابية” ويعتبر حزب الله امتدادًا لسياسة إيران وسوريا في لبنان وأن أعماله خاضعة لإرادة الدولتين.
وفي واشنطن، أدلى عون بشهادة أمام الكونجرس في 2003، اتهم فيها سوريا بـ “إشعال الحرائق في لبنان على مدى أكثر من عقدين من الاحتلال والهيمنة اللذين حولا لبنان إلى أرضية خصبة للإرهاب”.
واتهم ميشيل عون سوريا بممارسة الفساد وتدمير اقتصاد لبنان على نطاق هائل ليعاني من دين خارجي يعادل 200% من الناتج القومي الإجمالي.
على إثر هذه الشهادة، صدر قانون محاسبة سوريا، ثم قرار مجلس الأمن 1559 الذي يدعو إلى حل الميليشيات في لبنان.
بعد اغتيال رفيق الحريري في 2005، حمل عون حزب الله وسوريا مسؤولية الاغتيال، وطالب بتسليم سلاح حزب الله والمنظمات الفلسطينية في لبنان فورًا.
وانضم أنصار عون لتحالف 14 آذار وشاركوا في الاعتصامات المناوئة للنظام السوري، ليعود الجنرال إلى لبنان كأحد رموز الاستقلال.
كل هذا انتهى فجأة في 2006، حين وقع عون وثيقة التحالف مع حزب الله، متهمًا رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بإدخال لبنان في نفق اقتصادي بلا نهاية واضحة، قبل أن يجري زيارتين مفاجئتين إلى إيران وسوريا ويلتقي بالرئيسين أحمدي نجاد وبشار الأسد.
التطورات الجديدة كانت حاسمة في إجهاض حركة استقلال لبنان، وتغيير موازين القوى لصالح “خصومه” القدامى، ثم – بعد عشر سنوات – في وصول ميشيل عون للمقعد الرئاسي.
ما علاقة العهد الجديد بضريبة الواتساب؟
في خطاب على خلفية التظاهرات، اتهم رئيس الحكومة سعد الحريري جهات لم يسمها بـ “محاولة تقديمه كـ كبش محرقة كما فعلوا سابقًا مع رفيق الحريري”.
اعتبر الحريري أنه رضي بالتسوية السياسية حينها لحماية لبنان من الانجراف إلى صراع أهلي جديد، وأنه “قلب الطاولة على نفسه كي لا تنقلب على لبنان”.
وقال الحريري إنه قدم حلولًا حقيقية لمعالجة أسباب الأزمات التي أثارت الاحتجاجات الأخيرة على مدى 3 سنوات، واتفق مع شركاء الحكم على الإصلاحات التي لا يوجد حل من دونها، ونقلها للمجتمع الدولي، الذي وافق على إثرها بتقديم تمويل يصل 11 مليار دولار.
وشكا الحريري من “المماطلات الدائمة” التي تعيد الأمور من خط النهاية إلى نقطة الصفر، ملمحًا لمحاولات بعض الأطراف “تصفية الحسابات مع الخارج الذي يحتاج لبنان لمساعدته”. في إشارة على ما يبدو إلى المحيط العربي الخليجي بالذات.
واعتبر رئيس الحكومة أن “أساس الغضب الشعبي هو مستوى السلوك السياسي”.
الأطراف التي لم يسمها الحريري كانت أوضح في تصريحات وزير الصناعة وائل أبو فاعور الذي اتهم الفريق الرئاسي (حزب الله والرئيس ميشيل عون) بإعادة ترتيب الوضع الداخلي في لبنان بناءً على مستجدات ما يعتبرونه انتصارات حققها حلفاؤهم الإقليميون في العراق واليمن وسوريا، بمزيد من تقليص دور سعد الحريري أو استبداله، معتبرين أن سوريا عادت لاعبًا رئيسيًا في لبنان.
أبو فاعور قال إن الحكومة لم تكن صاحبة القرار خلال 3 سنوات تولى خلالها الفريق الرئاسي كل القرارات الاقتصادية وإجراءات الفساد اليومية التي تقود إلى الوضع الحالي، متهمًا الفريق الرئاسي بـ “تسول الرئاسة من دمشق” ومحاولة إعادة ربط لبنان بمسار إقليمي يؤدي إلى إيران، بينما الحكومة واجهة لإرادة شكلية لقرار يصدر في مكان آخر.
وقال رئيس حزب القوات سمير جعجع – الذي كان أحد أهم أطراف المعادلة التي أدت لبدء العهد الجديد – إن تحالف التيار الوطني الحر “تيار عون” وحزب الله ميؤوس من أمرهما، وأن البعض منهم لا يهمهم قيام الدولة في لبنان، مشيرًا إلى تفلت جزء من قاعدة حزب الله وانضمامه للاحتجاجات.
يواجه حزب الله اتهامات مباشرة بالتورط في أزمة العملة التي تضرب البلاد حاليًا. يواجه كذلك اتهامات بعرقلة المساعدات التي كانت تنقذها من أزماته المشابهة، عبر تعزيز دوره الإقليمي وصلاته بسوريا وإيران. مما حرم لبنان من الدعم المالي الذي تقدمه دول الخليج، وأنشأ بيئة طاردة للاستثمار.
مقرر لجنة المال والموازنة في مجلس النواب نقولا نحاس استرجع الأزمة الاقتصادية في 2002، والتي خرج البلد منها بوجود رفيق الحريري الذي رتب الأوضاع وقدم قوانين إصلاحية حقيقية، بجوار تقديم السعودية الأموال “على عكس حسر الأموال حاليًا”.
واعترف رئيس مجلس النواب نبيه بري – أحد أهم حلفاء حزب الله – بأن العقوبات الأمريكية “أخافت المودعين والمغتربين من تحويل أموال إلى لبنان”.
وفي السنوات الماضية، كانت دول الخليج مستعدة لإنقاذ بيروت. لكنهم أقل استعدادًا الآن، جزئيًا بسبب الإحباط من حكومة شديدة التسامح مع حزب الله.
وتعليقًا على الأزمة، قال أمين عام حزب الله حسن نصر الله إن الأزمات الاقتصادية تراكمت على مدى عقود، معتبرًا أن الجميع يتحملون المسؤولية “مع تفاوت النسبة المئوية”، وأن الحل يمر بتضحية “الجميع: الاغنياء والفقراء والزعماء والبنوك”.
نصر الله قال إن العهد الجديد لن يسقط، مهددًا بأن نزول أنصار حزب الله للتظاهر “ستنقل الحراك إلى مكان آخر”، مضيفًا: “إذا نزلنا إلى الشارع لن نتركه قبل تحقيق كل المطالب التي ننزل لأجلها”.