خمسة مشتركات بين الأصولية ومشروع محمد شحرور | هاني عمارة

خمسة مشتركات بين الأصولية ومشروع محمد شحرور | هاني عمارة

24 Dec 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

رحيل المفكر والباحث السوري محمد شحرور المعروف بآرائه المثيرة للجدل وتأويلاته الدينية التي يحمل بعضها شيئًا من الغرابة، أعاد فتح التباين حول رؤية ما قدمه.

يراه البعض تنويريًا خدم الإسلام وأنقذه من الإساءة لصورته بآرائه التحررية، واعتبره آخرون محرفًا للدين لا يتبع منهجًا علميًا في آرائه واستنتاجاته. لكن من الملفت أن كثيرين ممن نعوه نوهوا إلى اختلافهم معه في الرأي، وبعضهم يعتبر ميزته الأساسية كانت ممارسة التفكير الحر وقراءة النص بحرية بمعزل عن التأويلات التقليدية والعقليات السلفية المهيمنة وقتها على المجال العام، ما مثل جرأة غير مسبوقة وقتها، فتحت المجال لغيره من الباحثين، وهو ما أراه شخصيًا صائبًا إلى حد كبير.

هناك من رأوه كمفكر إنساني أراد تكريس قيم الحداثة والإنسانية والحقوقية المعاصرة ومحاربة التشدد والأصولية. وهذا أيضًا مما لا يمكن الجدال فيه.

لكن ينبغي هنا التنبه لملاحظة مهمة؛ التقييم الإنساني السابق لم يحمل تقييمًا موضوعيًا له كباحث، فالفارق كبير بين البحث الديني كعلم، وبين الاتجاه الفكري كإيمان. فكونه متحررًا إنسانيًا لا يعني بالضرورة أن منهجيته البحثية موضوعية أو صائبة.

سنركز هنا على نعيه باعتباره يمثل تيارًا فكريًا مناهضًا للإسلام السياسي بشقيه الجهادي والإخواني. وسنبحث إن كان منهج شحرور فعلًا يعادي الأصولية، أم يحمل وجهها الآخر.

البنا وقطب والقرضاوي ثالثهما.. 5 معالم لمؤسس فقه عصور التحول | هاني عمارة

قراءة النص بين التاريخية والمعاصرة

في أواخر القرن العشرين، تنامى تيار الأصولية الإسلامية بشقيه الاجتماعي “السلفية الوهابية”، والسياسي “جماعات الإسلام السياسي الجهادية والإخوانية”، واللذين هيمنا على المجال العام وأثرا على تقبل المجتمعات الإسلامية للقيم المعاصرة.

النص الديني كان المعضلة الأساسية التي واجهت رافضي مشروع الأصولية؛ إذ تستند إليه تلك التيارات بشكل مباشر، ويمثل مرجعيتها لفرض السطوة على المجتمع.

أدرك من يهمهم الأمر أنه لا حل لمشكلة الأصولية إلا بحل مشكلة النص. وهنا ظهر اتجاهان أساسيان:

1 – القراءة التاريخية:

يرى أن حل مشكلة النص يكمن في إعادة قراءته وفق ظروفه التاريخية والمادية؛ باعتبار أنه – خصوصًا في التشريع – ارتبط بظرف تاريخي تجاوزه حاليًا فلم يتبق منه إلا جانبه الأخلاقي والقيمي. وأبرز من مثل الاتجاه نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون.

2 – القراءة المعاصرة:

بعكس التيار الأول، يعيد قراءة النص بآليات تأويلية مختلفة تنتج معانٍ جديدة يفترض أن القدماء لم يفهموها. ويمثل “القرآنيون” عموم التيار، حيث يرفضون النصوص الموازية من سنة وفقه وحتى السيرة، ويعتبرون النص هو القرآن فقط، باستثناء قلة منهم يقبلون مع القرآن نصوصًا موازية بشكل انتقائي يخدم فكرتهم.

وإلى هذا الاتجاه ينتمي الراحل محمد شحرور.

من المفارقات أن تيار القراءة التاريخية يتفق كثيرًا مع التيار السلفي في قراءته للنص؛ فالحل في التاريخ، وإعادة الناس للحالة التاريخية بكامل هيئاتها ومظاهرها وطقوسها بشكل ديني.

التيار لا يحمل معضلة أخلاقية كبيرة مع القيم المعاصرة؛ فالدين عند السلفيين مصدر القيمة، أما تيار القراءة التاريخية فيرى القيم المعاصرة كقيم حديثة أنتجتها الإنسانية في مراحل تطورها، وبالتالي لا يتعسف في استخراجها من النص.

أما تيار القراءة المعاصرة – وللمفارقة الشديدة – فهو أقرب لتيار الإسلام السياسي والوسطية الإسلامية المعاصرة في الإطار العام، مع فوارق مهمة في التفاصيل سنبينها لاحقًا.

مشروع محمد شحرور – كأحد أبرز ممثلي التيار – تنويري حداثي بإطارات وآليات اصولية اتفق فيها مع الإسلام السياسي في المنطلق لكنه اختلف في الغاية؛ السلطة عند الإسلام السياسي، والفرد عند تيار القراءة المعاصرة.

صناعة الإرهاب| كيف يتحول المسلم العادي إلى إرهابي؟ | (١) العقل النصي | عبد السميع جميل

واليكم المعالم الخمسة الرئيسية:

1- النتيجة قبل المقدمة

من أهم الانتقادات التي واجهت محمد شحرور هو أنه – كباقي تيارات القراءة المعاصرة – لا يتبع آلية موضوعية في البحث والاستنباط، فالنتيجة جاهزة مسبقًا، والإسلام – عندهم – كدين بنصوصه وتعاليمه يجب أن يتسق مع منظومة القيم الحديثة من حريات فردية واجتماعية وسياسية، ومع قضايا المرأة والأقليات، بما يتشابه مع تنظير الإسلام السياسي لآليات الحكم الحديثة.

الفارق الجوهري بين الفريقين أن منطلق محمد شحرور هو الفرد؛ يبحث عن حريته الشخصية سواء سياسية أو جنسية، بينما هدف تيار الإسلام السياسي هو الحكم عبر استيعاب آليات الوصول للسلطة المعاصرة لتقديم نظام شمولي للحكم. وهو ما أوضحناه في سلسلة أفخاخ الإسلاميين.

ملف أفخاخ الإسلاميين في دقائق

المنهجيتان غير موضوعيين من جهة البحث في نظري، إذ يحركهما الغرض. ونبل الغرض لا يعني صحة المنهج.

مما يدعم هذه النقطة هو اتفاق أغلب منظري التيار القرآني على نفس النتائج، رغم اتباعهم منهجيات وآليات تأويلية مختلفة، في مسائل مثل المرأة والحجاب والحريات الفردية والدينية وحقوق الأقليات ونفي النسخ والحدود والعقوبات البدنية وخلافه.

2- مركزية النص

ينطلق محمد شحرور من منطلق قرآني؛ حيث أن النص لديه هو الأساس بغض النظر عن التأويل، مع إهمال وتهميش النصوص الموازية. وهو ما يتفق فيه مع تيار الإسلام السياسي، مع الاختلاف في موقفهم من النصوص الموازية التي لا يرفضها الإسلام السياسي لكنه يتعامل معها انتقاءً أو تأويلًا بما يخدم مشروعه.

3- النص الساكن والمتحرك

وهي النظرية الغريبة التي اخترعها محمد شحرور. فيرى أن النص الثابت له معنى متحرك. وهي من الأسس التي يبني عليها فكرة القراءة المعاصرة. فمعنى النص قد يتطور بتطور الزمن.

ولو دققنا في هذه النظرية لوجدناها تخريجًا فلسفيًا منمقًا لنظرية “صالح لكل زمان ومكان” التي ينادي بها الإسلام السياسي.

4- قياسية وإعجاز اللغة

يقوم علم اللغات واللسانيات الحديث على أن اللغة منتج اجتماعي ثقافي متطور ومتغير، وليست لفظًا ومعنى، وأنها سماعية وليست قياسية بالعموم. وهذا ما يرفضه محمد شحرور في تنظيراته المختلفة، وأهمها رفضه لفكرة الترادف في اللغة، فيرى أن لكل لفظتين ظاهرهما الترادف معنى مختلفا، وهو اتجاه لغوي قديم لم يحظ بالقبول، لكن شحرور أعاد إحياءه لخدمة فكرته، وهي التي بنى عليها كتابه الأشهر “الكتاب والقرآن”، ومنها خرجت كثير من تفسيراته الغريبة.

كذلك، كان يعتقد ببعض مظاهر الإعجاز اللغوي، مثل إعجاز رسم المصحف، والإعجاز العددي. وهو في ذلك يتفق مع الإسلام السياسي. لكنه كعادة أقرانه القرآنيين يتجاهل اختلاف رسم المصحف وعد آياته.

5- التأويلية

تيار القراءة المعاصرة هو تيار تأويلي بالأساس يعتمد على تأويل النصوص دون حرفيتها المباشرة التي يتبناها التيار السلفي. وهو ما يتفق مع تيار الإسلام السياسي. لكن الفارق في آلية التأويل والغاية كما أسلفنا.

الخلاصة:

برغم أن محمد شحرور معادٍ للأصولية والإسلام السياسي ظاهريًا، وإسهامه بشكل مباشر أو غير مباشر في تطور آلية التفكير الديني وفتح المجال للدراسات المعاصرة المتعلقة بإعادة قراءة الإسلام ونصوصه، لكن المسافة التي تفصل فكره عن تيار الإسلام السياسي من حيث التكوين والمعالم ليست بعيدة كما يتصور البعض، ويمكن إعادة تدويره بما يخدم مشروع الإسلام السياسي للخروج من مأزقه الحالي.

ملاحظة أخيرة: آخر حوار صحفي أجراه محمد شحرور قبل وفاته كانت مع الصحفية الإخوانية المغربية هاجر الريسوني.

المغرب| اعتقال هاجر الريسوني يلخص أزمات الإسلاميين.. لم تقولون ما لا تفعلون؟ | س/ج في دقائق


جرائم السلطة الاجتماعية في حارتنا .. الحلقة الغائبة بين الحكم والقانون

أقسام التوحيد عند ابن تيمية.. مفتاح تكفير المسلمين | عبد السميع جميل

محمد الغزالي.. إمام الوسطية المزيف خاض معارك تكفير طالت حتى مرشد الإخوان | عبد السميع جميل


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك