في عالم الترفية، لم يعل صوت طوال الفترة الماضية على صوت فيلم Avengers: Endgame الذي حقق أكثر من مليار دولار عالميًا في أول أسبوع من عرضه. لكن يمكننا بالتأكيد اعتبار حلقة The Long Night من مسلسل Game of Thrones منافس شرس جدًا، على ضوء ما أثارته من معدل مشاهدات مرتفع في الساعات الأولى لعرضها، وما طرحته من جدل بعد ذلك عبر السوشال ميديا.
التشابهات بين العملين لا تنحصر فقط في معدلات المشاهدة القياسية، أو في عرضهما بنفس الأسبوع، لكنها تمتد لتشمل نقاطًا أخرى. نقاطًا مثل أن كلًا منهما يمثل نقطة النهاية في صراع طويل مهدته حلقات سابقة لهما، على مدار سنوات وسنوات. وأن كلًا منهما أيضًا مرتبط بشرير استثنائي في تاريخ عالم مارفل السينمائي، أو في تاريخ مسلسل لعبة العروش.
أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود
لكن نقطة التشابة الأهم ربما أن كلًا منهما دشن بشكل أو آخر – وربما بدون قصد – جدلًا ونموذج وعى مختلفا بخصوص التكنولوجيا وتقنيات العرض، والطريقة التي يجب أن تُشاهد بها هذه الأعمال.
في Avengers: Endgame وصل التزاحم أمام شباك التذاكر لمعدلات لم أرها طوال حياتي، حتى في الحفلات الصباحية المنخفضة الأعداد عادة. يمكن القول أيضا إن حماس البعض للمشاهدة على أبواب السينما، أقرب الى أجواء المباريات منه الى أجواء مشاهدة الأفلام!
ورغم تسريب نسخة للفيلم على الإنترنت، تم تصويرها خلسة داخل أحد قاعات السينما في الصين، الا أن النسبة الأكبر من الجمهور رفضت مشاهدتها، واعتبرت مشاهدة الفيلم فرض واجب في قاعات السينما، حيث أفضل صوت وصورة.
كيف أصبح التمثيل أهم قوة خارقة في Avengers: Endgame؟
يمكن القول إذًا أن شريحة ضخمة من الجمهور أدركت أن الفارق مهول بين المشاهدة المنزلية (أيًا كان حجم التليفزيون) وبين تجربة الشاشة الكبيرة وما تطرحه من مزايا. هذه نقطة تؤكد من جديد أن انتشار كيانات مثل نتفليكس لا يعني بالضرورة نهاية دور العرض، بقدر ما يعني أن على صناع السينما تقديم محتوى بصري يراه الجمهور جديرا بالمشاهدة على أكبر شاشة ممكنة. وأن بعض النوعيات في المقابل ستودع شاشات السينما، وتنتقل الى وسائط العرض المنزلية.
إجمالًا، ورغم اعجابي الشديد بـAvengers: Endgame، أرى هذا التصنيف البصري غير مستحق للدرجة للفيلم، مقارنة بأفلام مغامرات أخرى صاغت فعلًا محتوى استثنائيًا يستحيل استيعابه على شاشات التليفزيون. القائمة تشمل الأفلام التالية إذا حاولت استخلاص بعض العناوين الشهيرة من 2010 حتى الآن.
رغم هذا وبدرجة ما، تحققت نبؤة المخرج جيمس كاميرون وقت عرض فيلمه الشهير تيتانك عام 1997، وهي أن مستقبل الأفلام سينقسم إلى نوعين: نوع لا يشاهده الجمهور إلا في قاعات السينما، ويستلزم إنتاجه ميزانيات مرتفعة، ونوع لا يشاهده الجمهور نهائيًا هناك، وينتظره فقط على وسائط العرض المنزلية.
في المقابل تثير حلقة The Long Night من مسلسل Game of Thrones تساؤلات أخرى بخصوص الطابع البصري، على ضوء شكوى عديدين من سيطرة الظلام الدامس على أغلب أجزائها، لدرجة منعتهم من متابعة الأحداث.
مسلسل GAME OF THRONES .. كنز اقتصادي لـ4 دول
مدير التصوير فابيان فاجنر دافع عن عمله، ورد على هذه الشكوى، موضحًا أن هذا الظلام عنصر مطلوب ومقصود لخلق جو كابوسي ومرعب لدى المتفرج ملائم للأحداث، وأن المشكلة لها أسباب متعددة، منها إصرار البعض على استخدام شاشات الموبايل والتابلت للمشاهدة، وهي أجهزة لا تصلح لأعمال من هذا النوع، معتبرًا أن الطريقة السليمة الوحيدة لمشاهدة المسلسل هي دائمًا وأبدًا شاشة كبيرة في غرفة مظلمة.
بصياغة أخرى، ما يطلبه فاجنر هو تدشين طقس مشاهدة للمسلسل، يطابق تمامًا طقس مشاهدة الأفلام في السينما؛ لأن السينما ببساطة هي أيضًا شاشة كبيرة داخل مكان مظلم!
شخصيًا، ونظرًا لعدم مشاهدتي للمسلسل عامة، لا أملك رأيًا محددًا بخصوص الطابع البصري لهذه الحلقة، لكن هجوم فاجنر على وسائط العرض الصغيرة مثل الموبايل والتابلت، وذكره لشروط محددة ضرورية للمشاهدة، إجراء أثار إعجابي واهتمامي.
في عصر تقترب فيه الأعمال التليفزيونية الأمريكية من معايير الجودة البصرية المُتبعة في السينما، يحتاج الجمهور الآن أكثر من أى وقت مضى لنماذج عملية يدرك معها أن ما يصلح لمسلسل بسيط بصريًا من نوعية Friends يعتمد على الحوار بالأساس، لا يصلح نهائيًا لمسلسل طموح بصريًا مثل لعبة العروش.
5 تيمات سينمائية دمرتها تطبيقات الهواتف
إذا دمجنا ما ذكره جيمس كاميرون أواخر التسعينيات، مع ما ذكره مدير تصوير لعبة العروش، يمكننا القول إذًا إن المستقبل سينقسم لأعمال تحتاج إلى شاشات السينما الكبيرة، وأعمال تحتاج إلى شاشات التلفزيون الكبيرة في غرفة مظلمة، وأعمال يمكنك فعلًا أن تتابعها على شاشة موبايل أو تابلت!
هل هذا شكل العقود القادمة بالفعل؟ وهل ستشهد المسلسلات نفس التقسيمة التي ذكرها كاميرون بخصوص الأفلام؟ وإلى أي مدى سيؤثر كل ما سبق على طريقة تأليف وتنفيذ الأفلام والمسلسلات؟
الإجابات سيخبرنا بها الزمن وحده، لكن المؤكد على ضوء السنوات الأخيرة، أننا في انتظار تغييرات عاصفة بخصوص كل ما اعتدناه عن الفارق بين الأفلام والمسلسلات. وأن الوسائط المستحدثة للمشاهدة مثل الموبايل والتابلت لن تندثر، لكنها ستشق طريقها وتخلق نوعًا جديدًا من الميديا يتناسب معها.