قطر إمارة صغيرة، لكنها ثرية للغاية، بالنظر إلى ثرواتها الطبيعية في مقابل عدد سكانها. لم يكن متوقعًا أن تنهار اقتصاديًا من مقاطعة رباعية مكافحة الإرهاب.
هذا الثراء مكنها من بناء آلة إعلامية ضخمة، وتوظيف عدد من نشطاء يقترب من عدد سكانها الأصليين، لتحقيق هدف أكبر. تقديم قطر بصورة واحة التقدمية في محيط متخلف. واحة حرية الرأي في محيط مغلق.
كما نرى فإن الهدف له شقان مترابطان. الأول تجميل قطر. والثاني تقبيح ما حولها. صارت الآلة الإعلامية في حاجة إلى حدث لتنقله، فإن لم تجده خلقته. وساعدها طبعًا أن الحال في منطقتنا بعيد عن المأمول.
هنا ظهر التسلسل الفرعي التالي. كان من السهل على قطر إبراز مشكلات الأنظمة المحيطة، لو سألت من في هذه الأنظمة أنفسهم لقالوا إن الحال ليس على أحسن ما يرام.
لكنها استعانت في ذلك أحد بأبرز العوامل التي جعلت أحوالنا سيئة، جماعة فلول العثمانيين، التي كانت قضيتها منذ سقوط الاحتلال العثماني في ١٩٢٤ إثبات فشل فكرة الدولة الوطنية، وإنهاكها، وضمان أن تظل في حالة ردية في انتظار عودة دولة الاحتلال العثمانية.
نجحت قطر إلى حد بعيد في استخدام الظروف من حولها.
ونجحت بالتالي نجاحا مضاعفا في هدفها بتجميل نفسها، وحصلت على تنظيم كأس العالم، وجعلت قناة الجزيرة مرجعًا لتمحيص “فشل” البلدان الأخرى، وغض العين عن قطر نفسها.
بمعنى أشمل، نجحت في غض الطرف عن متناقضاتها. وفي تركيز الكاميرا على البروفايل الذي اختارت إظهاره للعالم. فصدق العالم أنها إمارة طامحة، وأنها واحة حرية التعبير، والإسلام التقدمي. بينما لم ير أنها تدعم أشد القوى الاجتماعية رجعية في بلداننا.
غزو الكويت دشن المشروع الإخواني القطري | خالد البري
ثم جاءت المقاطعة. التي يريد البعض أن يروج أنها لم تضر قطر شيئًا. في حين أنها أخسرتها أعز ما تملك. سمعتها.
كيف فعلت ذلك.
أبرزت المقاطعة تلك التناقضات.
وضعت الإمارة تحت ميكروسكوب العلاقة مع الإرهابيين. نشرت فتاوى القرضاوي بالعربية على الجزيرة. أبرزت استضافت القناة لقادة جبهة النصرة. وعلاقتها مع طهران.
هذا على المستوى العالمي.
على المستوى الإقليمي فهم المواطن العادي اللعبة. رأى أن الذين يطاردونه في الشوارع بدرة عمر بن الخطاب، هم أنفسهم الذي يدعمون تركيا العالمانية، ذات الشواطئ المفتوحة للسياح والمقيمين بلا قيود، والتي يروجونها للعالم على أنها نموذج الإسلام.
عام على المقاطعة.. كيف أصبحت قطر وحيدة في الزاوية؟ | محمد زكي الشيمي
في المقابل ماذا خسرت دول المقاطعة من مقاطعة قطر؟
لا شيء على الإطلاق. الحملات الإعلامية كانت موجودة سابقًا. “التشهير” كان موجودًا سابقًا. دعم الإرهابيين كان موجودًا سابقًا. التآمر مع الخصوم الرابضين على الحدود كان موجودا سابقا.
شخصيًا أعتبر نفسي شخصًا مؤيدا للسلام. الدول النامية تحتاج إلى السلام لكي تتحسن أوضاعها. السلام معناه كف الأذى – على الأقل – فضلًا عن التعاون على التطور وعلى الأمان وعلى الرفاهية.
هذا يتطلب تغييرًا في السلوك. وهذا ما يعتمد عليه تقييمه.
المصالحة الخليجية | مرحلة التوقيع على الأوراق.. لماذا الآن؟ وهل تكون شاملة؟ | س/ج في دقائق