مكتوب إلى شيخنا: على الطريق إلى كريسماس حلال | عمرو عبدالرزاق

مكتوب إلى شيخنا: على الطريق إلى كريسماس حلال | عمرو عبدالرزاق

26 Oct 2020
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بعد التحية في عجالة…

أنقذني يا مولانا. في حاجة ماسة إليك.. لرأيك. لأحكامك. دونها ودونك الهلاك. دائمًا ما تكون المنقذ لي. في كل استشاراتك السابقة كنت لي نعم السند والنصير. لولا وجودك لشارفت الهلاك. أنت تعلم قدرك لدّي. لا تحتاج مني لقسمٍ ولا لتوكيد.

وإليك شكواي وسؤلي…

أكتب إليك يا شيخنا من فرط ألمي وحزني لواقعٍ قد انهار، وحاضر مأسوي، تهان فيه أصالتنا، وتُهمل فيه رواسخنا العتيدة..

ثوان يا شيخنا. سأنتهي من عملٍ بسيط ثم أُكمل لك مكتوبي هذا..

ها قد انتهيت. إنها المطالب التي لا تنتهي، فعذرًا لتأخري. لا تؤاخذني فأنت تعلم الأطفال. إنه طفلي الصغير لا يتوقف عن المشاكسة واللعب. قد أرهقني كثيرًا. بينما كنا نتسوق بالأمس طلب منّي شراء بعض احتياجاته, في الحقيقة هو لم يبلغ النطق بعد، تعلق بها كسائر الأطفال، أولئك الذين يولدون بغريزة التشبث بالأشياء.. كل الأشياء.

فاشتريت له طرطورًا خاصا بعيد الميلاد، من ذلك النوع الذى يرتديه ما يدعونه بـ “البابا نويل”.. هو شخصية مضحكة للغاية، بالنسبة لطفلي طبعًا، حينما يراه طفلى يتعلق به ويضحك كثيرًا. ابنتي الكبرى أيضًا كانت تحبه ثم أًصبحت تزهده حينما كبرت قليلًا. لم يعد يثير فيها سوى مشاعر الرثاء لأيام سذاجتها الأولى. هي قد تجاوزت مشكلاتها الدراسية كما أخبرت فضيلتك.

أما زوجتي فيبدو أنها هي التى تدفع طفلنا الصغير للتعلق بهذا النويل. بدأت أشك في الأمر. هي تروي لى ولطفلتي عنه كثيرًا من الحكايات المضحكة، وتستطيع إضحاكي بشأنه، إذ إنها تخلط بينه وبين شخصية جحا، حتى أنها تطلق عليه “بابا جحا”. كما أنها حتى عهد قريب كانت تعتقد بثمة توحد بينه وبين ألفريد نوبل. ولسعة خيالها روت لنا قصصًا مدهشة من نسج إبداعاتها تتعلق بكون هداياه التي يوزعها على الأطفال، أو يبيعها تاجرُ انتحل شخصيته، هي جميعها جوائز نوبل التى حازها من دولة السويد.

التحرش وﺍﻟﺼﺤﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ.. “ﻋﺸﺎﻥ ﺗﺒﻘﻲ ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻷ”| عمرو عبدالرزاق

أعذرني يا مولانا، لم أدخل في صلب الموضوع بعد. تتهمني زوجتي كثيرًا بالثرثرة. لكننى سأصل حتمًا للب سؤالي..

عذرا مرة أخرى. سأتوقف قليلًا..

إنها زوجتى تناديني. وأنت تعلم فضيلتك دون غيرك، أن  للزوجة أوامر لا تُخالـَف، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور. قد أفسدتهن الحضارة الحديثة يا شيخنا وامتلاك عناصر الرفاهية. كل الزوجات هكذا. ليتني طبقت فتواك القديمة التي نصحتني خلالها بالزواج بأخرى ردًا على مكتوب سابق مني. لكانت الآن أكثر حرصًا على راحتي..

أتُخمن لماذا تناديني؟! إنها يا شيخي العزيز لا تطال الأفرع العليا لشجرة الكريسماس التي اشتريناها بالأمس، وتريد مني أن أعلق لها زينات ثمار التُفاح البلاستيكية المضيئة بأعلى. رحم الله أباها، إذ كان يمازحها معايرًا قصر قامتها، وكان يعتقد أنها لن تجد من يرتضى مقاسمتها الحياة. أتذكر يوم نصحتني فضيلتك بالزواج ممن تفوقها طولًا؟! كان هذا في فتواك القديمة، لو كنت تذكر فضيلتك كان رقم هذه الفتوى هو السابع والستين.

ها قد علقت لها الزينات. إنها الآن يا شيخى تقوم بعمل بروفات تجريبية لملابسها الجديدة، فمن عاداتها أن تقوم باقتناء ملابس ملونة لتكون في أبهى حُلة في أعياد الميلاد. إنها حتى الآن قد وعدت صديقاتها وأزواجهن وأقربائها بمشاركتهم ثلاث حفلات قابلة للزيادة. فكما تعلم يتبقى لنا في هذا العام بضعة أيام. ليمنحنا الله الستر من وعود إضافية قد تهبها هنا أو هناك.

عذرا مرة أخرى يا شيخي سأقوم قليلًا. إنها تنتظر رأيي في هيئة غطاء رأسها الجديد.قد اشترته من محل شهير بضاحيتنا، يتردد أن مالكه يستورد بضاعته من تركيا والهند.

هذا تشكيل جديد لغطاء الرأس تطلق عليه السيدات “الإسبانش” وهو لفظ كما تعلم نسبة إلى إسبانيا. في إسبانيا النسوة لا يرتدين غطاء الرأس كما تقول النكتة الشهيرة. أعلم يا سيدى أنك لا تستسيغ الإفيهات والنكات، لكن ليس هناك في الأمر ما يشين، فكما تعلم أنا أشعر بحريتى التامة حين مكاتبتك، فأنت تعلم عن حياتنا كل صغيرة وكبيرة. لكننى عاتب عليك يا شيخنا، نعم.. عليك أنت، فأنت الذي قد أشرت علينا في فتواك على ما أظن الثمانين بأن تغطى زوجتي شعر رأسها كى لا يفتتن بها الرجال. ومن يومها وقد أصبحت محفظتي هزيلة لا تقوى على حمل المال. زوجتي أصبحت تتعامل بالإيشاربات بديلًا للنقود.

ريم والمدرسة والحجاب.. ٦ جمل مخيفة في مجتمع “مش داعش بس بيحترمهم” | فيروز كراوية

جاملتها يومئذ ونقلت لها أننى أخبرتك بكون شعرها جميلًا للغاية، ولم أخبرها حقيقة ما صارحتك به في مكتوبى حينها, بأنني لا يرضينى ملمس شعرها، فهو جاف طوال الوقت. لقد كذبت عليها بشأن حقيقة شعرها الجاف، كي لا أجرح مشاعرها. لعلك تذكر يا شيخي فتواك القديمة في بدء تعارفي بشخصك الكريم أظنها كانت برقم ثلاثة أو أربعة، حينما أخبرتني أن كذبي عليها مباح لو كان يجنبنا الفتنة.

أعترف لك يا شيخي الآن أنني ارتكنت إلى فتواك، وكذبت عليها عدة مرات فيما بعد في أمور مختلفة ليست ذات صلة بشعرها أو بتفاصيل هيئتها.

حتى أنه حينما تزوجت زميلتي سرًا لأسابيع معدودة, أخبرت زوجتي أنني بصدد المساعدة في تربيتها لأطفالها اليتامى. لكنني كنت سعيدًا للغاية حينما هدأت فضيلتك من روعي بأن هذا حقي الشرعى ولا وزر علي، ولولا السياسات الظالمة والقوانين الجائرة لكان ما فعلته أمرًا اعتياديًا للغاية.

كل شيء هنا لك فضل علينا في اقتنائه. تلك الفازة اشتريتها بعد مكتوبى السابع عشر إليك، وهذه الستارة الثمينة اشتريتها بعدما ذكرتنا بفتواك السابعة والسبعين، عما هو جائز من الستر وما لا يجوز، وقد حرصنا على ألا تحمل صورًا لذي روح..

وقد سعدنا للغاية حينما سمحت لنا لأول مرة بوضع صورة شخصية لفضيلتك بظهر باب مسكننا بفتواك رقم 90، وإنني لا أخفي عليك سرًا بأننى ما زلت متمسكًا بفتواك رقم 85 ولم أعلق صورة زفافي وزوجتى حتى الآن، كى لا تتجنب منزلنا الملائكة..

لا أنسى ما حييت فتواك رقم 98 والتى سمحت لنا فيها باقتناء التلفاز. يومها حلقنا من فرط السعادة. لقد بدلت هذه الفرحة حزننا المرتبط بالفتوى رقم 83 والتى حرمت علينا فيها شراء التليفزيون والفيديو. كانت زوجتي ترغب في اقتناء الفيديو بشدة. حتى الآن لم أفهم يا شيخي ما وجه التغيير؟! ولا أهتم حقيقة بمعرفة السبب، فيكفي أنك تعرف العلة، وعلينا التنفيذ.. حتى أنك بعدها طلبت مني في الفتوى الثالثة بعد المائة أن أسرع بشراء الدش!

بالمناسبة، زوجتي ما زالت سعيدة للغاية بفتواك رقم 92 والتي أبحت لها فيه تناول الفسيخ، ولكن بيوم غير شم النسيم، مخالفة للقوم.. أعلم أنك تراه طعامًا مكروهًا، ولكنه محبب للنساء. وللنساء أحكام لا ترد علينا جميعًا..

الآن نحن في أفضل حال بفضل الله ثم ببركتك. كل شيء في منزلنا بصمتكم العزيزة واضحة عليه، السيراميك غفل الزخارف، وألوانه الفاقعة، كراسات الأطفال وأدواتهم المدرسية، ملابسهم الصغيرة، حتي أنني أعتز حتى الآن باقتراحك بتسمية ابنتي الكبرى “كوفية” نسبة إلى الكتابة العربية الأولى بمدينة الكوفة العراقية، والتي دُوّن بها المصحف الشريف, وأما طفلي يوسف فهو يحمل لقبك، فنحن لا نمل ولا نكل من تحفيظه عباراتك الرشيدة في صغره، آملين أن يقتبس من مشاعلك هالات نوره…
وبتشجيعك فزوجتي الآن حُبلى بصغير جديد، نسأل الله فيه المزيد من البركات.

روحك معنا تهفهف في المنزل. لا ينقصنا سوى سماع صوتك أو تشريفنا بالزيارة التي طالما حلمنا بها أنا وزوجتي ..

أفخاخ الإسلاميين | 11 | كيف أفسدت الصحوة الإسلامية أخلاق المجتمع؟ | هاني عمارة

وأما سؤالي:

فإن زوجتي تستفسر من فضيلتكم كما اعتادت في الأعوام الأخيرة, إن كان يمكنها الاحتفال هذا العام بالكريسماس عن طيب خاطر أم ستظل تحمل وزر احتفالاتها الماضية؟! إنها تأمل في محو آثام ما فات إذا ما أبيح لها احتفال هذا العام!

إن زوجتى لحوح كما تعلم, وهي تحتفل به على كل حال رغم اعتراضي. لكنها تأمل ألا يكون حال التلفاز والدِش والفيديو بأفضل من الكريسماس، وكلها آمال باقية..

والسلام إليك حتى ألقاك..

المؤمن عماد..

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك