في حوارها مع الأم التي ترفض فرض الحجاب على ابنتها داخل المدرسة، تقر وكيلة المدرسة أن الحجاب يدخل ضمن اليونيفورم؛ أي الزي المدرسي الذي أدخلت فكرته للمدارس لتحقيق جوهر المساواة بين الطلاب على الأقل داخل المؤسسة التعليمية، حيث لا تصبح الملابس عاكسة للفروق الطبقية أو مجالًا للتنافس لإبرازها، أو تحمل مظاهر تمييزية عرقية أو دينية تثير الحساسيات بين الطلاب، أو تلفت انتباههم لما هو بعيد عن الغرض الأساسي الذي جاؤوا من أجله هنا: المعرفة والتنشئة الاجتماعية.
الزي المدرسي الموحد بدأ كفكرة تقدمية مساواتية.. غرض نبيل يعكس اهتمام الدول بصناعة مواطنيها دون النظر لأصولهم. بل بالنظر لمستقبلهم وقدراتهم. إعدادهم لمستقبل أفضل أيا كانت نقطة البداية. أحد التجليات المعبرة عن معنى “تكافؤ الفرص” الذي تذخر به الدساتير والقوانين.
لكن المعلمة أضافت للزي المدرسي قطعة لم ترد في قانون أو دستور. واعتبرتها زيًا موحدًا (هل يمكن أن يلبس شباب المدرسة المشتركة الحجاب؟!). ونزعت عن القطعة دلالة دينية مهمة تحملها. إذ منحت الفتاة حق خلعها خارج المدرسة. طيب يا ستي شكرًا!
حين أظهرت الأم احتجاجها انتقلت المعلمة لمرحلة أخرى. الابتزاز الأخلاقي أو الديني (على حسب نيتها). إذا زعلتي إذن فيه حاجة غلط.
حالة طارق رمضان | لماذا احتفت دار الإفتاء المصرية بقاضية بريطانيا المحجبة؟ | محمد زكي الشيمي
هل تناست المعلمة مقاييس الشيوخ للحجاب أو المغزى منه؟ هل تناست أن الشيخ يعقوب يرى مثلًا أن المرأة لو التحفت بالسواد حتى غطى عينيها ذاتها لا تزال ترتكب الزنا (أي زنا نظر الرجال والتفاتهم نحوها) إذا لبست شراب بيج؟ أم هي تتبع مدرسة فقهية متخففة أكثر فتتناسى أيضًا أشكال الحجاب من خمار يغطي النصف الأعلى بالكامل من جسد النساء أو العبايات المسدلة مع حجاب يلف الرأس والرقبة؟ أم تتخذ مدرسة عمرو خالد التي ترتضي أي تغطية عشرة سنتي أو عشرة متر المهم نبدأ يا جماعة؟
معز مسعود ونظرية الـ 90% حجاب!
تستهجن المعلمة لجوء الأم للجهة الإدارية الأعلى. ليس فقط لأنها لم تخطئ حتى تستحق الشكوى. بل لأن الأم تفعل العجب. تسيء لابنتها بنفسها. الأم لا تحافظ على بنتها.
السبب سنعرفه في التعليق التالي للمعلمة في حوار بينها وبين إحدى المدرسات:
بينها وبين معلمة أخرى الحوار أكثر وضوحًا. الأم لا تستطيع أن تحافظ على ابنتها. ببساطة لأنها هي شخصيًا غير محجبة. وتربط هذا بمخالفة “تربية المدرسة”. عندها حق. فالاسم وزارة التربية والتعليم. والتربية قبل التعليم كما كرروها علينا صغارًا. إذن الهدف من فرض الحجاب هو التربية. ومن هم دون حجاب ناقصات تربية. متهمات في أخلاقهن. دون حتى سابق معرفة. قماشة واحدة تفصل بين التربية وانعدامها. كما أوصتنا رضوى الشربيني: امرأة يلعب الشيطان بدماغها وأخرى انتصرت عليه.
أفخاخ الإسلاميين: 10- فخ فريضة الحجاب | هاني عمارة
في آخر جملة في سكرينشوت الحوار بين المعلمتين، تخرج وكيلة المدرسة الكارت الأخير. هو فرض ديني. برغم أن البنات تلبسه بطرق متعددة وعلى الموضة في المدرسة. كما ذكرت هي سابقًا. وبرغم أن البنت ستخلعه خارج المدرسة إذا شاءت لأني فرضته فقط كجزء من اليونيفورم وماليش دعوة. والأمر الآخر أن الأم ستتهمنا أننا داعش. أي هؤلاء المسلحون الذين يغزون المدن ويهددون أهلها ويفرضون عليهم وعليهن الملبس وكثير غير الملبس. ويعذبوهم كما ذكرت.
الإرهاب تحت الحجاب … كيف فاقت بوكو حرام الجميع في استخدام الأطفال في التفجيرات الانتحارية
لكن المعلمة لا ترى فيما تفعله أي تعذيب. لا ترى طفلة ربما لا يسمح لها سنها بإدراك أسباب ما يقع عليها من ترهيب أصبحت بسببه غريبة بين زميلاتها. ولكنها بالتأكيد تستشعر ضغطه.
كم مرة بكت؟ لا تعرف المعلمة. كم مرة شاهدت أمها منهارة بسبب حملة الوكيلة والمعلمات ضدها وابتزازها بالرسائل والبلاغات الكيدية ولم تفهم من هذا المشهد إلا أنها تسببت لأمها في كل هذا؟
بل ربما تفهم كطفلة أن ميلادها كبنت هو السبب. لو كانت ولد لما تسببت في كل هذا العذاب والتكدير لنفسها ولأهلها. ربما لا تريد أن تذهب للمدرسة ثانية. تكره العلم واللي بيتعلموه. ربما تريد أن ترتدي الحجاب وتنتهي من هذا الكابوس الذي تعيش فيه كله.
هذه بنت اختلفت. أثارت خلافًا ورفضت ما يفرض عليها. أثارت أمها ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي وسلطت الضوء على ما نعرف جميعًا أنه قانون أغلبية المدارس المصرية خارج العاصمة. قانونها غير المكتوب.
ولاقت كل هذا العذاب والتشهير بأمها. وارتبكت علاقتها بمجتمعها ومدرستها وزميلاتها وجسمها وهويتها الأنثوية منذ تلك اللحظة المبكرة. وهي نموذج لملايين البنات اللاتي تنشأن راغبات في أن يبقين فقط على طبيعتهن حتى تتاح لهن فرصة التعرف على الأفكار المختلفة واختيار ما يناسبهن. اختيارًا حرًا.
التحرش وﺍﻟﺼﺤﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ.. “ﻋﺸﺎﻥ ﺗﺒﻘﻲ ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻷ”| عمرو عبدالرزاق
اضطراب الشخصية هو فئة من الأمراض النفسية واسعة التعريف وكذلك الأعراض.
فئة تقف في تصنيف مستقل لأنها أكثر الأمراض النفسية اتصالًا مباشرًا بالتكيف الاجتماعي وصدمات البيئة الاجتماعية. فئة تصيب البنات في بداية المراهقة بكثافة وتتفاوت أعراضها بين الاكتئاب والسلوك الانفعالي الحاد واضطراب أشكال التفكير والإدراك.
مرض لا يبدو خطيرا ولا أعراضه حادة. لكنه من نوعية الأمراض التي لا تؤذي صاحبتها ولا تتعافى منها تمامًا. تصاحب مسيرة حياتها حتى تنجو أو لا تنجو. تصبح أعراضه حاضرة عند كل موقف شبيه يجدد الصدمة الأولى: رغبة طبيعية ومجتمع رافض.
هذه معلمة ترتكب جريمة ربما تصاحب البنت لوقت طويل في حياتها. مثلها معلمات وشيوخ وأبهات وأمهات وعائلات كرروا نفس الجريمة ملايين المرات. وهم ممتلئون فخرًا أنهم “يحافظون على البنت”.
ألغاز تراثية (5) – الحجاب.. قراءة مختلفة في آيتي الإدناء والقرار | هاني عمارة
مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمدرسة هي عالم أوسع لطفل ربما لا يحصل على كل شيء ضمن نطاق الأسرة.
لو كان أهله أميين، سيتعلم القراءة في المدرسة.
لو كان أهله قساة، المفترض أن يستطيع أن يحكي ذلك ويجد دعما في المدرسة.
لو كان وحيدًا، سيجد الونس والأصدقاء في المدرسة.
لو كان موهوبًا، سيأخذ بيده في أولى خطواته لاكتشاف الموهبة مدرّس في المدرسة.
أما مدرستنا. على حسب ما ذكر في الحوارات. هي العتبة الأولى على طريق التعرف على قهر المجتمع. الخوف من المجتمع. ثم نفاقه. ثم التماهي معه. الطريق السهل.
أو رفض التماهي مع القهر. الطريق الصعب الذي اختارت أن تمشيه ريم وأمها. ألف تحية لهن.
من حسين صدقي إلى محمد سامي.. كيف أصبحت الطبقة الفنية سلفية؟ | فيروز كراوية
موضوعات متعلقة
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
نسخة للطباعة
